آراء وتحليلات
تحالف استراتيجي في شرق آسيا.. كيف ينعكس على النفوذ الأميركي؟
شارل أبي نادر
أشرف الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون على عرض عسكري في بلاده ضمّ طائرات بلا طيّار جديدة وصواريخ بالستيّة عابرة للقارّات ذات قدرة نوويّة، لمناسبة الذكرى السبعين لانتصارهم في حرب التحرير الوطنية بين عامي 1950 و1953. وكانت قد أحيت بيونغ يانغ هذا الاحتفال بمناسبة الذكرى الـ70 لتوقيع اتفاقيّة الهدنة الكوريّة التي أنهت المعارك في 27 تموز/يوليو 1953، والتي يُحتفَل بها في كوريا الشمالية باعتبارها "يوم النصر"، وقد حضر الاحتفالات وفدان روسي وصيني رفيعا المستوى.
تميز الاحتفال بعرض لأحدث الصناعات العسكرية لبيونغ يانغ ومنها طائرات استطلاع استراتيجيّة بلا طيار ومُسيّرات هجوميّة متعدّدة الأغراض طُوّرت وأنتِجت حديثاً. وكانت لافتة حماسة الحاضرين عند استعراض أحدث صاروخ بالستي كوري شمالي عابر للقارّات، هو "هواسونغ -18" العامل بالوقود الصلب، والذي كان قد اختُبِر مرتين مؤخرا في نيسان وفي تموز من هذا العام.
طبعًا، هي ليست المرة الأولى التي تحيي فيها بيونغ يانغ احتفالية تاريخية أو قومية، كما وليست المرّة الأولى التي تقيم فيها عرضًا عسكريًا لأسلحة وقدرات صاروخية وباليستية، كانت قد أجرت عليها تجارب مُتحدّية واشنطن وحلفاءها الغربيين أو الشرقيين، ولكنها المرة الأولى التي تحيي فيها هذا الاحتفال بحضور استثنائي لوفدين صيني وروسي، والأهم، في توقيت حساس يعيشه العالم بشكل عام وشرق آسيا بشكل خاص.
فعليًا، هناك الكثير من المعطيات التي يمكن استنتاجها من العرض والحضور، وهناك الكثير من الرسائل من هذا الاحتفال والتي تعطيه هذا البعد الاستثنائي في التوقيت والشكل والمضمون.
الملاحظة الأولى التي يمكن البناء عليها أن كوريا الشمالية عرضت أسلحة نوعية ومسيّرات وصواريخ بالستيّة متطورة مثل "هواسونغ -18"، العابر للقارات والقادر على حمل رؤوس نووية وكهرومغناطيسية، بحضور وتشجيع روسي وصيني، الأمر الذي يناقض عروضها وتجاربها الباليستية سابقًا، والتي فرض عليها بسببها أكثر من مرة مجلس الأمن حزمة واسعة من العقوبات وبموافقة روسية وصينية، حيث لم تلجأ أي من الدولتين حينها لاستعمال حق النقض (الفيتو) وذلك في أعوام 2006 و2009 و2017.
الملاحظة الأخرى هي في التوقيت الاستثنائي الذي تعيشه واشنطن بمواجهة شبه مباشرة ضد روسيا والصين.
ففي أوكرانيا وشرق أوروبا الحرب تتوسع في الجغرافيا والوسائل، ولم يتبق إلا خيط رفيع جدًا يفصل عن الانخراط الغربي الأطلسي المباشر عن غير المباشر ضد روسيا، والتي لن تكون خجولة طبعًا في طلب الحصول على عدد كبير من هذه المسيّرات الكورية الشمالية التي عُرضت في الاحتفال، حيث حاجة وحدات موسكو لهذا النوع من الأسلحة الحاسمة ضرورية وكبيرة وواسعة.
أما في شرق آسيا وشمال غرب المحيط الهادي، فهناك مستوى آخر مرتفع من الاشتباك تعيشه أيضًا واشنطن ضد الصين في مواجهة استراتيجية حساسة أخرى لا تقل أهمية وخطورة عن المواجهة مع روسيا، والعلاقة بين بكين واشنطن، ورغم المحاولات الاميركية الخادعة عبر الزيارات الديبلوماسية الماكرة لبكين، هي علاقة متأزمة فعلًا، وفيها الكثير من الخلافات والصدامات والتحديات. والتهديدات والمناورات الأميركية لتركيب التحالفات الواسعة لاستهداف الصين واضحة وعلنية لا تخجل بها واشنطن، مع وجود ارتفاع لافت في مستوى الاشتباكات بين الطرفين حول عدة ملفات أهمها: تايوان الجزيرة والمضيق وبحر الصين الجنوبي وجزره الخلافية والفيلبين وتكدس القواعد الجوية الأميركية (الهجومية الطابع) فيها مؤخرًا بشكل غير مسبوق، بالاضافة طبعًا للاشتباك الاقتصادي بين القوتين، والذي لا يقل خطورة عن الاشتباكات الأخرى.
إحدى أهم الرسائل من هذا الاحتفال تكمن في الحضور الصيني والروسي الفاعل، والذي يمكن اعتباره بمثابة رعاية أبوية من بكين وموسكو لهذه الصناعات العسكرية لكوريا الشمالية، حيث في الوقت الذي ترتفع فيه عصبية واشنطن وكل حلفائها وخاصة في شرق آسيا، تحديدًا اليابان وكوريا الجنوبية أمام كل تجربة صاروخية باليستية لبيونغ يانغ، وتزيد هذه الدول من تهديداتها ومن مناوراتها ضد هذه التجارب، تأتي اليوم روسيا والصين كدولتين أساسيتين من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لترعيا هذه العروض وتشجعا وتحميا هذه التجارب الصاروخية والمسيّرة الكورية الشمالية.
انطلاقًا من كل ذلك، لم يعد مستبعدًا إعلان تحالف ثلاثي يجمع روسيا والصين وكوريا الشمالية لمواجهة واشنطن، أسُسه موجودة في الخلافات الجوهرية للدول الثلاث مع الأميركيين وأهدافه موجودة في حاجة ورغبة الدول الثلاث مع كثير من الدول الأخرى حول العالم للتخلص من الهيمنة الأميركية الواسعة، والتي سببت الكثير من الحروب والويلات والكوارث لعدد كبير من الدول، ونقاط قوة هذا التحالف مؤمّنة وموجودة أيضًا، وهي القدرات العسكرية الاستثنائية والتواجد الجغرافي الاستراتيجي للدول الثلاث: روسيا، الصين وكوريا الشمالية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024