طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

عقيدة نتنياهو الامنية:  تحصين الداخل، الدفاع الصاروخي، بناء الجدر.. والمعركة بين الحروب
17/04/2019

عقيدة نتنياهو الامنية: تحصين الداخل، الدفاع الصاروخي، بناء الجدر.. والمعركة بين الحروب

جهاد حيدر
لم تقتصر الاثار التي تركها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو في واقع "اسرائيل" على المجالين الاقتصادي والسياسي، بل يسعى الى أن يشمل ذلك المجال الامني، ومن موقع التنظير! وللوصول الى هذه الغاية عمد الى بلورة عقيدة أمنية تتلاءم مع مستجدات البيئة الاستراتيجية، ومع ظروف الكيان الغاصب الجغرافية والسكانية والاقتصادية...ومع أنه لم يتم الكشف عن كافة معالمها وبنودها، إلا أنه خلال الاشهر الماضية تم تسريب بعض جوانبها. المرة الاولى تمت قبل أشهر في العام الماضي، والثانية قبل أيام في صحيفة "اسرائيل اليوم".

قبل تناول ما اوردته الصحيفة الاسرائيلية، ومن أجل توسيع دائرة المعرفة بهذه العقيدة، وخاصة أنه لم يتم الكشف عن كافة بنودها، لا بد من الرجوع قليلا الى الوراء وإعادة استحضار ما أورده نتنياهو قبل اشهر، حيث كان لافتاً جداً، تركيزه على البعد الدفاعي في العناصر التي تتشكل منها هذه العقيدة إلى جانب تعزيز القدرات الهجومية، وتعزيز القدرات في مجال "السايبر"، موضحاً أمام المجلس الوزاري المصغر أن العقيدة الأمنية الجديدة تركز على «تحسين الدفاعات الصاروخية، ومواصلة العمل على تحصين الجبهة الداخلية، واستكمال إقامة الجدران الأمنية على حدود الدولة».

وبما أن العقيدة الأمنية تجري بلورتها في ضوء طبيعة التهديدات ومستوى خطورتها ودرجة احتمال تحققها، يصبح من المؤكد أن الحاجة الى بلورة هذه العقيدة تتعزَّز على خلفية ما شهدته البيئة الإقليمية للكيان الإسرائيلي، وتحديداً حدودها الشمالية. وهو ما يعني أن اسرائيل تجد نفسها أمام أخطار متعاظمة بفعل فشل الرهانات الإسرائيلية والأميركية، انطلاقاً من الساحتين السورية واللبنانية.

هذه التقديرات والمخاوف تم التعبير عنها على لسان كبار الخبراء في "اسرائيل"، وشمل ايضا القادة العسكريين والسياسيين، والأبرز أن هذا المفهوم ورد في استراتيجية الجيش المحدثة في نيسان/ أبريل 2018، حيث اعتبرت في المادة التاسعة من تحليل البيئة الاستراتيجية أن مصادر التهديد على مستوى الدول تتجسد في ايران وسوريا التي "على الرغم من ضعفها الجوهري، لا تزال لديها القدرات على تهديد دولة إسرائيل". وورد ايضا في فقرة أخرى، بأن التهديد الذي تشكله سوريا ينبع من كونها جزءا من محور، مشيرا الى أن "النظام السوري، إلى جانب إيران وحزب الله والميليشيات الشيعية الموجودة في المنطقة، تشكّل التهديد الأساسي على دولة إسرائيل الآخذ في التزايد". وسبق أن حذَّر وزير الامن السابق افيغدور ليبرمان قبل أن يستقيل من منصبه قبل أشهر، من إعادة بناء قوة الجيش السوري.

الى ذلك، ذكرت صحيفة "اسرائيل اليوم"، أن رئيس هيئة الأمن القومي السابق، العميد يعقوب نغل، سوف يقوم قريبا بنشر مقال غير مصنف (غير سري)، في الولايات المتحدة، يعرض فيه مبادئ من العقيدة الأمنية التي صاغها نتنياهو.  ومن أبرز ما أوردته الفرضية التي تستند اليها هذه العقيدة، "من ضمن أمور أخرى، أن اسرائيل لا تواجه اليوم أي تهديد وجودي".

يلاحظ أن كل الطروحات التي قدمتها المؤسستان السياسية والامنية في السنوات الاخيرة، انطلقت من فرضية عدم وجود تهديد وجودي. وهي حقيقة لا تتعارض مع حقائق أخرى، مفادها أن "اسرائيل" تواجه تهديدات استراتيجية في المرحلة الحالية، وتتخوف من أن تتحول الى تهديدات وجودية في المستقبل. لذلك، ورد في الاقتباس أعلاه أن "اسرائيل" لا تواجه اليوم تهديداً وجودياً. ويعود ذلك الى تخلي الانظمة العربية المحيطة بـ"اسرائيل" عن واجبها الوطني والقومي، النظام المصري والاردني، فيما تم انهاك الدول الأخرى واضعافها (العراق وسوريا). ونتيجة هذه الفرصة الاستراتيجية التي يتمتع بها الأمن القومي الاسرائيلي يدعو نتنياهو الى ضرورة "المحافظة على هذا الوضع".  وبهدف تحقيق ذلك، تعتمد "اسرائيل" استراتيجية متعددة المسارات.

الى ذلك، "هناك جانب آخر في النظرية الامنية، هو الحاجة إلى حماية الجبهة الداخلية والبنى التحتية والمؤسسات الحكومية الهامة، في ضوء تغيير عقيدة العدو". وهو ما يكشف عن مدى حضور التهديد الذي تشكله القدرات الصاروخية لحزب الله ومحور المقاومة، على الجبهة الداخلية. وفي المقابل، تستوجب هذه الرؤية من المؤسسة الاسرائيلية، بشقيها السياسي والامني، العمل على مواجهة هذا التهديد استباقياً ودفاعياً. وضمن هذا الاطار، تقوم "اسرائيل" باعتداءاتها التي تندرج تحت عنوان "المعركة بين الحروب"، التي من الطبيعي أنها ترد ايضا في عقيدة نتنياهو الامنية، باعتبارها تجسد الخيار العملاني الاستباقي والوقائي. وبموازاة ذلك، ما زالت تواصل تطوير منظوماتها الاعتراضية الصاروخية، كجزء من خططها الدفاعية في مواجهة صواريخ حزب الله ومحور المقاومة.

الجانب المهم في هذه العقيدة ايضا، أنها محدَّدة للعام 2030، وتستوجب بناء وتطوير قدرات هجومية ودفاعية. الأمر الذي يستوجب المزيد من النفقات لتنفيذ خطط بناء القوة التي تستوجبها هذه العقيدة. ونتيجة ذلك، يعتزم نتنياهو "زيادة ميزانية الدفاع بنسبة 0.2% حتى 0.3% من الناتج القومي الإجمالي، في موازاة مواصلة إجراءات توفير الموارد في الجيش»، على أن تشمل الزيادة الجديدة في ميزانية الأمن مصاريف «جميع الأجهزة الأمنية، بما فيها الجيش والشاباك والموساد». وبما أن هذه الزيادة في الميزانية ستكون على حساب الاقتصاد الإسرائيلي، بل هي مشروطة به، عمد نتنياهو خلال الجلسة إلى تأكيد أن المسعى سيهدف إلى «تحقيق نمو سنوي بقدر 3 أو 4%، وصرف حوالى 6% من الناتج القومي الإجمالي على جميع الحاجات الأمنية... وحينما يصل الناتج إلى نصف تريليون دولار، سيُعاد النظر في النسبة المطلوبة للصرف على حاجات الأمن".

لكن المشكلة التي قد يواجهها نتنياهو في حكومته المقبلة أن التقديرات الاقتصادية في "اسرائيل" تتحدث عن احتمال تراجع النمو فيها خلال السنوات المقبلة، الامر الذي سينعكس على الزيادة التي ينوي فرضها لمصلحة الموازنة الامنية.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات