طوفان الأقصى

خاص العهد

الرسوم العقارية.. أضعاف مضاعفة
16/12/2022

الرسوم العقارية.. أضعاف مضاعفة

فاطمة سلامة

قبل أيام طالعتنا وسائل إعلام لبنانية بخبر استغلال زعيم لبناني نفوذه لنقل 306 عقارات من ملكيته الى ملكية نجله. قد يبدو الخبر عاديًا للوهلة الأولى، ولكن عملية النقل التي تمّت خارج دوام العمل الرسمي في إحدى أمانات السجل العقاري في لبنان تُثير الكثير من علامات الاستفهام. قليل من التدقيق يُبيّن أن الزعيم المذكور كان في عجلة من أمره لتوفير المليارات والتي كانت ستُدفع بدل ارتفاع كلفة التسجيل العقاري مع دخول موازنة عام 2022 حيّز التنفيذ. 

مشهد الزعيم الذي "نجا" حتى الساعة من فرق ارتفاع قيمة التسجيل بغض النظر عما ستسفر عنه الملاحقة القانونية، يقابله مشهد آخر في الدوائر العقارية. مواطنون كثر يبدو حالهم "على قدّهم" -كما يُقال- جهدوا خلال الأشهر الأخيرة للفوز بورقة تسجيل ملكية مبنى أو أرض لكنّ محاولاتهم باءت بالفشل. ثمّة من سنحت له الظروف ليتمكّن من التسجيل أو أقله تمكّن من تسوية أموره بانتظار الحصول على "إيصال الدفع"، وثمّة من لم يحظ أو يوفّق للعملية ليلقى مصير الدفع وفق التكلفة الجديدة للإفراغ العقاري. فكم تبلغ تلك التكلفة؟. 

الموازنة بأكملها هي مجموعة من الضرائب الجائرة

قبل احتساب الكلفة بالأرقام، يتحدّث مدير المحاسبة السابق في وزارة المالية الدكتور أمين صالح لموقع "العهد" الإخباري عن الشكل الذي جاءت به الموازنة المجحفة. برأيه، الموازنة بأكملها هي مجموعة من الضرائب الجائرة على كافة القطاعات سواء على الرواتب والأجور أو على الرسوم العقارية. الأخيرة سوف تزداد كثيرًا، فبحسب قرار وزير المالية رقم 1/688 تاريخ 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 والمتعلق برسوم الإفراغ والانتقال العقارية تحتسب رسوم العقار المبني على أنواعها من رسم الإفراغ والانشاءات والإفراز والمقاسمة والمبادلة على أساس المبلغ الحاصل من ضرب القيمة التأجيرية بالرقم 30 أي بسعر صرف المنصة. ويلفت صالح الى أن أمانات السجل العقاري ملزمة بتطبيق هذا التخمين دون أي تعديل وذلك عندما يكون هذا المبلغ قد زاد على الأسعار المذكورة في الصكوك (عقود البيع) والمصرّح عنها. 

ويعتبر صالح أنّ القرار استند في حيثياته الى الأوضاع العامة السيئة في البلاد، لكن كان يقتضي أن تؤخذ هذه الحيثيات في الاعتبار عند إعداد وإقرار الموازنة وليس بعدها واستخدامها مبررًا لفرض تدابير مخالفة للقانون، من وجهة نظر صالح، فضلًا عن أنّ القرار لم يستند الى نصوص قانونية تجيز مثل هذه التدابير، بحسب صالح.

أمثلة على ارتفاع الكلفة 

الكاتب بالعدل يوسف الحاج يلفت الى أنّ كلفة تسجيل الرسوم العقارية ارتفعت نحو 20 ضعفًا. صحيح، وفقًا للموازنة الجديدة انخفضت نسبة الرسوم من 5 الى 3 بالمئة  في الأراضي، ومن 5 الى 3 بالمئة في الشقق السكنية الكبيرة ليصبح الرسم متساويا بين مختلف أنواع الشقق والمباني السكنية وهو 3 بالمئة، لكن التخمينات العقارية ارتفعت. الأخيرة كانت تُحتسب في السابق وفقًا لسعر صرف 1500 ليرة لبنانية، أما اليوم فباتت تُحتسب وفقًا لسعر منصة صيرفة أي ما يفوق الـ30 ألف ليرة لبنانية.

يُعطي الحاج مثالًا على ما يقول؛ لنفترض أنّ سعر الشقة السكنية المعروضة للبيع أو التي سيتم نقل ملكيتها من شخص لآخر يبلغ مئة ألف دولار. قديمًا كان يتم تحويل هذا المبلغ وفق سعر صرف 1500 ليرة لبنانية فيبلغ 150 مليون ليرة لبنانية، فيتم ضرب المبلغ بمئة ثم تجري قسمته على ثلاثة (قيمة الرسم) فتصبح تكلفة الإفراغ العقاري 5 ملايين ليرة لبنانية. أما اليوم، فتتم المعادلة الحسابية أعلاه بناء على ضرب سعر الشقة بسعر منصة صيرفة ليصبح رسم التسجيل نحو مئة مليون ليرة، ما يعني أن التكلفة ازدادت نحو 20 ضعفًا.

وبحسب الحاج، يجري تخمين سعر العقار وفقًا لسعر منصة صيرفة قبل يوم واحد من تاريخ التسجيل. يُعطي الحاج مثالًا آخر عن تسجيل الأراضي والذي بات رسمه 3 بالمئة. لنفترض أنّ سعر دونم الأرض يبلغ مئة ألف دولار. في السابق كان الرسم 5 بالمئة، وكانت تكلفة التسجيل نحو 8 ملايين، أما اليوم ومع ارتفاع قيمة تخمين الأراضي وانخفاض رسم التسجيل من 5 الى 3 بالمئة فقد باتت كلفة التسجيل نحو مئة مليون أي كرسم تسجيل شقة بقيمة مئة ألف دولار.  

ولا يُخفي الحاج أنّ الموازنة حملت نوعًا من "الفخ" بالنسبة للمواطن. في الظاهر يتبيّن له أنّ قيمة رسم التسجيل انخفضت من 5 الى 3 بالمئة، ولكن عند التطبيق يتفاجأ الزبون بأنّ قيمة التخمين العقاري باتت تحتسب وفقًا لسعر منصة صيرفة ما يعني أنّ قيمة التسجيل باتت مرتفعة. وفي هذا السياق، يلفت المتحدّث الانتباه الى أنّ الكلفة قد ترتفع أكثر فسعر منصة صيرفة متحرّك وليس ثابتًا. وهنا يشير الحاج الى أنّ الكثير من المعاملات ارتفعت تكلفتها. رسوم الأملاك المبنية التي تُدفع سنويًا في المالية باتت وفقًا لسعر صيرفة. الأمر ذاته على الرسوم البلدية، سندات الايجارات. رسوم طوابع أي معاملة استدانة أو دفع أموال باتت هي الأخرى على صيرفة. النسبة لا تزال نفسها (4 بالألف) من قيمة المبلغ المُدرج على السند، ولكن بدل أن نحتسبها على 1500 ليرة لبنانية باتت على 30 ألف ليرة لبنانية.

وفي سياق حديثه، يلفت الحاج الى أنّ الحركة باتجاه التسجيلات العقارية ارتفعت في الآونة الأخيرة بعد توقعات بزيادة سعر الصرف وقبل بدء العمل بالموازنة. حينها، سارعت الناس الى تسوية أمورها العالقة ما سبّب ضغطًا على الدوائر العقارية. وفي سياق متصل، يوضح الحاج أنّ حركة البيوعات الفعلية زادت  هذا العام، فالناس بادرت لاستغلال انخفاض أسعار العقارات والأراضي ــ المنخفضة نوعًا ما اذا ما احتسبت وفق سعر صرف الدولار ــ، ولكن بعد ارتفاع الأكلاف في الموازنة توقفت الحركة البيعية الفعلية، فيما يعمد المواطنون الى إنجاز المعاملات القديمة التي بدأوا بها. وهنا يلفت الكاتب بالعدل الى أنّ 26 ألف معاملة عالقة في المتن وسط تخصيص يوم واحد فقط في الأسبوع للعمل، الأمر الذي دفع المواطنين للانتظار لشهر وشهرين قبل الحصول على إيصال الدفع. 

ماذا عن تكلفة المعاملات القديمة؟ يلفت الحاج الى أنّ وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل أعطى مهلة أربعة أشهر لإنجاز المعاملات القديمة التي بوشر العمل بها وفق سعر صرف 1500 ليرة لبنانية، والا قد يتم إنجازها وفق منصة صيرفة بعد هذه المهلة غير الكافية بنظر الحاج ــ فنحن مثلًا نتحدّث عن 26 ألف معاملة في المتن وحده ــ الأمر الذي قد يفتح الباب أمام الرشاوى والإكراميات الكبيرة لتقديم معاملة على أخرى.

جملة ملاحظات 

يتابع صالح قراءته في القرار رقم 1/688 والمتعلّق برسوم الإفراغ والانتقال العقارية، فيلفت الى ما جاء في القرار ويسجّل ملاحظاته: 

أولًا: ختم السجلات اليومية في الدوائر العقارية في اليوم الأخير من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، والسؤال لماذا تحديد هذا التاريخ وليس 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2022 تاريخ صدور الموازنة، وهذا السؤال ــ وفق صالح ــ معطوف على المادة الثانية من القرار. 

ثانيًا: قضت المادة 2 من القرار بأن لا تطبق أحكام الموازنة على العقود المنظمة بتاريخ سابق لتاريخ 15/11/2022 (أي تاريخ نشر الموازنة) الواردة الى أمانات السجل العقاري المسجلة في السجل اليومي بتاريخ سابق للأول من كانون الأول/ ديسمبر 2022 على أن تستكمل عملية تسجيلها النهائي بما تشغله من رسوم ومستندات خلال أربعة أشهر تبدأ من 1/12/2022، وهذا يعني إعطاء فرصة لأصحاب العقود المنظمة بتاريخ سابق لتاريخ 15/11/2022 وخلال سبعة أيام من صدور هذا القرار المسارعة الى تسجيل عقودهم في السجل اليومي والاستفادة من التخفيض بالقيمة التخمينية. ووفق أمين، فإن في ذلك مخالفة لمبدأ المساواة والعدالة والانصاف وبالتالي للقانون والدستور. 

ثالثًا: ابتداء من 1/12/2022 تطبق على العقود الواردة لأمانات السجل العقاري الأحكام التالية: 

1. العقارات غير المبنية: 

أ. المحددة قيمتها بالليرة اللبنانية: تستوفي رسوم الإفراغ بالاستناد الى القيمة الفعلية المقدرة باعتماد الثمن الأعلى بين المحدّد في عقد البيع والتخمين من قبل الدوائر العقارية بتاريخ التسجيل. 

ب. المحددة قيمتها بالدولار الأميركي: تستوفي رسوم الإفراغ بالاستناد الى القيمة الفعلية باعتماد الثمن الأعلى بين المحدّد في عقد البيع والمخمّن من قبل الدوائر العقارية بتاريخ التسجيل على أن يتم التقيد بما يلي: 

-العقود الموقعة ابتداء من 15/11/2022/ يعتمد سعر منصة صيرفة لتحديد قيمتها بالليرة اللبنانية. 

-العقود الموقعة قبل 15/11/2022: يعتمد سعر منصة صيرفة مقسومًا على اثنين لتحديد قيمتها بالليرة اللبنانية. وهنا يسجّل صالح ملاحظته بأنه لم يحدد القرار الأساس المعتمد لاحتساب الرسوم بالنسبة للعقود الموقعة قبل 15/11/2022 وغير المسجلة في السجل اليومي بتاريخ سابق لأول كانون الأول 2022. 

2- العقارات المبنية: 
أ. المحدّدة قيمتها بالليرة اللبنانية: تحدّد القيمة الفعلية للعقار باعتماد الثمن الأعلى ما بين الثمن المصرّح به في العقد والقيمة الناتجة عن حصيلة بيان القيمة التأجيرية بتاريخ التسجيل بـ30 ضعفًا، ومن ثم تستوفي رسوم الإفراغ.

ب. المحددة قيمتها بالدولار الأميركي: 

-العقود الموقعة ابتداء من 15/11/2022: تحدّد القيمة الفعلية للعقار باعتماد الثمن الأعلى ما بين الثمن المصرّح به في العقد مضروبًا بسعر منصة صيرفة والقيمة الناتجة عن حصيلة ضرب بيان القيمة التأجيرية بتاريخ التسجيل بـ30 ضعفًا وتحتسب الرسوم على هذا الأساس. 

-العقود الموقعة قبل 15/11/2022: تحدّد القيمة الفعلية للعقار باعتماد الثمن الأعلى ما بين الثمن المصرح به في العقود مضروبًا بنصف سعر منصة صيرفة. ملاحظة جديدة يسجّلها صالح بالإشارة الى أنّه من غير المعروف بأي تاريخ؟ تاريخ التسجيل؟ تاريخ عقد البيع؟. وبحسب المتحدّث فإنّ القيمة الناتجة عن حصيلة ضرب بيان القيمة التأجيرية بتاريخ التسجيل (لماذا تاريخ التسجيل؟ وليس تاريخ البيع؟) تضرب بـ 30 ضعفًا وتحتسب الرسوم العقارية على هذا الأساس.

رابعًا: يعتمد سعر منصة صيرفة المعلن على الموقع الالكتروني التابع لمصرف لبنان. ووفق صالح، يقتضي الإجابة من قبل مصدر القرار المذكور عن السند القانوني لاعتماد سعر صرف منصة صيرفة.
 

لبنانالموازنة

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة