طوفان الأقصى

خاص العهد

الحوادث بين الدراجات النارية والسيارات.. ماذا يقول القانون؟
03/05/2023

الحوادث بين الدراجات النارية والسيارات.. ماذا يقول القانون؟

فاطمة سلامة

الارتفاع الجنوني في أسعار المحروقات، زحمة السير الخانقة، أسعار السيارات التي تفوق قدرة المواطن على الدفع، تعثُّر قطاع النقل العام، كلها عوامل جعلت من الدراجة النارية وسيلة نقل أساسية لدى الأغلب الأعم في لبنان. حتى أنّ كُثرًا ممّن يمتلكون سيارة باتوا يفضّلون قيادة الدراجة لتوفير المال والوقت. هذه الحقيقة توثّقها العين "المجردة" التي ما برحت تُعاين دراجات نارية بكثرة وفي مختلف الأماكن. تمامًا كما توثّقها أرقام الدراسات ومنها دراسة نشرتها "الدولية للمعلومات" في 9 أيلول الفائت كشفت فيها عن استيراد 177 ألف دراجة نارية في 6 سنوات. وفي الأسباب، أدرجت الدراسة الأزمة المالية التي يمر بها لبنان والتي أدت الى ارتفاع أسعار المحروقات وتاليًا كلفة النقل. ووفق الدراسة، بعدما شهد العام 2021 استيراد 29,102 دراجة نارية ارتفع عدد الاستيراد الى 47,077 دراجة حتى نهاية تموز 2022، ووصل إجمالي عدد الدراجات التي تم استيرادها خلال الأعوام 2017-  2022 (نهاية تموز 2022) الى 177,388 دراجة.  

ارتفاع نسبة الاعتماد على الدراجة النارية في لبنان يفتح الحديث عن الحوادث التي كثُرت في الآونة الأخيرة بين دراجات نارية ومركبات أخرى على رأسها السيارات. الواقع الذي يُسلّط الضوء على مقولة تسود منذ سنوات في عقلية وذهنية اللبنانيين مفادها أنّ "مسؤولية أي حادث يحصل بين دراجة نارية وسيارة تقع دائمًا على سائق السيارة حتى ولو لم يكن مذنبًا". فهل من سند قانوني لهذا الاعتقاد، أم أنه مجرّد "خطأ شائع"؟. 

لحود: خطأ شائع 

المحامي لحود لحود ــ وهو أحد أعضاء اللجنة التي تولّت إعداد مشروع قانون السير الجديد والمستشار القانوني لجمعية "اليازا"  ــ  يوضح في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ ثمة مفهومًا خاطئًا شائعًا لدى الناس التي تعتقد أنّ "المسؤولية تقع دائمًا على عاتق سائق السيارة فيما يُبرأ سائق الدراجة". وفق لحود، الشخص الذي تسبّب بالحادث هو المسؤول. لكن للأسف ثمّة ثغرات في آلية الملاحقة على الأرض. في الحقيقة، ما يحصل أنّه عادة عندما يقع حادث ويسقط من يقود الدراجة النارية أرضًا مفارقًا الحياة، أي عندما نكون أمام حادثة وفاة، تُسارع النيابة العامة الى إيقاف صاحب السيارة "على صحة السلامة" سواء كان بريئًا أم صاحب مسؤولية، وهنا يحصل الخطأ في التطبيق. 

ثغرات في تطبيق القانون 

يوضح لحود أنّ الخطأ الحاصل على الأرض مرده الى عدم مسارعة النيابة العامة في إرسال متخصّصين مباشرة فور وقوع الحادث الى نقطة الحدث. عندما تحصل حالة وفاة، من واجبات النيابة العامة النزول الى الأرض مباشرة لمعاينة ما حصل بعيدًا عن إرسال خبير في حوادث السير كما يحصل. وفق قناعته، نحن لسنا بحاجة الى خبير. في كل دول العالم عندما يحصل حادث سير ويُتوفى أحدهم يتوجّه الى مكان الحادث النائب العام أو معاونوه أو قاضي التحقيق ليعاين الحادث ويُعطي الأوامر اللازمة ويوزّع المسؤوليات. كما باستطاعة الشرطي الموجود على الأرض والذي هو عبارة عن قاضٍ صغير إجراء التقرير ورفعه الى القاضي لاتخاذ القرارات مباشرة. لماذا لا يحصل هذا الأمر في لبنان؟ يؤكّد لحود أنّ حوادث السير كثيرة في بلدنا، والقضاة قلّة، والقوى الأمنية غير مؤهلة أو مدربة احترافيًا لهذه المهمة لأن ليس لدينا في لبنان وحدة مختصة بالمرور ما يؤدي الى الفوضى الحاصلة اليوم. 

يشدّد لحود على أنّ الإسراع في معاينة النيابة العامة لما حصل على الأرض يُجنّب الطرف المقابل للمتوفى (المتوفى غالبًا ما يكون صاحب الدراجة نظرًا لأنّه الحلقة الأضعف في الحوادث المرورية) يجنّب صاحب السيارة أو الشاحنة التوقيف الاحتياطي والذي قد يكون ظلمًا اذا ما أثبتت التقارير أنّ الجهة المخالفة هي الدراجة. على سبيل المثال، سائق دراجة نارية يسير عكس السير يتّجه نحو شخص آخر يقود سيارة ــ ويلتزم بكافة قواعد قانون السير ــ فيصطدم به ويُتوفى (صاحب الدراجة). في هذه الحالة، يتم توقيف سائق السيارة احتياطيًا لمدة غير معلومة ريثما يتم إصدار الحكم من قبل الجهات التي حُوّل اليها الملف سواء أكان النائب العام أو القاضي المنفرد الجزائي أو قاضي التحقيق أو ما الى هنالك. 

أمام هذه الحادثة، يؤكّد لحود أنّ ثمة مسؤولية على الضحية ولا يجب أن يتحمّل سائق السيارة أي مسؤولية، لكن ثمّة "خطأ شائع" في مجتمعنا يحمّل صاحب السيارة المسؤولية فورًا دون التأكد من ملابسات الحادثة. تمامًا كما ثمّة ثغرة لناحية تطبيق القانون، فلو كان هناك تطبيق جيد لما جرى توقيف صاحب السيارة، بل تمّت المعاينة المباشرة والسريعة للحادثة وأُصدرت التقارير التي تنوّه الى براءة سائق السيارة. 

يشير لحود الى أنّ ثمّة نصوصًا قانونية كثيرة تتحدّث عن مسؤولية الشخص عندما يقود سيارته أو دراجته. من يتسبّب في المخالفة هو من يتحمل المسؤولية وليس من العدل إلصاق المخالفة بالشخص الآخر مهما كان نوع مركبته. وهنا، يلفت لحود الى أنّ مقاربة حوادث السير وإصدار الأحكام حولها لا تتم فقط بحسب قانون السير، فعندما تقع حالة وفاة يدخل قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية على خط إصدار الأحكام، وتختلف العقوبات وفق كل حالة، فكل حادث يُطبق عليه نص وأصول ملاحقة، فقد يكون ارتكاب الحادث قصديًّا أو عن إهمال أو ما الى هنالك. في هذه الحالة يتم الاستناد الى قانون أصول المحاكمات الجزائية بشكل أساسي، فهو الذي ينص على كيفية ملاحقة الشخص عندما يحصل جرم على الأرض، أما قانون السير فينص على العقوبات لبعض المخالفات. 

وفي هذا السياق، يوضح لحود أنّه عندما عُدّل قانون السير جرى التشدد في الكثير من النقاط ليس لقمع الناس بل لحمايتهم عبر ردعهم عن ارتكاب المخالفات أو الجرائم تفاديًا لأذية أنفسهم أو الآخرين. 

ابراهيم: المسؤولية تقع على المركبة المخالفة

مدير الأكاديمية اللبنانية للسلامة المرورية وأمين سرّ جمعية "اليازا" كامل إبراهيم يُعلّق على المعتقدات الخاطئة السائدة لدى البعض والتي تجعل من صاحب الدراجة النارية ضحية دائمة سواء كان مرتكبًا أو بريئًا، فيقول في حديث لموقعنا: "القانون يتحدّث عن مركبة مخالفة قد تكون دراجة أو سيارة أو شاحنة أو ما شابه. وعليه، فالمسؤولية تُحسب على المركبة المخالفة والسائق المُخالف سواء أكان سائق دراجة نارية أو سيارة أو... وللأسف، تسود مجتمعنا مفاهيم خاطئة بأنّ "الحق دائمًا على السيارة"".

انطلاقًا مما تقدّم، يرى ابراهيم أنّ الدراجة النارية شأنها شأن المركبات الأخرى يجب أن تلتزم بالقوانين تفاديًا لحصول الحوادث، لأن سائق الدراجة ــ من وجهة نظر المتحدّث ــ هو الحلقة الأضعف في حال حصول أي حادث سير. أما اعتقاد البعض ممّن يسوقون دراجات نارية بأن الحق الى جانبهم في كافة الحالات يجعلم أكثر المتضررين لأن لا شيء يحميهم.

وعن مدى التزام أصحاب الدراجات النارية بالقانون، يقول ابراهيم "لا شك أنّه في خضم الفوضى الحاصلة والأزمة التي نعيشها في لبنان لا يوجد التزام كبير من قبل الدراجات النارية"، وفق ابراهيم، ساهم إقفال النافعة لفترة طويلة في إيجاد هذا الواقع، اذ ثمّة عدد كبير من الدراجات النارية غير القانونية. وفي المقابل، ثمّة زيادة في الاعتماد على الدراجات كوسيلة نقل أساسية بموازاة انخفاض مستوى الالتزام بالقوانين ووجود الكثير من الإشارات الضوئية المعطّلة ما أدى الى ازدياد المخاطر. كل هذه الظروف غير السليمة تحتّم ــ برأي ابراهيم ــ أن يكون لدى أصحاب الدراجات النارية وعي أكبر لتفادي المشاكل وتحصيل السلامة المروية.

لبنانالسياراتالحوادث

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة