يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

من حلب الى أوكرانيا .. تحولات نحو عالم جديد
07/09/2022

من حلب الى أوكرانيا .. تحولات نحو عالم جديد

عمر معربوني | باحث في الشؤون السياسية والعسكرية 
مع نهاية عام 2016 حرّر الجيش العربي السوري وحلفائه كامل الأحياء الشرقية لمدينة حلب وانتهت مرحلة اسّست لتحوّل  جيواستراتيجي كان بمثابة الزلزال المدّوي  على داعمي الجماعات الإرهابية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية وكيان العدو الصهيوني وتركيا.

وفي حين انّ تركيا انطلاقاً من الوقائع الجديدة ارتضت الذهاب الى لقاء استانة الأول كدولة داعمة للحّل السياسي على الرغم من علاقتها بالجماعات الإرهابية كأدوات أمّنت لتركيا موقعاً ضاغطاً تستخدمه مع روسيا وايران لتحقيق المزيد من المصالح  وهو سلوك مستمر حتى اللحظة الى حين وصول تركيا الى تأمين مصالحها ضمن مسار من المناورات بالنظر الى ما تمتلكه من أوراق القوة والضغط.

في الجانب الآخر استمرت الولايات المتحدة الأميركية وكيان العدو الصهيوني بانتهاج مسار مكشوف بالكامل هدفه تقويض نتائج المواجهة التي مالت لمصلحة سورية ومنعها من الدخول في مرحلة استعادة القدرة على التعافي وإنجاز عنصري البناء المتمثلين بإعادة الإعمار وإنجاز البنى والآليات الإدارية السياسية لسورية ما بعد الحرب.

بحسب الخطة الأميركية – الغربية كان مقرّراً ان تتم السيطرة على سورية بنهاية العام 2012 كحد اقصى وتحويل سورية الى امارات متناحرة وبذلك يتم تحقيق هدف فصل سورية هم ايران والاستفراد بحزب الله وانهاء حالة المقاومة في لبنان.

في الترتيب الوارد ضمن الخطة الأميركية كان مقرّراً الإنتقال الى مرحلة الإجهاز على روسيا وايران ومن ثم الإنتقال الى الخطوة الأخيرة وهي محاصرة الصين واخضاعها.

وممّا لا شك فيه ان صمود سورية والمساعدة الروسية الديبلوماسية وموقف ايران ومشاركة حزب الله قلب المشهد ومكّن سورية من الصمود من 2011 إلى سقوط مدينة ادلب وجسر الشغور بيد الجماعات الإرهابية في آذار/ مارس من عام 2015 وهو الذي اعتبرته الجماعات الإرهابية نصراً استراتيجياً في حين انه كان بمثابة الكمين الإستراتيجي الذي دفع روسيا الى الدخول على خط المعركة عبر القوات الجوية الفضائية الروسية في نهاية شهر أيلول/ سبتمبر بداية ومن ثمّ تدعيم الوجود بعدد من القوات الخاصة والقادة النخبويين في الجيش الروسي.

من المعلوم انّ الاجتماع الطويل بين الرئيس بوتين والجنرال قاسم سليماني في موسكو والذي تضّمن شرحاً على الخرائط لتوضيح طبيعة مخاطر سيطرة الجماعات الإرهابية على ادلب وجسر الشغور ومحيطهما اقنع الرئيس بوتين بضرورة المشاركة بشكل مباشر لوقف اندفاعة الجماعات الإرهابية وتعديل ميزان القوى حيث انه كان من الممكن ان تفقد روسيا موطيء قدم بمثابة حلم تاريخي لها على ساحل البحر الأبيض المتوسط فيما لو تقدمت الجماعات الإرهابية وسيطرت على مناطق الساحل السوري.

بمرور سنة تقريباً على الدخول الروسي الى سورية بدأت الأمور تتبدّل بشكل واضح عبر انتقال الجيش العربي السوري الى الهجوم المضاد الذي تتوّج بانتصار حلب الذي شكّل ركيزة الانتصارات المتتالية في محاور البادية شمالاً وجنوباً وتحرير كامل القلمون الشرقي والغربي والغوطتين الشرقية والغربية وحمص واريافها وارياف حماه وصولاً الى الإنجازات الكبيرة من خان شيخون الى سراقب الى آذار/ مارس 2020 حيث تم تحرير ارياف حلب الجنوبية والغربية واكثر من نصف جغرافيا جبل الزاوية وسهل الغاب وغيرها.

لكن يبقى ان التحوّل الأهم كان بعد دحر الجماعات الإرهابية في الأحياء الشرقية لمدينة حلب وهي العاصمة الاقتصادية لسورية . إضافة الى انتصار حلب لا بدّ من التذكير بأن تحرير مناطق دير الزور والميادين والبوكمال وضع اللبنة الأساسية لخط الربط بين طهران ولبنان مروراً بالعراق وسورية، وهو الطريق الذي تحاول كل من اميركا وكيان العدو إعاقة استخدامه سواء بتوتير الوضع العراقي عبر فلول " داعش " من جهة والإنقسام السياسي العامودي الحاد بين الأطراف السياسية لإبقاء العراق في حالة عدم استقرار، وعبر استهداف سورية المستمّر لإبقائها في حالة عدم التعافي.

وتبدو المشاركة الأميركية مع كيان العدو في تحطيم قدرات سورية جليّة من خلال السيطرة على حقول النفط والتحكم عبر ميلشيا " قسد " بالزراعات الإستراتيجية لإجبار سورية على دفع مبالغ هائلة بالعملة الصعبة لتأمين الحبوب والمحروقات.

وخلال هذه المراحل اضطرت اميركا الى تغيير آليات المواجهة بعد كل انتصار تحققه سورية للإلتفاف على الإنجازات وتأخير عملية التعافي عبر: 
1ـ إبقاء قواتها في شمال شرق الفرات ( الجزيرة العربية ) مسيطرة عبرها بالتعاون مع ميليشيا " قسد " على حقول النفط والغاز والتحكم بمناطق الزراعة الإستراتيجية.
2ـ قانون قيصر والعقوبات الاقتصادية وما تشكله من ضغوط على الاقتصاد السوري والعملة الوطنية ومعيشة السوريين .
3ـ اعتماد نمط " المعركة بين الحروب " من قبل العدو الصهيوني بدعم مباشر من اميركا عبر شن غارات بواسطة سلاح الجو الصهيوني على اهداف عسكرية ومدنية.
وان كان موضوع السيطرة الأميركية على شمال شرق الفرات وتبعات قانون قيصر واضحة الى حد كبير بالنسبة للمتابعين فإن نمط " المعركة بين الحروب " يحتاج الى بعض الشرح سواء بما يرتبط بالأهداف الإسرائيلية منه او بنمط الردّ المعتمد من قبل سورية .

في 10 شباط / فبراير من عام 2018 اسقطت الدفاعات الجوية السورية طائرة اف – 16 SOFA من الطراز المتطور فوق فلسطين المحتلة وأنهت بذلك عهداً طويلاً من الإختراق الجوي المباشر للأجواء السورية والزمت قيادة العدو منذ ذلك التاريخ بعدم الإقتراب من المجال الجوي السوري واجبرته على استخدام صواريخ جوالّة موجهة ذات تقنية عالية بمدى يتراوح بين 200 الى 300 كلم بكلفة مالية عالية جداً للإبقاء على نظرية التفوق والذراع الطويلة ولو على مستوى الإعلام.

العارفون بطبيعة وتفاصيل الصراع يعلمون ان الأهداف الإسرائييلية من الإغارات المستمرة تهدف الى تحقيق مجموعة من المسائل:

1ـ منع تراكم القوة النوعية لدى الجيش العربي السوري وخصوصاً منظومة الدفاع الجوي وهو ما لم يتحقق حتى اللحظة حيث لا تزال منظومات الدفاع الجوي السورية تعمل بكفاءة عالية بمواجهة الصواريخ التي تُطلق من خارج المجال الجوي السوري والتي يتم اسقاط معظمها في حين تصل الى الأهداف ما نسبته 20% فقط منها وهو امر مهم لم تستطع منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية تحقيقه في مواجهة صواريخ المقاومة الفلسطينية البدائية قياساً على الصواريخ الإسرائيلية المتطورة جداً حيث وصلت نسبة الإسقاط الإسرائيلية للصواريخ الفلسطينية الى 60% فقط.

في هذا الجانب من المفيد الإشارة الى انّ الأهداف المستهدفة بحسب اعلام العدو هي مستودعات لصواريخ قادمة من ايران لحزب الله وهو مجرد أكاذيب لا صحة لها حيث بات مؤكداً ان حزب الله يصنّع ما يحتاج اليه من صواريخ ومسيرات وهو امر اعلنه السيد حسن نصرالله علناً اكثر من مرّة.

وبعد فشل العدو في التأثير بقدرات الجيش العربي السوري وحزب الله على المستوى العسكري انتقل الى استهداف اهداف مدنية حيوية كمرفأ اللاذقية الذي تم استهدافه اكثر من مرة وادت الغارات الى تدمير مستوعبات تحتوي مواد غذائية وقطع تجارية مختلفة في محاولة لخلق واقع ضاغط في معيشة السوريين إضافة الى تعطيل مطاري دمشق وحلب في محاولة لعزل سورية عن العالم.

2ـ تغيير قواعد الإشتباك عبر قصف مواقع لحلفاء سورية في مناطق بين العراق وسورية وهي مراكز لمقاتلين كان لهم دور أساسي بمواجهة الجماعات الإرهابية بما يشبه التمهيد الناري مقدمة لإحتلال هذه المواقع مجدداً وقطع الربط بين العراق وسورية الذي ازعج الأميركي والإسرائيلي واعتبراه امراً سيؤدي الى خلل كبير في ميزان القوى ويسهل اندفاع العديد البشري والوسائط القتالية مستقبلاً في أي مواجهة شاملة  وهو ما يصنفه قادة العدو بالخطر الذي يوازي خطر الصواريخ والمسيرات.

3ـ التأثير في وعي جماهير محور المقاومة وهو الذي تحقق " إسرائيل " مستوى كبير منه في الإعلام عبر اقناع جماهير المحور انّها قادرة ولا تزال ذراعها الطويلة فاعلة ومؤثرة وان احداً لا يستطيع تحقيق الهزيمة بها وما الى ذلك.

هذا الأمر يكاد يكون الأمر الوحيد الذي تستفيد منه قيادة العدو سواء بالتأثير على معنويات جماهير المحور او بما يرتبط برفع معنويات شعب الكيان وكذلك في الإستخدام السياسي ، وهو ما يحتاج الى وضع اليات مواجهة إعلامية اكثر مرونة وخارج النمط للحد من تأثير العدو.

بما يرتبط بالردّ الذي تعتمده سورية فإن أي مراقب متمكن وعارف بتفاصيل الصراع لا بدّ سيتعاطى مع الأمر انطلاقاً من الفهم الإستراتيجي لطبائع الصراع وانطلاقاً من قوانينه التي تخضع لتقدير الموقف المبني على حسابات علمية وليس عاطفية.

تعتمد سورية حتى اللحظة على نمط الدفاع السلبي عبر التصدي لصواريخ العدو واسقاط معظمها وهو امر مُحقق وثابث دون الإنتقال الى نمط الردّ المتناسب بسبب جدول الأولويات الموضوع في الخطة الدفاعية السورية والمرتبطة ايضاً بخطة محور المقاومة والخطة الروسية ، فطالما ان الإستهدافات الإسرائيلية لم تحقق أي ضرر استراتيجي لا بل حتى عملياتي واقتصرت على إنجازات تكتيكية فمن الحكمة ان لا تنجّر سورية الى معركة بتوقيت العدو وحساباته لا بل الإنتظار لمراكمة قوة مضافة مع قوى المحور لردم الهوّة في ميزان القوى التي لا تزال تميل لمصلحة العدو.

في الجانب التقني لا بدّ من شرح مسألة مهمّة وهي عوامل الجغرافيا التي تساعد العدو في استخدام طائراته واطلاق الصواريخ منها وخصوصاً المجال الجوي اللبناني والجولان السوري المحتل والتي تتيح السلاسل الجبلية من خلاله تسهيل عمليات الإطلاق والتخفي بسرعة عن الرادارات السورية وهو موضوع لا يمكن معالجته الا بتوضيع ردارات ومنظومات دفاع جوي على الأراضي اللبنانية وهو امر متعذر وغير موجود لأسباب كثيرة ترتبط بوضعية لبنان وانقساماته السياسية.

ختاماً: ان ما يحصل في أوكرانيا هو أمر لا يخرج عن مسار الإندفاعة الروسية التي بدأت في أيلول/ سبتمبر 2015 تاريخ دخول روسيا على خط المواجهة في سورية، وصولاً الى بدء القادة الروس استخدام مصطلحات اكثر وضوحاً في توصيف العملية العسكرية في أوكرانيا بأنها معركة بمواجهة الهيمنة الأميركية وهو تحوّل كبير لا يقل أهمية عن تحوّل انتصار حلب وهو ما ساخصص له مقالاً خاصاً لشرح طبيعة التحول وآفاقه في التأثير على النظام العالمي الحالي القائم على الهيمنة والنهب والإنتقال الى نظام عالمي جديد قائم على الشراكة والتعاون.

حلبالكيان المؤقت

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة

خبر عاجل