طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

سفينة كاريش بين الإيحاء والعقبة
06/06/2022

سفينة كاريش بين الإيحاء والعقبة

ايهاب زكي

بالتفاوض مع أصحاب البقرة لا يمكن التوصل لانتزاع حق، وهذه قاعدة لا استثناءات لها سوى حالة الجبر والقهر. وقد أثبتت التجارب السابقة، أنّ الكيان المؤقت لا يفاوض ليعطي، بل يفاوض ليشرِّع ما نَهَبَ. وقد تدرج العدو من قاعدة الأرض مقابل السلام مثلاً، إلى السلام مقابل السلام، ثم السلام مقابل الأمن، ثم السلام مقابل الاقتصاد، وربما يصل العدو للمربع الأول ولكن بالعكس، أي الأرض مقابل السلام، بمعني أن يسيطر على ما تبقى من أراضٍ عربية تداعب مخيلته، مقابل ألّا يعتدي علينا، ويتركنا نأكل ونتناسل بسلام.

ولبنان بطبيعة الحال ليس استثناءً من هذه القاعدة، فالكيان يفاوض لبنان ليسيطر على ثرواته، لا حتى ليتقاسمها معه، والعائق الوحيد والحصري أمام تنفيذ هذه الأطماع، هو سلاح المقاومة أولاً، وجديتها ثانياً، ولكن هذا العائق لا يعني أن يستسلم العدو ويتنازل عن مطامعه، انما يحاول تحقيقها عبر الوسطاء، وبالاعتماد على أطرافٍ داخلية، تشهر العداء للمقاومة وسلاحها وجديتها، وكانت الانتخابات فرصةً لتلك الأطراف حتى تحوز أغلبيةً برلمانية، فيتمكن العدو من الفوز بالثروات اللبنانية بلا عناء وبشكلٍ رسمي، ولكن أتت أوراق الصناديق بما لا يشتهي جشعه.

وبعيداً عن الواقع القانوني والشكل التقني للحدود، وصلت سفينة تنقيب لحقل كاريش، وهي منطقةٌ متنازعٌ عليها، وهي خطوة تُصنّف سياسياً بالاستفزازية، لكنها عملياً تُعتبر طبيعيةً جداً بالنسبة لطبيعة العدو، فهو كيانٌ عدوانيٌّ جشع.

وفي هذا التوقيت لا يمكن استبعاد تأجيل زيارة الرئيس الأمريكي للكيان، بسبب هذه الخطوة الإسرائيلية، حيث إنّها قد ترفع منسوب التوتر في المنطقة، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار جنسية السفينة وهي يونانية، واليونان هي من استولت على سفينةٍ إيرانيةٍ قبل أسبوع بشكلٍ استفزازي، وقامت إيران بالمقابل باحتجاز سفينتين يونانيتين، واتهم آية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي الولايات المتحدة بأنّها من أمرت اليونان بخطف السفينة الإيرانية.

كما لا يمكن استبعاد النشوة الكاذبة التي شعر بها الكيان المؤقت، على خلفية مآلات يوم ما تسمى بـ"مسيرة الأعلام"، وكذلك لا يمكن استبعاد فكرة الحصول على وعودٍ داخلية لبنانية، على إثر ضغوطٍ إقليمية، بممارسة أقصى درجات الضغط لِغلّ يد المقاومة وبطرقٍ شتى.

أو أنّ هذه الخطوة "الإسرائيلية" لا تعدو كونها عملية اختبارية، أو كنوعٍ من استغلال الفراغ الحكومي في لبنان، والانقسام المزمن والمتفاقم، والواقع الاقتصادي الهش، للدفع بالمفاوض اللبناني لتقديم تنازلاتٍ كبرى.

والحقيقة أنّ حزب الله في هذه اللحظة كما كان منذ ولادته، يتجنّب أخذ دور الدولة، وهو شيء بغض النظر عن طبيعته أكان تشريفاً أم تكليفاً لا يريده، ويرى أنّ هذا ليس دوره، ولكن هذا لا يعني أنّ الحزب قوةٌ معلبة، تنتظر فوق الرفوف بسكون، لحين أن يأمرها أحدٌ بالنزول، هي فاعلةٌ بأقصى درجات الفعالية، في العقل "الإسرائيلي" سياسياً وعسكرياً، وهذه الفعالية هي الرادع للعدو، لكن العدو يحاول إعادة استراتيجية يوم "مسيرة الأعلام"، حيث ملامسة الخطوط الحمراء دون تجاوزها، والتقدم خطوتين ثم التراجع خطوة، بما يكسبه خطوة واقعياً، ويضع الخطوة المرجوع عنها على طاولة التفاوض، باعتبارها تنازلاً قدمه، يريد مقابلاً له.
 
ولو قمنا بمقارنة ما قالته القناة الرسمية "الإسرائيلية"، من "أنّه تم انعقاد جلسةٍ أمنية لتقييم الأوضاع على إثر وصول السفينة"، وأنّ "الجيش يستعد لتأمين المنطقة بقطعٍ بحرية فوق وتحت سطح الماء، كما يستعد لنقل القبة الحديدية بنسختها البحرية إلى المنطقة"، إذا ما قارنّا هذا الصلف بذلك الصلف قبيل انطلاق "مسيرة الأعلام، نستطيع الاستنتاج أنّ الكيان المؤقت يحاول الإيحاء بإعادة سيناريو مسيرة الأعلام"، بنسختها اللبنانية.

ولكن العقبة التي تواجه الكيان المؤقت، أنّه يتعامل مع مقاومةٍ خبرته جيداً واختبرها كثيراً، وهي مقاومة تجيد الصبر كما تجيد الكرّ، وتعرف متى يكون الصبر مريراً على العدو كمرارة الكرّ، وتعرف متى تجاهر بإيلام العدو، ومتى تجعله ألماً صامتاً.

ونحن إذ نعيش في بيئةٍ استراتيجية يغلب عليها طابع الانسداد، حيث لا زالت الولايات المتحدة ترفض الاعتراف بعجزها من ناحية، وتفوّق كلّ أعدائها من ناحيةٍ أخرى، وهو الاعتراف الذي سيجعلها تجلس للتفاوض، وبما أنّ هذا لم يحدث، وبما أنّها لا تستطيع تغيير الوقائع الميدانية عسكرياً، سيستمر هذا الانسداد إلى حين، وعليه لا نستطيع التنبؤ بمآلات الأحداث، على إثر الخطوة الاستفزازية للعدو في حقل كاريش، لأنّ كل دقيقةٍ في هذا الواقع شديد الانسداد، قابلة للتحول إلى لحظةٍ دراماتيكية، تجعل المنطقة أشبه ببركانٍ يتفجر.

ولكن ما يمكن التيقن منه، هو تلك الساعة التي قد يقرر فيها حزب الله، تسيير مسيرتين فوق سفينة الحفر على سبيل التحذير، وهو ما قاله الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير، ما يمكن أن يحدث بعد تلك الساعة لا يستطيع أحدٌ الجزم به، إلّا إذا قرر الكيان المؤقت عدم الاستجابة للتحذيرات، والإمعان في محاولات السطو على الثروات اللبنانية.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف