آراء وتحليلات
لماذا تلجأ واشنطن لتسليم كييف قذائف عنقودية محرمة دوليا؟
شارل أبي نادر
هكذا وبكل بساطة، تعلن وزارة "الدفاع" الأميركية "البنتاغون"، أمس الجمعة ، أنّها ستزود أوكرانيا بحزمة جديدة من المساعدات العسكرية، تقدّر قيمتها بـ 800 مليون دولار، من بينها ذخائر عنقودية.
وحسب البنتاغون "هذه الحزمة تتضمن أنظمة مدفعية وذخيرة إضافية، بما في ذلك الذخائر التقليدية المحسنة الثنائية الغرض، والفعالة للغاية والموثوقة (العنقودية)، بعد أن أجرت الإدارة حولها مشاورات مكثفة مع الكونغرس ومع حلفائنا وشركائنا".
فعليا، لا يوجد شيء جديد أو مستغرب حول تسليم واشنطن هذه الحزمة غير البسيطة من الاسلحة والذخائر، فهذا الامر لم يتوقف طيلة فترة الحرب في اوكرانيا، وأصبح منذ شباط/ فبراير ٢٠٢٢ تاريخ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في اوكرانيا، إجراءً اميركياً ثابتا ودوريا، لا يختلف بتاتا عن اجراءآت البنتاغون الدورية في تسليم وحداتها العضوية الأسلحة والذخائر المحددة في موازنة الدفاع السنوية، لتبقى الإشكالية فقط في التواصل مع الكونغرس عند كل صفقة، لتشريعها من الناحية المالية ومن الناحية القانونية، ولنشهد بالنهاية ودائما، موافقة الكونغرس على هذه الصفقات، تماما كما يحددها البنتاغون، والذي يحصل دائما على موافقة كل أجهزة المخابرات والاستعلام الاميركية دون اي تحفظ.
الجديد واللافت اليوم، أن الصفقة تتضمن ذخائر عنقودية، والتي تعتبر من القذائف المحرمة دوليا، وحيث كان لافتا اكثر من ذلك، عدم اعتراض الكونغرس على تسليمها، فلماذا تلجأ واشنطن للعمل على تسليمها لأوكرانيا اليوم، بالرغم من ان اغلب مفاصل الاشتباك الروسي ــ الاوكراني تحصل حاليا وفي أغلب الجبهات، في مناطق مدنية او مناطق غير مخلاة من المدنيين؟
هذه الذخيرة هي عبارة عن قذائف محشوة بقنابل صغيرة، تصل الى المئات او الالاف احيانا، وهذه القذائف يمكن اطلاقها من الطائرات ومن المدفعية، ومع بعض التعديل البسيط، يمكن ايضا اطلاقها من راجمات الصواريخ بعد حشو صواريخ الاخيرة بشحنة معينة من القنابل العنقودية.
من الناحية العسكرية التكتية، لانها تحمل ميزة الانتشار من مسافة معينة من الجو بعد تعيير مسافة انفجار القذيفة في الجو، ولانها تحمل ميزة عدم الانفجار الآني بعد اصطدامها بالارض، وتبقى نشطة طويلا، تُستعمل القنابل العنقودية لكي تجعل المنطقة المستهدفة بها، منطقة خطرة على فترة طويلة، لانها ستكون اشبه بمنطقة مليئة بالالغام الفردية ضد الاشخاص، وهذا من أسباب تحريمها دوليا، لأنها تُبقي خطر انفجار هذه الالغام متواصلا لسنوات طويلة، تتجاوز فترة الحروب، والتي بعد ان تنتهي، يبقى خطر انفجار هذه القنابل مسلطا على كل من يدخل وينتقل في البقعة المستهدفة وطبعا المدنيين بدرجة اولى، وحساسية انفجارها تبقى مرتفعة رغم كل الظروف الطبيعية، بالاضافة لأنه يصعب تنظيف البقعة المستهدفة بهذه القنابل، الامر الذي يأخذ وقتا طويلا وجهودا ضخمة، ولانه يتطلب خبرات وتقنيات، لا تتوفر دائما بشكل سهل لدى الجيوش خاصة اثناء العمليات العسكرية الضاغطة.
من هنا، وبعد ان فرضت الحاجة العسكرية نفسها لتسليم كييف هذه القنابل العنقودية، رغم كونها قنابل محرّمة دوليا، وهو ما لم يمنع القيادة العسكرية الأميركية والبنتاغون من التوصية بتسليمها لكييف، فما هي هذه الحاجة العسكرية الملحة التي فرضت هذا الأمر الاستثنائي وغير المنطقي؟
في الواقع، لا يمكننا الا ان ننظر إلى فشل الهجوم الاوكراني الاخير على مناطق سيطرة الروس في الدونباس وزابوراجيا، والى ارتباط هذا الفشل بالامكانية الكبيرة لان يكون هذا سبب تسليم كييف هذه القنابل العنقودية.
فبالعودة لعمل ودور وأماكن استعمال هذه القنابل، من الواضح أن من يرميها على أي بقعة يكون قد قرر وبشكل شبه مؤكد، بأن مخططاته لن تشمل الدخول إلى هذه البقعة، اقلّه في الوقت المقبول والكافي لاعادة تنظيف هذه البقعة من القنابل العنقودية، الامر الذي يمكن ان نستنتج منه بان مخططات كييف المرتقبة، والتي هي عمليا وفعليا، مخططات الناتو والاميركيين، لا تلحظ أية مناورة هجومية أخرى على المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الروسية في الدونباس او زابوراجيا او خيرسون، طبعا بالاضافة لاستحالة أن يكون هناك مخططا اميركيا ــ اوكرانيا لاستهداف اراض روسية بها، لأنه في ذلك لو حصل، اشتباك من مستوى آخر، قد يتجاوز الوحدات الاوكرانية.
انطلاقا من كل ذلك، يمكن ان نستنتج ما يلي:
ــ لا يبدو ان هناك مخطط اطلسي آخر لتنفيذ هجوم اوكراني مرتقب على أراض يسيطر عليها الروس في اوكرانيا، وذلك الامر اصبح شبه مؤكد، مع ارتفاع الحديث عن الخسائر الضخمة التي تكبدها الجيش الأوكراني مؤخرا، واستحالة قيامه بهجوم معاكس آخر في الوقت القريب.
ــ لقد تم تسليم كييف هذه القنابل لكي تشكل حاجزا او سدا فاعلا لمساعدة الوحدات الاوكرانية في الدفاع عن مناطق يمكن ان يهاجمها قريبا الروس ، وذلك بعد ان استوعبوا الهجوم الاوكراني المعاكس .
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024