نقاط على الحروف

تشيرنوبل.. وقت الانفجار
25/06/2023

تشيرنوبل.. وقت الانفجار

أحمد فؤاد

يفضل الكثير من المؤثرين وصناع الرأي الاستشهاد بالحادثة المروعة لإنفجار محطة تشيرنوبل السوفياتية النووية، كأهم مثال على عملية فشل إدارة الأزمة، ونظرًا لتداعياتها المأساوية على البشر والحجر في منطقة واسعة من أوكرانيا وقارة أوروبا، والمستمرة منذ 1986 إلى اليوم، وربما إلى عشرين قرنًا تاليًا، فإنها تمثل لوحة للغباء الخام والعناد المميت، وبالطبع يبقى تشويه الاتحاد السوفياتي السابق، والوريثة روسيا، على لائحة الأهداف الغربية الدائمة.

لكن، وبعيدًا عن سم الغرب في الرواية، تبقى حادثة تشيرنوبل أكثر الحوادث النووية ترويعًا بعد جريمة قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، ورغم إنها غير مقصودة بالطبع، إلا أنها تمنحنا فرصة للنظر في عواقب تصرفات وقرارات عديدة، ونمط في إدارة الحكم والدول كان له أن يتمخض عن مصيبة هائلة، ولم تكن الحادثة النووية آخر محطاته، لكن السقوط السريع والبائس للاتحاد السوفياتي كله جرى بطريقة أكثر دراماتيكية وألمًا، وكان محصلة منطقية لأسباب عدة كانت تنخر في بدن القوة العظمى السابقة، وتمزق نسيجها وتفتت مناعة مجتمعها، حتى إنهار العملاق كليًا في 1991.

المثير في حكاية تشيرنوبل إنها لم تأت نتيجة لعامل خارجي أو طارئ مفاجئ، لكنها وقعت خلال "تجربة آمان"، قررت هيئة المحطات النووية السوفياتية أن تجريها على مفاعلاتها ومحطات الطاقة فيها، تحسبًا من أي خطر كان، ورغم أن محطة الطاقة التي تضم 4 مفاعلات نووية لإنتاج الكهرباء كانت من الجيل الثاني، الذي تميز بإدخال العنصر الآلي على التحكم في دورة الوقود النووي الخطرة، لضمان سيطرة دائمة وأفضل على وسائل التأمين والضبط، إلا أنها فشلت في اختبارها أمام سلسلة متتالية من الأخطاء البشرية، الناتجة عن غياب التقدير والحساب والمخاطر.

حتى هذه اللحظة لا أحد يعرف الشخص المتسبب في الكارثة، رغم وجود 3 أفراد فقط وقت وقوعها، أناتولي دياتلوف، نائب رئيس المهندسين لمحطة تشيرنوبل وألكسندر أكيموف، رئيس النوبة الليلية، وليونيد توبتونوف، المسؤول عن النظام التشغيلي للمفاعل، وتقول الرواية الرسمية المعلنة أن أحدهم أوقف يدويًا نظام التبريد الآلي للمفاعل الرابع بالمحطة، ما أدى إلى انفجارات متتالية وانصهار قلب المفاعل النووي وإطلاق المواد الخطرة المشعة إلى السماء.

وقد لا يعرف أحد أبدًا من هو المسؤول عن الكارثة، إذ أن بنية الدولة السوفياتية كانت في حالة من التحلل والتعفن، بحيث وصلت آثار الشقاق والعناد بين كل الأطراف إلى مرحلة الانفجار، ببساطة أيضًا قد لا يمكننا ابتلاع مأساة النكسة العربية في حزيران/ يونيو 1967، كيف تمكن السلاح الجوي للصهاينة من تدمير 3 جبهات عربية خلال ساعات قليلة، ثم كيف استطاعت مدرعاته التقدم ـــ دون معارك تقريبًا ـــ في مصر والأردن وسوريا، ودون أن تجرؤ جبهة منها على الصمود في أي معركة لساعات قليلة، فضلًا عن تقديم العون لجبهة أخرى، لا الخيانة تستطيع منحنا تفسير شافٍ، ولا الغباء مهما بلغ مداه سيقدم سيناريو متكامل لما حدث، إنه الخليط العجائبي والمعجز بين الخيبة والعمالة المباشرة والارتزاق على حساب القضايا والأوطان، وحتى الدماء.

الحقيقة الوحيدة في ما يجري بروسيا من صراع مع الولايات المتحدة، امتد ليتحول إلى صراع داخلي مرعب بين الجيش وقوات "فاغنر"، هو النتيجة الحتمية لأمة تدخل صراعًا وهي مشوشة الفكر والرؤية ومتضاربة الهوى، خلطة الفشل الساحق ــ كما نعرفها وجربناها في العالم العربي ــ هي أن يحتل أصحاب المصالح كراسي أهل القرار، بهذا العامل وحده تذهب الأوطان إلى الجحيم.

ما يجري مؤسف بالنسبة لنا، سواء على مستوى المنطقة كلها أو محور المقاومة أو على المستوى الفردي، فنجاح الولايات المتحدة في حسم صراعها مع الروسي سيعني مباشرة المزيد من السنوات تحت سيف واشنطن المسموم والمتداخل في كل شؤون حياتنا، حتى اليومي والبسيط منها، والأمل بدور متزايد لعدد من الأقطاب على الساحة العالمية سيترجم إلى مناخ أفضل للانطلاق في كل مجال.
..
ما هو فارق في الصراعات الإنسانية هو عامل واحد يسمى "الجذرية"، أن تدخل صراعًا فإنك تحشد إمكانياتك ومواردك والطاقات الإنسانية الجبارة لجماهير شعبك وأمتك نحو التحول إلى فاعل، لا مفعول به، ومهما كانت الظروف ومهما طال المدى فإن الأمم التي ترغب حقيقة في الخلاص ستحصل عليه في النهاية، وبوجه عالم من الأعداء.

التغير الفاصل رأيناه في قضية العرب المركزية "فلسطين" بداية من العام 1982، حين دخل حزب الله إلى الصراع، بعقيدة الفداء الحسيني الخالدة والثابتة، بكلمة سماحة السيد حسن نصرالله التي تتردد في الأزمنة والأجيال والقلوب: "سنثبت من جديد أنّ الدم هنا ينتصر على السيف، وأنّ الدم هنا قهر السيف وهزمه، وأنّ الدم هنا حطّم كل قيد، وأنّ الدم هنا أذلّ كل طاغية ومستكبر"، بهذه الروحية كان الانقلاب في قصة وجود كيان العدو السرطاني على الأرض العربية، وبعد أن كان يضرب حيث تطول مديات طائراته ما شاء وأنى شاء، تحول إلى "دولة عربية" أخرى، حيث يبيع الحكام الوهم خطبًا فارغة وكلمات رنانة بلا فعل لقطعان مستوطنيها، بينما هو في الحقيقة لا يجرؤ على فعل يعلم أن فيه تكمن النهاية.

روسياالسيد حسن نصر االلهتشرنوبيل

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة