نقاط على الحروف
الفيول الايراني والفول اللبناني
مفيد سرحال
بين ليال كالحات وايام مالحات ومولدات حالبات لجيوب الناس والواح طاقة طبقية حصرية ازدانت بها السطوح، يغطي الظلام الدامس غالبية بيوت اللبنانيين المقهورين المسحوقين تحت عجلات الدولة المفلسة .
في الازمات المستعصيات، بديهي لا بل منطقي استنفار العقل الرسمي لاجتراح الحلول وترتيب الاولويات متهيبا أثقال اللحظة، فيقتحم العقبات والحواجز متلقفا العروض التي تشكل ثقوبا ناجعة في جدار الأزمات السميك بشجاعة ومسؤولية عالية، وتحد نابع من ضرورات حفظ الكرامة وصونها خاصة في بلد مثل لبنان لا نقاش في انه يتلوى بين مخالب استعمار اميركي ظالم قاهر، وحصار خانق جائر استحال شديد بلاء على الشعب اللبناني بموازاة انهيار تدريجي للمؤسسات والقطاعات الواحدة تلو الاخرى، مع مؤشرات تهديد حقيقي للمؤسسات الامنية والعسكرية التي يجتاحها التسرب على كل المستويات ايذانا بفوضى عارمة مقصودة على ما يبدو ومخطط لها بدراية وعناية في اروقة بيت واشنطن الأسود.
في حمأة هذا الاختناف المفتعل المشفوع بحملة اعلامية سياسية غشوم تلقي باللائمة على المقاومة وتحملها مسؤولية الانهيار والحصار، في وقت يدرك القاصي والداني ان كلاهما نتاج عاملين اساسيين:1ـ فساد متناسل منذ التسعينيات واكبه اقتصاد وهمي، 2ـ خنوع وخضوع بعض طبقة سياسية ومرجعيات ممسوكة مكبلة بالتزامات ووظائف، ووهم قناعات مُضللة زائفة كالسيادة والحياد والمخاوف المصطنعة من تغيير لوجه لبنان وهويته وعلاقاته!!!.
والحال هكذا، جاء العرض الايراني لحل معضلة الكهرباء عبر تقديم الفيول ما يؤمن ساعات تغذية تبدد جانبا من العتمة، وتخلق حيوية اقتصادية جراء اعادة تنشيط قطاعات قلَّص انقطاع التيار الكهربائي فعاليتها وانتاجيتها، غير ان السلطة او بعضها بدل تلقف المبادرة الايرانية أخذت تخلق الحجج وتستولد الذرائع حول صلاحية الفيول الايراني ونسبة الكبريت العالية الضارة بالمعامل، وما الى ذلك من تُرَّهات تشي بعدم جدية ورفض ضمني للعرض الايراني اتساقا مع الارادة الاميركية وقيصرها الظالم المتغطرس.
للأسف الشديد خفت الصراخ كما الضجيج والعجيج اليومي حول مصالح الناس، وخرست حفلات البكاء على معاناة اللبنانيين جراء العتمة، وبهتت التصريحات من هذا القبيل كل ذلك بتأشيرة وايحاء للاستمرار في تغذية العقول والاذهان بسردية مشبعة بالهراء ان الالتصاق بمحور المقاومة يعني العتمة والحصار والجوع واللاازدهار واللااستقرار، وبالتالي فان قبول الهبة الايرانية تلقائيا سيبدد كل مفاعيل هذه الاسطوانة المشروخة ويهدد باقفال ابواب فبركة الكذب كرأسمال حقيقي لحفلة التشويه وتسميم العقول بالمزاعم الخبَّابة.
بات واضحا ان اميركا ومعها الغرب التابع يخشيان امتلاك لبنان الثروة من نفط وغاز الى جانب السلاح الرادع للعدو الاسرائيلي، ما يعنى ازدهار وبحبوحة وانتعاش اقتصادي ودخل مريح للفرد وقوة عسكرية مهابة تحفظ السيادة وتصون الحقوق من مد اليد الصهيونية على المطارح السائبة، وقادرة كل آن وبإشارة من سيد المقاومة على إيقاف جيش الاحتلال اليهودي على رجل ونصف، وبين ظهرانيه مجتمع صهيوني مذعور يخيم عليه شبح هجرة معاكسة تعني فيما تعني اندحارا تدريجيا للمشروع الاستيطاني والمرتكزات العقائدية الفلسفية للكيان الزائل.
ازاء هذه الحقائق حول طبيعة الصراع وأهداف الحصار الاميركي والمآسي التي تخيم بظلالها فوق لبنان وشعبه، يستهجن المتابع والمراقب استهتار وانكار بعض القوى السياسية في السلطة وخارجها، امكانية تجاوز الازمة مرحليا من خلال القبول بالهبات سواء القمح الروسي او الفيول الايراني او العروض الصينية المذهلة للتخفيف من آلام الناس، وانتشال قطاعات واسعة من حال الشلل والموت البطيئ، بدل التماهي مع المشروع الاميركي التجويعي الافقاري الظالم المعد للبنان والانصياع لمشيئة شيا ووصفاتها استئناسا بمعادلة إسقاط البلد لاسقاط المقاومة.
هذا (الفول اللبناني الاميركي النكهة) ليس الا تهويما ومضغة خاوية، أثبتت التجارب مرارة مذاقه لانه يعاكس المصلحة الحقيقية للبنان ..الفيول الايراني حل وفأل خير والفول اللبناني حصى في مكيول زائف و(ضياع الفرصة غصة).
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
01/11/2024
مبارك لـ"النهار" جائزة استحسان "هآرتس"
28/10/2024