آراء وتحليلات

نحو قراءة موضوعية للتفاهم الإيراني السعودي

18/03/2023

نحو قراءة موضوعية للتفاهم الإيراني السعودي

إيهاب شوقي
منذ نحو ست سنوات، وتحديدا في في كلمتة بمناسبة "عيد المقاومة والتحرير" في العام 2017، وجه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله حديثه للسعودية، قائلا إن "الحوار مع إيران هو الحل الوحيد لمصلحة المنطقة ولمصلحتكم أنتم وغير ذلك لن يؤدي إلى نتيجة".

وكان الحديث متزامنا مع البيان الصادر عن "القمة العربية الإسلامية الأمريكية" في الرياض، والتي حشدت بها السعودية 55 دولة في حضور ترامب أثناء زيارته للرياض، كتعبير عن أكبر حشد دولي مناهض لإيران ومحور المقاومة وبرعاية مباشرة من الرئيس الأمريكي.

وبعد هذه السنوات الستة وما مر بها من أحداث كبرى ومتغيرات، ظل محور المقاومة هو الوحيد الثابت على مبادئه وخياراته وتحالفاته، بينما انقلبت الموازين الدولية والإقليمية رأسا على عقب، وفي النهاية تم الاستماع لصوت العقل ولكلام سماحة السيد، حتى لو لم تعلن أطراف الاتفاق ذلك أو تشير لنصيحة سماحته.

ولا شك أن الاتفاق الإيراني السعودي على استئناف العلاقات والذي تم برعاية صينية، هو حديث الإعلام، بل وحديث مراكز الدراسات الاستراتيجية في معظم أنحاء العالم، وكغيره من الأحداث التي تتميز بالتطور المفاجى، فإنه يدور حوله الكثير من الجدل والتحليلات المتباينة.

ومن بين التحليلات الكثيرة التي ناقشت الحدث، يمكننا فرز نوعين رئيسيين من التحليلات، وهذان النوعان يتميزان بالمبالغة، وأيضا بغلبة التسييس، وهو أمر قد يضر بالوعي العام وتترتب عليه أضرار في التعاطي اللاحق مع المستجدات، ولهذا كان لزاما مناقشة هذين النوعين ومحاولة إبراز مانراه الجانب الأقرب للموضوعية من هذا التطور الهام بالمنطقة.

أولا: رؤية مغرقة في التفاؤل غير الموضوعي:

وتذهب هذه الرؤية إلى أن الأزمات التي تعاني منها المنطقة  يمكن إزالتها بكبسة زر وأن الصين أصبحت  اللاعب الرئيسي بالمنطقة، وأن السغودية خرجت نهائيا من العباءة الأمريكية، وبالتالي ستنتهي جميع أزمات سوريا واليمن والعراق بمجرد التفاهم السعودي الإيراني.

ومصدر الخلل في هذه الرؤية هو إغفال دور اللاعبين الآخرين بالأزمات مثل الدور الإماراتي والإسرائيلي ومن ورائهم الأمريكي في اليمن، وكذلك الدور التركي والأمريكي في سوريا والعراق.

والأهم من ذلك هو أن النفوذ الإيراني لا يقوم على قاعدة الهيمنة وإعطاء الأوامر للأصدقاء والحلفاء، والحكومات وحركات المقاومة التي لها كلمة فاصلة في الأحداث ليست أدوات يمكن أن تتلقى أوامر بالتسوية تقوم على مقايضات أو تنازلات.

وبالتالي فإن هناك ملفات شائكة قد تتطلب جهدا كبيرا ومزيدا من اقتناع المعسكر المقابل باستقلالية حركات المقاومة ومزيدا من التخلي عن الرهانات الخارجية.

ثانيا: رؤية مغرقة في التشاؤم:

وتقوم هذه الرؤية على أن هناك قرارا اتخذ بالحرب على إيران، وأن ما يحدث هو مجرد مناورة سعودية للتمويه ولإبراء الذمة حتى لا تتورط في الحرب وأن ما حدث هو مصلحة أمريكية بتنفيذ صيني باعتبار أمريكا لا تمتلك أهلية للوساطة، وأن إيران ستكون مجبرة على التنازل حتى لو لم يمس ذلك الثوابت، ولكنها ستعطي فرصة للمعسكر الآخر للملمة أوراق قوته وإعادة الكرة مرة أخرى.

ومصدر القصور في هذه الرؤية هو إغفال المستجدات وافتراض أن السيطرة الأمريكية لم تتأثر وأن جميع أوراق اللعبة لاتزال بيديها وتتمتع بالقدرة على الخداع والمناورة، كما تقع أيضا في نفس خطأ الرؤية الأخرى بافتراض أن إيران يمكن أن تتنازل أو تجبر أصدقائها وحلفائها على التنازل، ناهيك عن أن أي تفاهم حقيقي بين إيران والسعودية هو تفاهم يقضي على الفتنة، وبالتالي لايمكن أن يشكل مصلحة أمريكية، حيث تقتات أمريكا على الفتنة.

ثالثا: توصيات للوصول لرؤية موضوعية:

ومن أجل التوصل لرؤية هي الأقرب للموضوعية، يمكننا ذكر بعض من الأمور كما يلي:

1ــ الاتفاق هو اتفاق أمني ـ دبلوماسي بالأساس، ولا يجب تحميله أبعاد أكثر في هذه المرحلة، وقد كانت العلاقات الدبلوماسية قائمة قبل سبع سنوات، أي بعد نشوب الحرب في اليمن وحدة الاستقطاب بين المعسكرات وتعاظم الخلافات، وبالتالي فإن الاتفاق قد يفتح المجال للحوار ويمنع الانزلاقات الناجمة عن غياب الدبلوماسية وانسداد منافذ الحوار، وهذا يعد شئ إيجابي في حد ذاته.

2ــ وجود علاقات دبلوماسية وحدّ أدنى من التواصل هو مطلب دائم لمحور المقاومة والذي يمد يده دوما بالسلم والحوار مع دول الجوار مهما كانت الخلافات والتجاوزات، باعتبار المعركة الرئيسية هي مع العدو الإسرائيلي وأمريكا وقوى الهيمنة والاستكبار، وأن مصير المنطقة سيتحدد بالحوار بين أصحاب المنطقة وطرد الهيمنة والتدخل الاستعماري، وبالتالي فإن هذه الخطوة تعد إيجابية وتحقق مطالب محور المقاومة.

3ــ الاتفاق يحقق مصالح جميع الأطراف المشاركة به، وليس بالضرورة يحقق طرحا أو توجها جديدا، بمعنى، أنه يحقق اختراقا صينيا ولو على المستوى الدبلوماسي وهو أمر هام حيث يضاف للاختراق الروسي ويمنع الهيمنة الكاملة لأمريكا، كما يحقق مصلحة سعودية بتهدئة الأجواء وتوسيع أفاق التسوية السلمية بعيدا عن المعارك الصفرية، ومصلحة إيرانية بثبوت صوابية رؤيتها بأن الحوار والتفاهم هو الخيار الوحيد لمصلحة الشعوب وليس الحصار والتهديد والتخويف ومحاولات العزلة.

لا شك أن ما حدث هو خطوة تتطلب التروي والانتظار ولكن على خلفية الثقة بانتصار خيار المقاومة ورهاناتها على الصمود والتمسك بالثوابت، وهذا التروي يتطلب عدم الإغراق في التفاؤل أو التشاؤم، ولكن التزام الحقائق والموضوعية وقراءة الواقع بدقة كبيرة.

السعوديةالإمارات العربية المتحدةالجمهورية الاسلامية في إيراناليمنالصينالعدوان الاميركي السعودي على اليمنالكيان المؤقت

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة
المستثمرون الخليجيون أول الخاسرين من بنك كريدي سويس
المستثمرون الخليجيون أول الخاسرين من بنك كريدي سويس
بعد 12 عامًا من القطيعة.. القنصلية السعودية ستستأنف عملها في دمشق قريبًا 
بعد 12 عامًا من القطيعة.. القنصلية السعودية ستستأنف عملها في دمشق قريبًا 
اتفاق على تبادل الأسرى اليمنيين وأسرى تحالف العدوان على اليمن
اتفاق على تبادل الأسرى اليمنيين وأسرى تحالف العدوان على اليمن
أمريكا لم تعد القطب الأوحد
أمريكا لم تعد القطب الأوحد
رياح التحولات الإقليمية لم تلفح لبنان بعد.. وبكركي دعت لخلوة للنواب المسيحيين
رياح التحولات الإقليمية لم تلفح لبنان بعد.. وبكركي دعت لخلوة للنواب المسيحيين
بعد 12 عامًا.. قريبًا السعودية تعود إلى سوريا
بعد 12 عامًا.. قريبًا السعودية تعود إلى سوريا
الرئيس الأسد: التنافر وقطع العلاقات مبدأ غير صحيح في السياسة
الرئيس الأسد: التنافر وقطع العلاقات مبدأ غير صحيح في السياسة
عبد اللهيان: سأجتمع بوزير الخارجية السعودي قريبًا.. لن نرهن إيران بالمفاوضات النووية
عبد اللهيان: سأجتمع بوزير الخارجية السعودي قريبًا.. لن نرهن إيران بالمفاوضات النووية
بزيارة رسمية مفاجئة.. الرئيس الأسد يصل إلى الإمارات
بزيارة رسمية مفاجئة.. الرئيس الأسد يصل إلى الإمارات
عبد اللهيان يوجه رسالة إلى "الأعداء" بشأن زيارة شمخاني للإمارات والعراق
عبد اللهيان يوجه رسالة إلى "الأعداء" بشأن زيارة شمخاني للإمارات والعراق
طهران تعيبًا على رسالة بايدن: العداء لإيران جزء ثابت للسياسة الخارجية الأميركية
طهران تعيبًا على رسالة بايدن: العداء لإيران جزء ثابت للسياسة الخارجية الأميركية
عبد اللهيان: عقوبات الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ستلقى ردًا مناسبًا
عبد اللهيان: عقوبات الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ستلقى ردًا مناسبًا
إيران تستنكر تصريحات وزير المالية الصهيوني حول الشعب الفلسطيني
إيران تستنكر تصريحات وزير المالية الصهيوني حول الشعب الفلسطيني
الإمام الخامنئي: الأعداء هدفهم تغيير هوية إيران والشعب أسقط المؤمرات
الإمام الخامنئي: الأعداء هدفهم تغيير هوية إيران والشعب أسقط المؤمرات
"كبح التضخّم نموّ الإنتاج".. الإمام الخامنئي يُطلق شعار العام الجديد
"كبح التضخّم نموّ الإنتاج".. الإمام الخامنئي يُطلق شعار العام الجديد
وزير الدفاع اليمني: جاهزون لاتخاذ أي موقف قتالي بصلابة وكفاءة قتالية عالية
وزير الدفاع اليمني: جاهزون لاتخاذ أي موقف قتالي بصلابة وكفاءة قتالية عالية
اليمن: تدشين مشاريع الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء بملايين الدولارات 
اليمن: تدشين مشاريع الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء بملايين الدولارات 
الصحة في اليمن.. صمود رغم الحصار
الصحة في اليمن.. صمود رغم الحصار
اليمن: أكثر من 1800 شهيد وجريح جراء العدوان في مأرب
اليمن: أكثر من 1800 شهيد وجريح جراء العدوان في مأرب
بوتين يوقع ونظيره الصيني وثيقتين لتعزيز التعاون بين البلدين
بوتين يوقع ونظيره الصيني وثيقتين لتعزيز التعاون بين البلدين
روسيا تتفوّق على السعودية في تصدير النفط الى الصين
روسيا تتفوّق على السعودية في تصدير النفط الى الصين
قمة روسية صينية في الكرملين وتوقيع 10 وثائق مشتركة 
قمة روسية صينية في الكرملين وتوقيع 10 وثائق مشتركة 
بوتين سيبحث مع الرئيس الصيني الخطة الصينية للتسوية في أوكرانيا
بوتين سيبحث مع الرئيس الصيني الخطة الصينية للتسوية في أوكرانيا
خلال 24 ساعة.. 12 جريحًا يمنيًا بنيران العدوان السعودي في صعدة 
خلال 24 ساعة.. 12 جريحًا يمنيًا بنيران العدوان السعودي في صعدة 
أطفال اليمن بلا لقاحات
أطفال اليمن بلا لقاحات
مجزرة باص النبطية 1994.. "عيد الأم" في ظل الاجرام الاسرائيلي
مجزرة باص النبطية 1994.. "عيد الأم" في ظل الاجرام الاسرائيلي
"حوارة" بين "العقبة" و"شرم الشيخ".. هل تتعظ السلطة؟
"حوارة" بين "العقبة" و"شرم الشيخ".. هل تتعظ السلطة؟
التخبط داخل الكيان يتفاقم.. والدراسات تحذّر من قرب الزوال
التخبط داخل الكيان يتفاقم.. والدراسات تحذّر من قرب الزوال
للأسبوع الحادي عشر.. مئات الآلاف يتظاهرون ضد حكومة نتنياهو
للأسبوع الحادي عشر.. مئات الآلاف يتظاهرون ضد حكومة نتنياهو
جيش العدو: إطلاق صاروخ من قطاع غزة باتجاه مستوطنات الغلاف
جيش العدو: إطلاق صاروخ من قطاع غزة باتجاه مستوطنات الغلاف