ramadan2024

آراء وتحليلات

مسارات الحراك المطلوب بعد خطوة الصدر الـتأريخية
03/09/2022

مسارات الحراك المطلوب بعد خطوة الصدر الـتأريخية

بغداد : عادل الجبوري

بصرف النظر عن مجمل التفاصيل والجزئيات والظروف والعوامل الضاغطة، كان لقرار زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر إنهاء التظاهرات والاعتصامات الاثر الكبير في حقن الدماء وقطع دابر الفتنة والحؤول دون انزلاق العراق إلى اقتتال أهلي من الصعب جدا التنبؤ بمدياته وابعاده ومخاطره.

كان ما قاله الصدر من كلام واضح للغاية في المؤتمر الصحفي القصير الذي عقده بمقره في منطقة الحنانة بمدينة النجف الأشرف ظهر الثلاثين من  شهر آب/ أغسطس الماضي، كفيلًا بوضع حد لكل المظاهر المسلحة في العاصمة  بغداد ومدن ومناطق عراقية اخرى، كانت قد اندلعت فيها اشتباكات على إثر إعلان السيد الصدر اعتزاله العمل السياسي.

ولا شك ان وصول الأمور الى مستوى خطير، كان نتاج تداعيات وتراكمات امتدت لاكثر من عشرة شهور، افضت بسبب التباين الحاد في المواقف والتوجهات الى انسداد وشلل سياسي تام اوصل البلاد الى حافة الهاوية.

ويتفق الكثيرون على انه لولا تدخل الصدر وإيعازه لاتباعه ومريديه من التيار الصدري بالانسحاب وإنهاء الاعتصامات داخل المنطقة الخضراء بعدما بات السلاح هو لغة الحوار بين أطراف الصراع، لأتت نيران الفتنة على الاخضر واليابس معا.

ما المطلوب بعد وأد الفتنة وحقن الدماء؟

هذا هو السؤال الجوهري والملح اليوم، الذي يحتاج إلى إجابة أو إجابات واقعية، تبرز وتتجلى مصاديقها على أرض الواقع.

وبعد انجلاء الغبرة وبعد عودة السيوف إلى أغمادها - كما يقولون- يفترض العمل والسعي الجاد من قبل كل الشركاء لتكريس الثقة وتمهيد وتهيئة الارضيات المناسبة لحوارات وتفاهمات عميقة تؤسس لعقد سياسي واجتماعي رصين وسليم.

ولعل الرسائل والإشارات الايجابية التي انطلقت من شخصيات وقوى سياسية مختلفة، لا سيما قوى وقيادات الاطار التنسيقي تبعث على التفاؤل، رغم ان الاجواء ما زالت متشنجة ومحتقنة الى حد ما.

والنقطة الاخرى المهمة تتمثل في الشروع الفعلي والحقيقي بعمليات تصحيحية واصلاحية لبنية النظام السياسي القائم، من قبيل اجراء التعديلات الدستورية التي باتت تعد ضرورة ملحة، وحل البرلمان والتوجه نحو اجراء انتخابات برلمانية مبكرة اخرى يتم فيها تلافي الاخطاء والسلبيات التي شابت الانتخابات السابقة، وذلك بعد تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات بمهام واضحة ووفق سقوف زمنية محددة، إذ يبدو من خلال مجمل المعطيات انه لا يمكن التأسيس على مخرجات الانتخابات الاخيرة، وتجاهل كل التداعيات والتفاعلات الحاصلة.

وبعيدا عن استقالة نواب الكتلة الصدرية، ومن ثم اعلان السيد الصدر اعتزال العمل السياسي، فانه لايمكن باي حال من الاحوال تجاهل التيار الصدري ككيان سياسي له ثقله الجماهيري وحضوره المؤثر.

وقد اثبتت تجربة الشهور العشرة الاخيرة، وما تخللتها من وقائع واحداث ومخاطر وتحديات، ان أحد أبرز وأهم مداخل ومفاتيح تصحيح المسارات وبناء الثقة هو إعادة ترميم الجسور بين التيار والاطار، باعتبارهما يمثلان المكون الاجتماعي الاكبر، ومن دون التفاهم والتوافق فيما بينهما على الخطوط العامة، سوف تبقى الامور تدور في حلقة مفرغة.

ولأنه من غير الممكن ان يذوب وينصهر اي منهما في بوتقة الاخر، لذا فان البحث عن نقاط التوافق والالتقاء، والابتعاد والنأي عن نقاط التقاطع والافتراق هو الخيار الانجع والافضل، مع توسيع مساحات النقاشات الصريحة التي من شانها تشخيص مكامن الخلل والخطأ ايا كان مصدرها، وبالتالي العمل على معالجتها بهدوء وحكمة وروية وعقلانية.

أضف الى ذلك، فإن ما ينبغي الالتفات والتنبه اليه، طبيعة وخطورة الاجندات والمخططات التي تريد تفكيك المنظومة الاجتماعية العامة للمجتمع العراقي من خلال احداث الفتن واختلاق الصراع والتناحر بين قواه وتياراته السياسية، وخصوصا تلك التي تنتمي الى المكون الاكبر. ولعل التعاطي السلبي التحريضي للكثير من وسائل الاعلام الخارجية، وحتى بعض الداخلية منها، ومنصات التواصل الاجتماعي والمنابر السياسية، مع مجريات ما حصل من اعمال عنف واستخدام للسلاح، يؤشر بما لايقبل الشك الى ان هناك من يعمل على تأجيج الفتن والانقسامات، وصب الزيت على نار الخلافات والاختلافات. ويبدو ان اطراف الصراع، تنبهت لذلك، وراحت تطلق دعوات التهدئة وتجنب أي اطروحات واراء ومواقف استفزازية للاخر، وتشدد على ضرورة استثمار اجواء زيارة اربعينية الامام الحسين، وبما تنطوي عليه من ابعاد ودلالات انسانية عظيمة، لمنع الانسياق والانزلاق الى المزيد من المشاكل والازمات، والتوجه الى اصلاح ما يمكن اصلاحه من الاخطاء والسلبيات والانحرافات التي تراكمت على مدى اعوام طويلة.

خطوة السيد الصدر التاريخية بحقن الدماء، تحسب له ولمن ساهم معه في اتخاذها، بيد انها لن تكون كافية وحدها لرأب الصدع، وما يفترض وينتظر ان يستتبعها من خطوات لن يكون أقل أهمية منها.

مقتدى الصدر

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات