طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

غموض حول مقتل عملاء.. ماذا يجمع "الموساد" مع المخابرات الإيطالية؟
01/06/2023

غموض حول مقتل عملاء.. ماذا يجمع "الموساد" مع المخابرات الإيطالية؟

شارل ابي نادر

أن تسمع في الإعلام عن حادثة معينة، ينتج عنها مقتل واحد أو أكثر من عملاء الموساد الإسرائيلي، فهو أمر طبيعي ومنتظر دائمًا وغير مستغرب، حيث لـ"الموساد" باع طويل في تنفيذ سلسلة واسعة من الجرائم، وللكثيرين حول العالم دين في ذمة هذا الجهاز المخابراتي الاخطبوطي وفي كل الأمكنة، وخاصة خارج أراضي فلسطين المحتلة.

في الواقع، هناك الكثير من المهام المشتركة التي يمكن أن تجمع جهازي المخابرات الايطالي والصهيوني "الموساد"، من أمن البحر المتوسط حيث لـ"اسرائيل" وجود بحري شبه دائم، وحيث تشارك دائمًا في مناورات الناتو، إلى مهام مشتركة تتعلق بملف المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا، وما يمكن أن يشكله هؤلاء من قاعدة أشخاص ومعلومات للتدخل المخابراتي في دولهم الأم الافريقية عبر عائلاتهم في تلك الدول، أو في الدول الأوروبية حيث هاجروا، ويكونون في وضع ضعيف وبحاجة للمال والرعاية والحماية، فيتكفل بهم "الموساد" بهدف الاستثمار الأمني والاستعلامي.

ولكن أن يُقتل أو يموت معًا وفي نفس المكان والزمان أكثر من عميل للموساد ولجهاز المخابرات الايطالية في حادثة واحدة وعلى متن قارب جمع عددًا غير بسيط من هؤلاء،  فهو أمر حتمًا يدفع للاستغراب، ويفتح الأبواب والأعين على مروحة واسعة من التساؤلات الحساسة:

- تساؤلات حول صحة الخبر بأن الحادثة حصلت بسبب تغيير مفاجىء غير منتظر في الأحوال الجوية، أدى إلى انقلاب القارب نتيجة عاصفة قوية، وفي بحيرة مقفلة شمال ايطاليا، في وقت أصبح فيه اليوم وعبر تطبيقات بسيطة موجودة على كل الهواتف الشخصية، يمكن قراءة الطقس لأيام لاحقة وبشكل دقيق جدًا.

- تساؤلات حول صحة المعطيات التي نُشرت بشكل شبه رسمي من الطرفين الإسرائيلي والايطالي، بأن رحلة اجتماعية سياحية جمعت طرفي الجهازين، وعلى قارب صغير لا يتسع لأكثر من ١٥ شخصًا، حُمِّل بقرار شخصي من قبطانه، بـ٢٥ شخصا.

من هنا، فإن العلاقة بين الجهازين والمهام الواسعة التي تجمعهما، لا يمكن أن تحمل أيّة اجابة واضحة عن حقيقة ظروف الحادثة، ومن جهة أخرى، وحيث تتراكم الكثير من التساؤلات الغامضة حول معطيات تم الافصاح عنها وبقيت غير متوازنة منطقيًا، من الطبيعي أن نستنتج أن أغلب هذه الادعاءات هي غير صحيحة ومركبة، الأمر الذي يفترض الإضاءة على كثير من الاحتمالات لتفسير حقيقة ظروف الحادثة، وما الذي تسبب بمقتل عميل موساد إسرائيلي (تبين أنه ذو شأن وموقع غير بسيط في الجهاز المخابراتي الصهيوني)، بعد صدور تصريح رسمي اسرائيلي بأنه بقي وفيًا للكيان، وما الذي تسبب بمقتل عنصرين من المخابرات الإيطالية في منطقة داخل إيطاليا،  بالإضافة لمقتل شخص رابع، تبين أنها سيدة روسية الأصل متزوجة من قبطان القارب الذي تعرض للحادث، والذي من المفترض والطبيعي أنه درس ظروف الرحلة وعمل على تأمين سلامتها من كافة الجوانب.

بعد حصول الحادثة، واستنادًا لما تم نشره من صور في مكانها، يتبين من حطام بعض أجزاء من القارب والمنتشرة على المياه، أن هناك ما يشبه انفجارًا صغيرًا سبّب مقتل العملاء والسيدة، حيث لا يمكن لعاصفة مهما كانت قوية أن تحدث هذه الأضرار وبهذا الشكل المفاجىء والسريع.

من هنا، تتقدم وبشكل كبير جدًا احتمالية أن يكون هناك عمل مدبر استهدف القارب، وتحديدًا استهدف مكان وجود عميل الموساد الإسرائيلي، والذي يتجاوز الخمسين من العمر، الأمر الذي يفترض أن تاريخه طويل بالمهام المخابراتية الحساسة والغامضة والمشبوهة.

انطلاقًا من كل ما تقدم، قد تحمل الأيام القريبة القادمة أجوبة أكثر وضوحًا عن حقيقة ظروف الحادثة ومقتل هؤلاء، وتحديدًا عن حقيقة مقتل العميل الإسرائيلي، والتي تحمل واحدًا من الاحتمالات التالية:

-الاحتمال الأول بأن يكون قد قُتل في عملية تصفية داخلية، أرادت قيادة الموساد من خلالها قطع خط معلومات عن عمل أمني مخابراتي (أو أكثر من عمل)، نفذه العميل المقتول بأمر هذه القيادة.

- الاحتمال الثاني بأن يكون قد قُتل في عملية تصفية بين جهازي مخابرات، من ضمن الحرب الغامضة والسرية التي تحصل عادة بين أجهزة المخابرات على الصعيد العالمي.

- الاحتمال الثالث والأكثر ترجيحًا بتقديرنا، أن يكون قد قتل لمسؤوليته عن عملية أو أكثر لتفجير ضخم وحساس أو عن عملية أو أكثر لاغتيال استثنائي ولشخصية استثنائية، بحيث تدخل هذه التصفية من ضمن حساب واسع ومفتوح، بين "اسرائيل" وبين طرف أو أكثر من أطراف محور المقاومة، وفي حرب واسعة وممتدة عميقًا في الزمان وفي المكان.

الموساد

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات