نقاط على الحروف
الهيستيريا "الإسرائيلية".. هروبٌ من الداخل وهلعٌ من الخارج
حيان نيوف
شهد الأسبوع المنصرم تكثيف الكيان الصهيوني لاعتداءاته على سوريا، حيث طالت تلك الاعتداءات مواقع متفرقة عسكرية ومدنية في العاصمة دمشق وريفها والمنطقتين الوسطى وجنوب المنطقة الوسطى، وسبق ذلك بأسبوع قيام الكيان الصهيوني بالاعتداء للمرة الثانية على مطار حلب الدولي الذي لعب دورًا مهمًا في وصول المساعدات لضحايا الزلزال في الشمال السوري.
ليس من المفاجئ أن تمارس "اسرائيل" سياستها الإجرامية بالعدوان على سوريا وهو أمرٌ واظبت عليه طوال سنوات مستغلة انشغال الجيش العربي السوري بمكافحة الإرهاب الذي كانت "اسرائيل" أحد رعاته الرئيسيين، ولطالما ترافقت الاعتداءات الصهيونية مع تحركات وهجمات للإرهابيين من "داعش" و"النصرة" على الأرض ضد مواقع الجيش العربي السوري والمدنيين في ذات التوقيت وهو ما فضح التنسيق القائم بين الطرفين.
غير أن تصاعد وتيرة الاعتداءات الصهيونية في الأسبوع المنصرم إلى الحد الذي يمكن وصفها بالهيستريا، يعكس في جوانبه ما يحتاج إلى الوقوف عند خلفياته، فهو وإن كان من بديهيات الطبيعة الإجرامية للكيان الصهيوني، غير أنه يخفي من حيث توقيته هروبًا وهلعًا اسرائيليًا من التطورات الداخلية والخارجية التي دفعت بقادة الكيان الصهيوني لارتكاب تلك المغامرات الحمقاء.
في الأسباب الداخلية
شكلت الاحتجاجات التي شهدها الداخل الصهيوني بفعل مشروع قانون التعديلات القضائية الذي تقدمت به حكومة نتنياهو اليمينية خطرًا داخليًا على الكيان وأظهرت حالة الضعف والتشظي التي يعاني منها الداخل الإسرائيلي إلى الحد الذي جعل كبار قادته ومسؤوليه ومنظريه يعترفون بأن كيانهم يعيش أزمة خطر وجودي تهدد استمرارية بقائه. رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو قال حرفيًا إن "ما تشهده الاحتجاجات الحالية من اعتداء على الشرطة وإخراج الأموال من "الدولة" والتحريض على "إسرائيل" في العالم والدعوة إلى رفض الخدمة وشلِّ المرافق الاقتصادية، هي أمور غير مسبوقة وتمثل تجاوزًا للخطوط الحمراء وستنتهي إلى الفوضى".
ومن جانب آخر فإن الاحتجاجات بالإضافة لكونها عكست حالة الانقسام الشديد التي يعاني منها المجتمع الصهيوني، فإنها جاءت في سياق الضغط الذي تمارسه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على حكومة نتنياهو اليمينية والتي تتعارض أهدافها التصعيدية وسياساتها التصادمية مع استراتيجية الإدارة الأمريكية المرحلية في الإقليم، حيث تخشى الإدارة الأمريكية من لجوء هذه الحكومة إلى حماقة تعيد خلط الأوراق في المنطقة التي تتجنب الولايات المتحدة التصعيد فيها لأسبابٍ جيوسياسية باتت معروفة والمتعلقة بالتوجه الأمريكي لمواجهة روسيا في أوكرانيا، ومواجهة الصين في آسيا، والحذر من أن يؤدي انفجار الإقليم إلى أزمة طاقة عالمية لا يمكنها وحلفاؤها في أوروبا تحمل نتائجها الكارثية. كلّ ذلك دفع بإدارة بايدن إلى استغلال مشروع التعديلات القضائية والتحريض ضمنيًا على حكومة نتنياهو من الداخل بهدف تكبيلها ومنعها من اللجوء إلى مغامرات غير محسوبة تضرّ بالإستراتيجية الأمريكية الحالية. هذا التدخل الأميركي كان مكشوفًا لدى نتنياهو وأعضاء حكومته ولم يخفوا امتعاضهم منه، وهو ما عبّر عنه وزير الأمن القومي الصهيوني إيتمار بن غفير بقوله "عليهم أن يفهموا أن "إسرائيل" ليست نجمة أخرى في علم الولايات المتحدة".
في الأسباب الخارجية
خلال سنوات مضت شكلت "اسرائيل" العائق الأوّل والرئيسي الذي منع الانفتاح العربي على دمشق وطهران وتمكنت من إقناع أنظمة الحكم العربية عمومًا والخليجية خصوصًا بأنّ المحور الإيراني/السوري هو العدو المشترك لها ولدول الخليج، وطوال تلك المدة قامت "اسرائيل" بالتنسيق مع الولايات المتحدة بالترويج وعبر سياسة تضليل إعلامية ممنهجة لخطر التحالف الإيراني/السوري على المنطقة ونجحت إلى حد بعيد في ذلك. غير أن سياسة الصبر الإستراتيجي التي مارستها كل من سوريا وإيران انطلاقًا من الإيمان الراسخ بالعمقين العربي والإسلامي لمحور المقاومة، وبالمصير المشترك لشعوب المنطقة، ومقاومة سياسات التضليل الصهيو-أمريكية، أعطت بالنهاية نتائجها وكشفت الغطاء عن قبح وخباثة المشروع الصهيوني، خاصة أن سياسات الولايات المتحدة في الإقليم وصلت إلى طريق مسدود بفعل صمود وثبات محور المقاومة، وهو ما أدى بالنهاية إلى حتمية التحول نحو خيارات التوافق والمصالحات وبما ينسجم مع التحولات العالمية والإنزياحات الجيوسياسية الكبرى التي يشهدها العالم. فكان اللقاء السعودي الإيراني في بكين وما تلاه من تحولات إيجابية في العلاقات ما بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية ومن ثم البحرين والإمارات ومؤخرا الأردن ومصر، وكانت اللقاءات السورية الإماراتية والسورية العمانية وما نتج عنها وما تبعها من تطورات تخص العلاقة السورية المصرية والسورية السعودية وغيرها، وكل ذلك على مرأى ومسمع من الكيان الصهيوني الذي استشاطت قادته غضبًا من تسارع تلك الأحداث في مدة زمنية قصيرة.
في النتائج
وجدت "إسرائيل" نفسها وبشكل مفاجئ في موقف لا تحسد عليه، وأن كل ما خططت له طوال سنوات تحول إلى سرابٍ في لمح البصر، على المستوى الداخلي تحولت إلى كيان مأزوم دخل نفقًا مظلمًا من التشرذم وبات يعيش أزمة وجود حقيقية، وعلى المستوى الخارجي فالتوافقات التي طالما سعى لعرقلتها تسير بوتيرة عالية دون الأخذ بالاعتبار حتى للشروط الإسرائيلية المتعلقة بأمنها.
كل تلك الأسباب مجتمعة شكلت العامل الرئيسي لحالة الهيستريا التي أصابت القادة السياسيين والعسكريين في الكيان الصهيوني والتي تمت ترجمتها من خلال تصعيد للاعتداءات على سوريا، في محاولة فاشلة للهروب من التأزم الداخلي وتوجيه أنظار الصهاينة إلى الخارج، وتعبيرًا عن حالة الهلع من سير التوافقات في الإقليم والتي رمت بالشروط والمطالب الإسرائيلية على قارعة الطريق.
تدرك "اسرائيل" جيدًا أن اعتداءاتها لن تبقى دون رد حقيقي ومباشر وحاسم، كما أنها باتت على يقين أن تلك اللحظة باتت قريبة جدًا، لذلك فهي تظن وتتوهم أن هيستريا التصعيد الحالية قد تحدث تحولًا استباقيًا يدفع باللاعبين الإقليميين والدوليين إلى الأخذ بشروطها قبل إسدال الستار نهائيًا على مرحلة الخصومة التي تسببت بها وسعت إليها.
إنّ الرد المدروس على الكيان الصهيوني من قبل محور المقاومة سيحرمه من الرهان على ورقة الاعتداءات المتكررة، وهي ورقة يدرك الكيان أنها ستحترق، ولذلك فهو يكثف من الاستثمار بها قبل اللحظة الحاسمة لاحتراقها والتي لم تعد بعيدة على ما يبدو. شروط "اسرائيل" لم تعد أولوية لذلك لا تستغربوا ما أصاب بني صهيون من جنون.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/12/2024
متى نستفيق من سكرة السكوب؟
20/12/2024
الإعلام حربٌ بدون دماء.. أو الأكثر دموية
17/12/2024
صيدنايا.. درة الدجل الإعلامي
17/12/2024