يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

الأسعار فالتة من عقالها.. هل يكون الحل بـ"الدولرة"؟!
26/05/2022

الأسعار فالتة من عقالها.. هل يكون الحل بـ"الدولرة"؟!

فاطمة سلامة

تتحرّك أسعار المواد الغذائية صعودًا كلمّا تحرّك سعر صرف الدولار. في الظاهر، يبدو الأمر طبيعيًّا كون لبنان بلدًا "يأكل مما لا يزرع، ويلبس مما لا ينسج، ويشرب مما لا يعصر". والمعروف، أنّ لبنان يعتمد في ثمانين بالمئة على الاستيراد لتأمين احتياجاته، ما يجعله رهينة العملة الصعبة. الأخيرة، للأسف، باتت نادرة تتحكّم في العمليات الاقتصادية. أما القدرة الشرائية للمواطنين فقد باتت مُعدمة في بلد تتآكل فيه الرواتب التي بقيت شبه ثابتة. 

واذا كان ارتفاع الأسعار كما ذكرنا أمرًا بديهيًّا مع الارتفاع الجنوني بسعر صرف الدولار، إلا أنّ ما ليس طبيعيًا هو الفوضى والعشوائية الحاصلة في سوق التسعير. ثمّة غُبن يفرضه التجار على المواطنين بناء على قاعدة يعمل بها معظمهم وتقول: "كلما تحرّك سعر الصرف ليرة واحدة صعودًا، ترتفع الأسعار بشكل فادح". القاعدة نفسها لا يُعمل بها عندما يتحرّك سعر الصرف نزولًا، بل تحافظ الأسعار على مستواها لتعود وترتفع مجددًا مع أي ارتفاع إضافي بسعر الصرف. 

هذا الواقع، دفع البعض الى الحديث عن "دولرة" أسعار المواد الغذائية. طُرحت هذه النغمة كمخرج للحدّ من الفوضى الحاصلة. فهل يكون الحل بهذا الطرح؟ أم أنّ هذا المخرج سيُلقي المزيد من الأعباء على المواطنين؟!.

"دولرة" الأسعار ليست حلًا 

فكرة "دولرة" الأسعار لا "يهضمها" رئيس جمعية المستهلك الدكتور زهير برو لا من قريب ولا من بعيد. يحاول برو تقريب الصورة للدلالة على تداعيات "دولرة" التسعيرة على المواطن، فيسأل: كم تبلغ نسبة من يتناول الطعام في لبنان؟ يجيب على نفسه: 100 بالمئة. 

يردف السؤال بآخر: كم تبلغ نسبة من يتقاضى الدولار في لبنان؟. بالكاد يصلون الى 5 بالمئة - يقول برو- الذي يلفت الى أنّ الطبقة الوسطى كان لديها بعض المدخرات تبخّرت بمعظمها. فمن أين سيأتي المواطن بالدولارات؟ هل تتم طباعتها؟ يسأل برو الذي يشدد على أن الحديث عن منطق "الدولرة" يدفعنا الى السؤال عن الجهة التي ستراقب عملية التسعير الجديدة، وما اذا كنا قادرين على معرفة الأسعار الأساسية وسط التلاعب الحاصل بالفواتير والكذب المستشري بين التجار الذين تصل أرباحهم الى مئة بالمئة. وعليه، يخلص برو الى أنه يستحيل المراقبة في هذا الصدد. 

الحل الوحيد - برأي برو- يكمن في فتح باب الاستيراد بالكامل على أن تستورد الدولة بعض السلع الرئيسية وتبيعها بسعر الكلفة يضاف اليها خمسة بالمئة لإدارة العملية. وفق برو، أي دولة تحترم نفسها تسير على هذا الطريق، لكن للأسف لم يبق شيء لدى الدولة. وفق قناعاته، لا حل في الأزمات سوى عبر خيارين؛ إما تثبيت السعر وفرضه على السوق وهذا ما لا يمكن ضبطة مع ارتفاع سعر الصرف المستمر، وإما أن تلجأ الدولة للاستيراد، أما إيجاد آليات إدارية ومالية لضبط هذا الأمر فيستحيل، يختم برو. 

بحصلي: لتفادي الفوضى الحاصلة 

الأولوية لمصلحة المواطن، بهذه العبارة يستهل حديثه رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي لموقع "العهد" الإخباري. يطرح بحصلي فكرة "دولرة" التسعيرة من منطلق تفادي اللغط الحاصل بين سعر السلعة المستوردة وسعرها على الرفوف والمرتبط بسعر صرف الدولار. وفق بحصلي، فإنّ التسعير سواء كان بالدولار أم الليرة اللبنانية لا يعني أنّ الأسعار ستنخفض، بل على العكس، فالأسعار سترتفع لأنّ سعر الصرف يرتفع، لكن الأهم -برأيه- ضبط عملية التسعير وتفادي الفوضى والتفاوت الحاصل بين المحال التجارية.

يلفت بحصلي الى أنّ بعض التجار يسارعون الى التسعير بشكل أعلى من سعر الصرف الحالي استباقًا لأي ارتفاع، وعند انخفاض سعر الصرف يتذرعون بأنهم اشتروا وفقًا للسعر العالي وليس بإمكانهم خفض السعر. وعليه، يرى بحصلي أنّ التسعير بالدولار يجعل السعر موحدًا ما ينفي أي ذريعة لدى التاجر لرفع السعر، وعند انخفاض سعر الصرف لا يوجد ذريعة للتاجر للقول إن رأسماله مرتفع. إلا أنّ التسعير بالدولار - وفق بحصلي - يتطلب قرارًا من أصحاب "السوبرماركت" ووزارة الاقتصاد.  

ويوضح بحصلي أنّ قانون حماية المستهلك لا يفرض التسعير بالليرة اللبنانية فقط، بل يسمح بأي تسعيرة وما يعادلها بالليرة اللبنانية. وهنا يشدّد بحصلي على أنّ المهم في العملية أن يعرف المستهلك السعر الصحيح أمامه لا أن يكون على الرف شيء وعلى الصندوق شيء آخر. 

وفي ختام مقاربته للقضية، يشدّد بحصلي على أنّ أزمة ارتفاع سعر الصرف ليست جديدة، وخلال الشهرين الماضيين ارتفع سعر صرف الدولار من 22 ألفًا الى 27 ألفًا، والآن يواصل ارتفاعه، وهذا كله كان منتظرًا ومتوقعًا لأن المعطيات الاقتصادية لا تتماشى مع تثبيت سعر الصرف، فكلما كان مصرف لبنان يزيد الدعم لتثبيت سعر الصرف كان يؤجّل المشكلة التي انفجرت بعد الانتخابات النيابية. 

رمال: ليست مستحبة لكنها تجنّب المواطن الغبن 

عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال يأسف - في حديث لموقعنا - للمستوى الذي وصلنا اليه حيث التلاعب الكبير الحاصل بسعر الصرف. يقارب قضية التسعير بالدولار من 
منطلق "أهون الشرين"، فرغم أن التسعير بالدولار غير مستحب فالعملة الوطنية هي العملة التي يتم التداول بها عادة في الأسواق المحلية، إلا أنّنا نجد أنفسنا مضطرين للقبول بهذا الطرح للحفاظ على قيمة المواد بشكل صحيح من أجل المستهلك والتاجر معًا.

يؤمن رمال أن "الدولرة" الشاملة لا تعد حلًا بموازاة الارتفاع السريع بسعر الصرف والذي أوجد مشكلة في الأسواق، ولكنه يشير الى أنه عندما يجري التسعير بالدولار وتُصرف قيمة البضاعة بالليرة اللبنانية حسب سعر الصرف يعرف المستهلك كلفته بعيدًا عن أي غبن يلحق به. على سبيل المثال، حاليًا عندما يكون الدولار 35 ألف ليرة، تسعّر بعض  الشركات بضاعتها على الـ40 ألف ليرة ما يعني أنّ المواطن يُغبن في هذه الحالة بـ 5 آلاف ليرة وسط فوضى عارمة بالسوق.  

هذا المخرج - وفق رمال - يفيد المواطن ويجعل المؤسسات تحافظ على رأسمالها لأنها تبيع الدولار حسب سعر الصرف لا بـ"الناقص" ولا بـ"الزائد" بعيدًا عن الفوضى الحاصلة. وهنا يوضح رمال أن المستهلك ليس مضطرًا لشراء الدولارات بل بإمكانه الدفع بالليرة اللبنانية وفقًا لسعر الصرف، ما يعني أن عملية البيع والشراء تبقى بالليرة اللبنانية لكن يتم تحديدها وفقًا لسعر الصرف.

الدولارالمواد الغذائية

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة