آراء وتحليلات
ردّ المقاومة المركَّب على التعرض للأقصى: تآكل إضافي في قدرة الردع الإسرائيلية
علي عبادي
كما بدأت هذه الجولة على نحو فاجأ العدو، انتهت على نحو فاجأ الكثيرين الذين أُخذوا بالتصريحات الإسرائيلية الساخنة وظنوا أن حرباً على وشك الاندلاع. ولم ينطلق هذا الظن من فراغ، ذلك أن تشغيل جبهتي غزة ولبنان في آن واحد ضد انتهاكات العدو في المسجد الأقصى أصاب غرور العدو في الصميم، وهو اعترف بأن تقديراته الاستخبارية لم تتوقع انطلاق صواريخ من لبنان وبهذه الوتيرة غير المسبوقة منذ سنوات طويلة.
في الساعات الأولى على إطلاق الصواريخ والقذائف بعدد كبير ومن أماكن إطلاق عدة، تجمَّد العدو في مكانه ولم يتمكن من القيام بأي رد فعل، على الأقل تشغيل مدفعيته التي تنطلق في العادة بعد كل حدث من هذا النوع، وانشغل بتحليل ما وراء الحدث ومن يقف وراءه بالتحديد، وكان الغموض من الطرف الآخر باعثاً على قلقه الكبير. وبقيت تصريحات قادة الاحتلال في حدود تحميل الحكومة اللبنانية المسؤولية عن إطلاق الصواريخ، وحاول أن لا يلزم نفسه بالرد، ثم حصَرَ المواجهة مع حركة "حماس"، معتبراً أنه لا يريد أن يمنحها ما تصبو إليه من توسيع ساحات المواجهة. غير أن رسالة المقاومة وصلت: حماية المسجد الاقصى في أولوياتها، والمعادلة تم تثبيتها على هذا الأساس من دون الحاجة إلى تكبير الحجر في الوقت الحالي.
انطلق سلوك العدو في هذه الجولة من محاولة الحفاظ على الوضع الحالي وعدم المخاطرة بعمليات واسعة. ويمكن في هذا الإطار تسجيل الآتي:
- لم يمرّ اقتحام العدو للمسجد الأقصى بالشكل المروّع الذي ظهر في وسائل الإعلام من دون مقابل. وبهذا، تؤكد المقاومة بمختلف فصائلها أن حماية المسجد الأقصى برمزيته الإسلامية والعربية الكبيرة تقع ضمن نطاق مسؤولياتها الأساسية.
- كان رد المقاومة على جبهتين صادماً للعدو الذي أخفق في توقّع تعدّد ساحات الرد بهذه السرعة والاتساع.
- الأهم من الأضرار المادية والبشرية الناجمة عن سقوط الصواريخ أن ماء وجه الاحتلال أريق، وهيبته ضاعت لساعات عدة دون أن يجرؤ على الرد الفوري، خلافاً لطبيعة سلوكه العدواني، لأنه يدرك أن الأمور قابلة للتدحرج.
- تداعى عدد من قادة العدو إلى المطالبة بعملية عسكرية كبيرة، غير أن تأخير الغارات الجوية واقتصارها على مناطق مفتوحة أشّرا الى أنه لا ينوي المسّ بالمعادلة الحالية. وهذا تراجعٌ مهم بالقياس الى أن مفهوم الردع تضرَّر بالقصف الصاروخي المقاوم على عمق مناطق العدو المأهولة.
- استوْفَتْ المقاومة الرد على انتهاكات العدو مسبقاً، بادرت وفاجأت، وكانت الاستجابة الاسرائيلية محدودة وفاقدة القيمة تقريباً من الناحية العسكرية ("بنك أهداف" متواضع جداً).
- العدو لم يَجْبِ ثمناً ذا قيمة برغم كل التصريحات التي أوحت بأنه سيستهدف رموزاً في فصائل المقاومة. بالطبع، لا نلغي من الحساب لجوء العدو مستقبلاً الى اغتيالات، لكن قدرته مقيّدة في الوقت الحالي.
- أرسل العدو عبر أطراف ثالثة أنه سيضبط إيقاع الرد على قصف مستوطناته. ولذلك بقيت وتيرة المواجهة في حدودٍ دنيا من الجانبين. ولم تكن المقاومة مضطرة لتصعيد الموقف طالما أن أهدافها تتحقق بالنقاط، مع الاحتفاظ بهامش وافر من الردع.
- تمكنت المقاومة الإسلامية في لبنان من إيصال رسالة بليغة وهي تقف في الظل؛ كانت بصمتها واضحة من دون أن تضطر الى الإعلان والتصريح عما جرى على الأرض وما يمكن أن تقوم به. ونتيجة لذلك، لم يجرؤ العدو على أن يستفرد بغزة ويذهب الى عملية واسعة، لأنه كان يدرك أن محور المقاومة يُنضج خياراته الميدانية برؤى ثابتة ومفتوحة على التطورات.
بعد ذلك كله، علينا أن نرى كيف ستؤول الأمور لاحقاً: هل تكون هذه الجولة مجرد استطلاع بالنار قبل جولة أخرى أشدّ، في ضوء انتهاكات العدو واستفزازه المتواصل، ونحن نلاحظ أن قدرة العدو على الردع تتآكل مع كل جولة، ومأزقه الداخلي يتفاقم مما يمكن أن يؤثر على، ويتداخل مع، مسار المواجهة مع المقاومة؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024