طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

الاستثمار في الغباء المستدام.. والوعود الوهمية
25/04/2023

الاستثمار في الغباء المستدام.. والوعود الوهمية

أحمد فؤاد

وصل قطار التنمية في الدول العربية، اليوم، إلى حال الشلل والعجز الكاملين، رغم أن الأنظمة الرسمية والحكومات ما فتئت تذكّرنا أنه ما دام قد تحرك القطار من محطة البداية، لا بد من أنه سيصل إلى وجهته المفترضة. ورغم أن هذا التفاؤل الرسمي قد دعمته طوال الطريق حقن الإنقاذ من مساعدات وقروض ساعدت على عبور محطات كثيرة صعبة، إلا أن الحقيقة فرضت كلمتها في نهاية الأمر، وأصدر المنطق حكمه البات، فتثاقلت الحركة ثم أبطأت، ثم توقفت تمامًا في منتصف الطريق، وفي عراء كامل.

التوقف في منتصف الرحلة الموعودة إلى الحل وإلى التنمية، كان الاحتمال المنطقي منذ البداية، لكن الأمنيات المتخيلة هزمت النظرة الموضوعية لواقعنا، في كل العالم العربي، ولم يحقق السير وراء البوصلة الأميركية والرضوخ للقيم الغربية في إدارة الاقتصاد سوى الفشل، ولكي تكتمل فصول المأساة فإن المسؤولين الرسميين العرب لا يزالون مصممين على تبني المنهج الأميركي، وحتى المصطلحات التي يرددها موظفو صندوق النقد والبنك الدوليين صارت هي الكلمات الشائعة في البيانات الحكومية العربية، من عينة تحقيق "التنمية المستدامة" وغيرها، وهي كلها ترجمات رديئة لكلمات مستحدثة، ضخمة ورنانة لكنها فارغة من كل معنى وخالية من أي مضمون، وكأننا بالأصل قد حققنا نصفها الأول.

ما انتظرنا بعد التكاليف الهائلة التي استنزفت في عمليات ترقيع اقتصادي، تؤجل الانهيار ولا تمنعه، حالة مرضية غريبة من إنكار الواقع أو تجاوزه، وانتظار معجزة ما للحل، كانت هذه هي النهاية المنطقية الوحيدة لحكومات تافهة تغازلها أوهام التنمية بالشكل والطريقة الغربية، وتغذي البنوك ومؤسسات السيطرة المالية العالمية الأماني الكاذبة بتقارير خداعة، وتلجأ في ليل حالك إلى القروض كحل لمواجهة مشكلاتها، وتفيق على أسوأ واقع ممكن، وسياط الفوائد المرعبة تستنزف الاستقلال الوطني والكرامة والدم.

ورغم هذا كله، من المفهوم أن يحاول المسؤولون الأميركيون، خصوصًا، الصيد بالطريقة المجربة ذاتها، في حال لبنان، وعاد أحد كبار مسؤولي الإدارة الأميركية السابقين إلى ترديد النغمة المحببة للعمل في الداخل اللبناني، ومغازلة أصحاب الهوى الغربي، مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق ديفيد هيل قال إنه يعتقد أن هذا الوقت مناسب للبنانيين للقيام بالحلول بأنفسهم وتحديد المسار الذي سيختارونه للمساعدة "في الحصول على دعم من صندوق النقد الدولي ومن البنك الدولي، والدول الصديقة كالولايات المتحدة الأميركية وغيرها".

ولم يتناسَ "هيل" الإشارة إلى أن وجود حزب الله هو المانع الأول لهذه العطية السخية والمساعدة الكريمة، لم يفوت الفرصة للتصويب من جديد على الحزب، المطلوب الأول على لائحة الأهداف الأميركية، والعقبة التي منعت حلم الشرق الأوسط الجديد في 2006، وسيف علي الذي عاد ليدك حصون "خيبر الجديدة"، ويبدد سطوتها ويكسر استكبارها ويكتب الذل على رايتها أمام العالمين، ويقدم للعالم العربي الطريقة المثلى في التعامل مع الكيان والشيطان الأميركي.

ليس الغريب في مأساتنا هو المحاولات الأميركية المستمرة للتخريب والتدمير الممنهج، وليس جديدًا أن تقدم لنا حبلًا يظن بعض المرجفين إنه مفتاح النجاة بينما هو حبل المشنقة، لكن الغريب أن الحكومات والأجهزة الرسمية تتعامل مع هذه الكلمات على أنها طريق الحل وإشارة النجاة، وتكرار ما سبق أن جربوه في لبنان، وما عاينوه في دول عربية أخرى خضعت وسلمت أمرها، ثم لم تجد أعمالها إلا حسرات، ولم تحصل من الوعود الأميركية بالرخاء سوى سراب بقيعةِ حسبوه من لهفتهم وغبائهم وقصر نظرهم ماءً.
ما حصدته الدول العربية، الساقطة في فخ الديون الأجنبية الهائلة، والعاجزة كليًا عن إعادة بناء أو تعديل هياكلها الاقتصادية المريضة، هو ضربة رباعية من التضخم وتوقف تدفقات الأموال الساخنة والاضطرار إلى إجراء تخفيض معتبر ومستمر ومتتالي في عملاتها المحلية، وأخيرًا فجوة أوسع من ذي قبل في الموازنات، وهي المختلة أصلًا، وهي أوضاع مأساوية خصوصًا بالنسبة للطبقات الأفقر، والتي تشرب دائمًا مرارة الخيارات الفاشلة والهوى الغربي لدى الطبقات العربية الحاكمة.

في هذا المناخ اليائس والمسدود، سبق أن حدد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله مكمن الخطر الأكبر في أنه تفجير المجتمعات من داخلها، وقال نصًا: "إن فقدان الأمن الاجتماعي أخطر من الحرب الأهلية"، وليس للأميركي من أولوية اليوم سوى في تمزيق وكسر مظلة الأمن الاجتماعي، سواء الحصار الشامل، أو بطريقة العمل الخفي الممثل في أخطر أسلحتها صندوق النقد والبنك الدوليين.

ما يريده الأميركي، اليوم والآن، هو طي صفحة ما حدث يوم السادس من نيسان/ أبريل، حين حاز طرف عربي، هو حزب الله، على حق القيام بالفعل الأول في المنطقة العربية، وجرأة توجيه الضربة الأولى للكيان الصهيوني، وكنس كل ما قام عليه هذا الكيان من إستراتيجيات ومبادئ ونظرية تفوق، ثم محاولة نسيان أن الكيان حين تعرض للضربة الساحقة لم يجرؤ في المقابل على الرد، فاقدًا بالتالي أهم سلاح نفسي في جعبته "الردع"، ما يفتح الباب واسعًا في المستقبل لانهيار صار رهنًا بالزمن والتطور المنطقي للأحداث.

ما تستهدفه آلة الإعلام الشيطاني، الأميركي وأتباعها العرب، هو تحويل لبنان من نموذج قادر إلى ضحية، وتبديد الآمال الكبرى التي حققها هذا النصر غير المسبوق، نفسيًا وسياسيًا، واستثمار الحالة الاقتصادية العربية الراهنة في التغطية على أفول زمن التجبر الأميركي والسيادة الصهيونية بالمنطقة العربية، وتحويل المشاعر من المجد والفخر وكبرياء الانتصار إلى الانسحاق والعجز واليأس.. والبكاء.

صندوق النقد الدوليالعالم العربي

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة