يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

قمة طهران الثلاثية وولادة العالم الجديد‎‎
21/07/2022

قمة طهران الثلاثية وولادة العالم الجديد‎‎

يونس عودة

 

يحاول الساسة في العالم وفي المقدمة الإدارات الرسمية ومعهم أجهزة المخابرات ووسائل الاعلام سبر أغوار ما اتفق عليه في قمة طهران الثلاثية التي جمعت الرؤساء: الايراني إبراهيم رئيسي والروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان، لا سيّما أن للقمة أبعادًا استراتيجية من حيث المكان والزمان، فضلًا عن النتائج المتوخاة والتي ستظهر بالتدرّج وعما قريب.

 

ليس تفصيلًا بالمعنى السياسي والاقتصادي أن تعقد القمة في طهران بموازاة ملفين ساخنين معنية بهما ايران مباشرة ويرتبطان بالصراع السياسي والجيوسياسي، فضلًا عن المجال الاقتصادي وزيادة التبادل التجاري. ولهذا الأخير مدلولات سياسية سيشهد عليها المستقبل مع تعاظم أزمة الغذاء والتصنيع الغذائي في العالم. كما أن استقبال آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي للرئيسين بوتين وأردوغان ليس تفصيلًا ولا بروتوكولًا، انما له مدلولات يفهمها الخصم تمامًا.

الملف الأول هو الملف النووي ومواصلة الولايات المتحدة الهروب من تنفيذ الموجبات المترتّبة عليها عبر المراوغة "الممقوتة" حتى من الأوروبيين، الذين يبصمون على اجراءات واشنطن ضد روسيا سواء على مستوى العقوبات أو في الانجرار السياسي والتوتير العسكري. وهؤلاء لم يكن في مقدورهم تبرير الغلو والغرور الأميركي والانقلاب على الاتفاق النووي من جانب واشنطن، ما جعل موقف روسيا كعضو في المجموعة الدولية 5+1 أكثر تميّزًا إلى جانب ايران، وأكثر قدرة على فضح التشويه الأميركي لمآلات المفاوضات التي لن تتركها ايران إلا مع تحصيل كامل ما اتفق عليه، وإلا فلتذهب المفاوضات مع الأميركيين إلى الجحيم.  

في الملف النووي ربما يكون التركي بلا تأثير يذكر، لكنه سيكون بجانب الحقوق الإيرانية قناعة أو ممالأة لحسابات أخرى له فيها منافع جمّة، لا سيما المنافع الاقتصادية اذا حررت ايران الاتفاق النووي كاملًا من الاختطاف الأميركي، أي مع رفع العقوبات، وهنا ستكون لتركيا مكتسبات على مستوى الطاقة والصناعة والتبادل التجاري، وهذه الأخيرة ستساهم حتمًا في تقارب سياسي يدير النقاط الخلافية بعقل بارد.   

بلا أدنى شك، هناك مصالح تلتقي أحيانًا وأحيانًا أخرى تتعارض بين روسيا وتركيا وايران، لكن الجغرافيا أحيانًا تتيح وتكون حافزًا مهمًا في التقارب والتقريب. ولذلك فإن الكتلة التي يجري إنشاؤها ليست "تحالفًا ضد أحد"، حتى لو كانت منافسًا قويًا لقوّة مثل الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنها منصة لتنسيق المصالح وتسوية الخلافات بين المشاركين، التي سوف تقرر مصير المنطقة بدءًا من سوريا التي كانت الحاضر الأكبر في القمة، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بمؤتمر صحفي مع نظيره السوري فيصل المقداد بموازاة انعقاد القمة، حيث أعربا عن أملهما بأن تجتاز سوريا وتركيا هذه المرحلة بسلام وأن تنتبه تركيا لمخرجات قمة طهران.

وقال عبد اللهيان: "حاولنا إبعاد الخيار العسكري عن سوريا والتركيز على الحل السياسي خلال القمة الثلاثية"."نأمل ان تجتاز سوريا وتركيا هذه المرحلة بسلام وأن تنتبه تركيا لمخرجات القمة.. القمة الثلاثية انعقدت في ظروف حساسة إقليمية ودولية ولا سيما الأزمة الاوكرانية وأزمة الغذاء العالمي".   

الملف الثاني الذي واكبته القمة الثلاثية هو طرد الولايات المتحدة الأميركية من المنطقة، وهذه المسألة ستعزز حتمًا ثلاثية موسكو - طهران - أنقرة، بل سوف تتعزز وتتوسع لتشمل دولًا أخرى بعد اكتشاف الصورة الحقيقية - البشعة - للولايات المتحدة والتي رسّختها وأظهرتها جولة الرئيس الأميركي الأخيرة الفاشلة حتى من وجهات نظر أميركية. فلم تستطع الجولة ترميم الصورة التي أرادتها الإدارة الأميركية، لذلك خضع البيت الأبيض وأقرّ بالرواية السعودية بعد إثارة غبار لذر الرماد في العيون وتقديم بايدن على أنه فرض ما يريد على ولي العهد السعودي. كما أقر الجميع بفشل تشكيل ما سمي "ناتو عربي" لمواجهة ايران، ولم تنجح جولة بايدن إلّا في الحفاظ على مواقف الولايات المتحدة الساعية الى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. يتصرف الأمريكيون على أساس المبدأ: عليك بإثارة صراع، في أي موقف غير مفهوم، سواء مع ايران أو روسيا التي تتقارب بشكل متعاظم مع السعودية، ودول الخليج التي دفعتها واشنطن الى معاداة ايران بالتغرير والأباطيل. وقد تلقّى بايدن بإرباك بعد عودته من جولته في الشرق الأوسط، مزيدًا من الانتقادات بينها ما هو جارح، ليس فقط بسبب استمرار التضخم وارتفاع أسعار الوقود في البلاد، إنما على خضوعه نسبيًا لولي العهد السعودي الذي يحوز على السمعة السيئة في الولايات المتحدة.

لم يعد هناك من مشكك بأن العالم في حالة مخاض لولادة نظام عالمي جديد، على مستويين سياسي واقتصادي. وقد يتطور اللقاء الثلاثي في طهران الذي يتم إنشاؤه من قبل روسيا وتركيا وإيران، في نهاية المطاف إلى منظمة تضمن الأمن الإقليمي أو العالمي. والدول الثلاث لها أهمية عالمية وقدرات عسكرية هائلة.

على المستوى الاقتصادي توصلت روسيا وايران حتى الآن إلى اتفاقات أولية بشأن مشاريع الطاقة والنقل. ويبدو أن القضية الرئيسية لمحادثات بوتين - رئيسي الثنائية كانت النقل، أي توفير التجارة الحرة بين روسيا والعالم في مواجهة الصراع المحتمل مع "الناتو"، والذي من شأنه إغلاق بحر البلطيق وشمال الأطلسي أمام روسيا.

ومن بين مجالات التعاون المخطط لها مع إيران كذلك، تبادل الغاز والمنتجات النفطية، وبناء خطوط أنابيب الغاز، والنقل. وذلك يرجح إمكانية بناء خطوط أنابيب الغاز من روسيا، عبر إيران، إلى ساحل المحيط الهندي، مع إمكانية تسييله لاحقًا. من المحتمل كذلك أن يتم أخيرًا إنشاء ممر للسكك الحديدية بين الشمال والجنوب، من روسيا، عبر إيران، إلى جنوب آسيا. وهذه التوجهات عندما تترجم الى واقع تمكن "الدول ذات السيادة الحقيقية فقط إظهار ديناميكيات نمو عالية" وفق تعبير بوتين، الذي قال جازمًا إن الدول الغربية وصلت إلى مواقع متقدمة في العالم ليس فقط بفضل منجزاتها، بل وإلى حد كبير بسبب سرقة الشعوب الأخرى في آسيا وافريقيا.

إن مخرجات قمة طهران سوف تساهم بلا شك بتسريع ولادة العالم الجديد الذي ترنو إليه شعوب العالم بعد انفضاح النظام الاقتصادي الغربي بمآربه في الهيمنة والسرقة والاذلال.

الجمهورية الاسلامية في إيرانتركيا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة

خبر عاجل