طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

الإدارة العامة.. بين مشروعية الإضراب وتجاوز الحدود
25/07/2022

الإدارة العامة.. بين مشروعية الإضراب وتجاوز الحدود

هاني ابراهيم

لا يخفى على أحد أنه في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يرزح تحت وطأتها لبنان واللبنانيون لا سيما تقلبات سعر صرف العملة الوطنية تجاه الدولار وصعوبة الحياة اليومية للمواطن اللبناني، يُعتَبر الموظف في القطاع العام واحدًا من حلقات الضعف التي لحقها أذى كبير، كونه يتقاضى راتبه بالعملة الوطنية ما أفقده قرابة الـ90% من قدرته الشرائية.

ازاء هذا الوضع المتردي المستمر بشكل تصاعدي منذ عام 2019 حتى يومنا هذا، كان من حق الموظف في الادارات والمؤسسات العامة أن يبادر الى المطالبة بأدنى حقوقه التي تسمح له على الأقل بممارسة عمله اليومي الطبيعي.

وهنا بدأت المشكلة بين حق الموظف بالمطالبة بتحسين وضعه المعيشي والاجتماعي من جهة، ودولة عاجزة عن إدارة أبسط الملفات، فما بالك بقطاع عام يضمن أكثر من 350 ألف موظف من جهة اخرى؟ وبين هذا وذاك ضاع المواطن العادي الذي يبحث عن انجاز أبسط المعاملات الادارية وحتى الحصول على المستندات البسيطة التي يحتاجها الطلاب من بيانات القيد وغيرها من الأمور اليومية للبناني.

فماذا حول قانونية هذا الاضراب المفتوح؟

كلنا يعلم بأن الموظفين العامين لم يذهبوا الى هذا الاضراب إلا قسرًا وليس كهدف بحد ذاته، بل كوسيلة للمطالبة بحاجات معيشية واجتماعية ما جعلنا نقرأ بيانات كثيرة صادرة عن هيئات ولجان وروابط الى أن وصل الأمر إلى تجمعات في دوائر ضمن مصالح ضمن ادارات، وهذا أمر مستغرب ومخالف للقانون بأبسط قواعده. ولكن، بالرغم من أن الدستور اللبناني في مقدمته وفي المواد 7 إلى 15 منه قد كفل الحرّيات العامة على أنواعها ومنها (حرية إبداء الرأي قولًا وكتابة وحرية الطباعة كما وحرية تأليف الجمعيات)، فإن الدستور نفسه كما القوانين الأخرى التي سنأتي على ذكرها لاحقًا لم تتضمن كلها النصوص التي تتيح للموظف العام اعلان الاضراب العام وشل حركة الادارات والمؤسسات العامة وبالتالي شل البلد بشكل عام، ما انعكس سلبًا بتعطيل كافة الأعمال وخسارة المواطنين لأعمالهم وخزينة الدولة لايراداتها. ويعلم أغلبية الموظفين العامين بالمبدأ القانوني العام الذي يقول (بضرورة وأهمية تسيير أمور المرفق العام بالرغم من أي ظروف تسييرًا للمنفعة والمصلحة العامة).

لم يقف المشرع عند هذا الحد بل عبّر عن ذلك وبشكل صريح حيث ذكر المرسوم الاشتراعي 112 /59 الخاص بنظام الموظفين في المادة 15 منه في فقرتها الثالثة التالي: يمنع على الموظف العام (وهو الذي يسير شؤون المرفق العام) "ان يضرب عن العمل او يحرض غيره على الإضراب".

اذًا هناك مراسيم تنظيمية وقبلها دستور سمح بالتعبير عن الرأي ولكن منع تعطيل المرافق، فهل من وسائل ردع تعيد الموظف العام إلى رشده؟

ورد في المرسوم المذكور أعلاه الخاص بنظام الموظفين ما يسمح للادارة اعتبار الموظف المتخلف عن عمله تحت أي مسمى مستقيلًا، وذلك بحسب المادة 65 البند "د"، على الشكل التالي: "اعتبار الموظف الذي يُضرب عن العمل مستقيلاً".

وما يؤكد أهمية هذا النص أنه لا يكون جائزًا الرجوع أو تعديل قرار اعتبار الموظف مستقيلًا بعد صدوره بمرسوم، وفق ما جاء في الفقرة 3 من المادة 65 المعطوفة على الفقرة 3 من المادة 64 من نظام الموظفين.

فالموظف "المُعتبر مستقيلاً" يصبح في وضع شبيه بالموظف "المستقيل"، وهو بالتالي لا يستفيد من حقوق معاش التقاعد أو تعويض الصرف بل تدفع له الحسومات التعاقدية المقتطعة عن رواتبه، والأخطر في كل ذلك أنّه لا يجوز إعادته إلى الخدمة إلا إذا توافرت فيه جميع شروط التعيين باستثناء شرط السن، حيث كانت هناك سوابق عديدة في الإدارة العامة اتخذت قرارات من هذا القبيل وهي قرارات صادرة عن مجلس شورى الدولة.

لم يقف القانون عند هذا الحد بل ذهب باتجاه قانون العقوبات لا سيما في مادته 340 حيث نص على أنه: "يستحق التجريد المدني الموظفون الذين يربطهم بالدولة عقد عام إذا أقدموا متفقين على وقف أعمالهم أو اتفقوا على وقفها أو على تقديم استقالتهم في أحوال يتعرقل معها سير إحدى المصالح العامة".

فيما ذهبت المادة 343 من القانون نفسه لتوضح دور من يدعو الى هذه الاضرابات أو بمعنى آخر يحرض على ذلك فنصّت على أن: "من تذرع بإحدى الوسائل المذكورة فحمل الآخرين أو حاول حملهم على أن يوقفوا عملهم بالاتفاق في ما بينهم أو ثبتهم أو حاول أن يثبتهم في وقف هذا العمل، يعاقب بالحبس سنة على الأكثر وبالغرامة".

لذلك كله، أصبح واضحًا أن الاضراب العام المفتوح قد تجاوز الحدود وأن الموظفين في قيامهم بهذا الأمر قد تجاوزوا كل المسموح به من تعبير ورفع مطالب وغيرها من الطرق التي تجيزها القوانين والأنظمة المرعية الاجراء، فهل نحن نقول ذلك لتبادر الدولة الى تطبيق ما تنص عليه القوانين من محاسبة ومساءلة؟ حتمًا وقطعًا لا.

إنما على الطرف الآخر أن يعي خطورة ما يقوم به من تعطيل يطال أعمال أهله وأقاربه وأصدقائه، وبالتالي كل الشعب اللبناني الذي يعاني في الأساس الأمرّين، وهنا لا بد من الإشارة الى أن محاولات وزير العمل العديدة في هذا الاطار لم تثمر حيث وصل إلى طريق مسدود في التعاطي مع الموظفين لتلبية مطالبهم، في ظل تراجع الإيرادات بسبب الإضراب من جهة، وعدم إقرار الموازنة العامة من جهة أخرى، ما يعني أن على حكومة تصريف الأعمال ايجاد الصيغة الملائمة لحلّ تلك المعضلة وعلى الموظفين كل الموظفين أن يعلموا بأن الدولة في وضع صعب وهم أدرى الناس في أن الحلول الوسطية هي أنسب الحلول إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات