يوميات عدوان نيسان 1996

نقاط على الحروف

"أخي الشهيد".. عن جيل التحرير
25/05/2022

"أخي الشهيد".. عن جيل التحرير

زهراء جوني

كان محمد يتقدّمنا جميعاً في المسيرة التي قررنا القيام بها عند بوابة فاطمة في الخامس والعشرين من أيار. كنا صغاراً جداً، أنا واخوتي وأقاربي، وكانت الرايات التي نحملها أطول منّا بكثير، لكننا حين سمعنا أهلنا يكبّرون بأعلى صوتهم والناس يركضون في كل مكان غير مصدّقين أنهم يتجوّلون في قراهم، عرفنا أنّنا في عرس حقيقي وأنّ ما نعيشه ليس حدثاً عادياً.

أذكر جيداً لون ثيابنا، وشكل وجوهنا، والأهم الأنشودة التي ملّت حناجرنا لكثرة ما رددناها ذلك النهار "مبروك وطن الحرية يا مزيّن بالغار". كانت رائحة الغار والورد والأرز تعبقُ من أكفّ النساء اللواتي زغردن حتى زلزلت السماء. كلّ الذكريات تطبعُ ذاكرتي بقوّة، كأن ما حصل قبل 22 عاماً يحصل أمامنا الآن. وأكثر ما أحبّ أن أستعيده اليوم وجه أخي.

لم يخرج محمد من هذه الأرض شهيداً، إلا بفعل هذه الذاكرة. إبن العشر سنوات كان مؤمناً بالمقاومة على صغر سنه، وكان مندفعاً نحوها لأنه تربّى على ثقافة المقاومة والقتال في بيت أسس كل حياته على نهج المقاومة. لم يكن الحديث عن مواجهة العدو الإسرائيلي حديثاً عابراً في بيتنا، كان خبزنا اليومي، وكانت المقاومة حياتنا. وُلد أخي محمد بعد انطلاقة المقاومة بسنوات قليلة، فكانت ذاكرة الطفولة لديه تحفظ صور السيد عباس الموسوي، والشيخ راغب حرب، ووصايا شهداء سقطوا أول المسيرة، وكانت أذناه تنصت إلى حكايا والديّ عن الاستشهادي أحمد قصير، والسيد عبدالحسين شرف الدين وأدهم خنجر والمقاومين الأبطال في زمن الرهان على ما سُمي بالسلام مع الإحتلال، قبل أن تحوّله المقاومة بفعل القوة والإرادة إلى كيان مؤقت.

"أخي الشهيد".. عن جيل التحرير

عام 2006 كان محمد قد نضج وأصبح شاباً في السابعة عشر من عمره، وكانت المقاومة قد كبرت داخله وغدت القضية الأساس. حمل جعبته ولحيته التي لم تكتمل بعد، وخرج إلى الميدان ليحوّل ذاكرة المواجهة مع العدو الإسرائيلي التي نشأ عليها، إلى فعلٍ وممارسة. في ختام الحرب، عاد أخي وقد غمر التراب بدلته العسكرية، بدا منهكاً بعد 33 يوماً من المواجهات، كأنّ لحيته اكتملت وغدا مستعداً للمعركة المقبلة.

في العام 2015، فيما كانت الجرود اللبنانية مهددة من الجماعات الإرهابية، كان محمد جاهزاً أيضاً للقتال. حمل جعبته مجدداً، وذاكرةً أكبر عن المقاومة، وعقيدة أقوى وزمناً أكثر صلابةً ودقّة، ودّع بأبّوته الجديدة طفلته الصغيرة وسلمها ذاكرة من الإنتصارات، ثم خرج نحو الجرود مدافعاً عن هذه الأرض.

في الرابع من حزيران من العام نفسه، قدّم محمد لوالدي حكايةً جديدة يضيفها إلى حكايا الشهداء، وعلّمنا كيف يقدم الإنسان روحه في سبيل القضية التي يؤمن بها ومن أجل الأرض التي يحبّها. فكان أخي مع رفاقه المجاهدين والشهداء جزءاً أساسياً من عملية التحرير الثاني بعد أن كان معظمهم ومعهم محمد الجيل الشاهد على عملية التحرير الأولى في  جنوب لبنان عام 2000.

عيد المقاومة والتحرير

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة