طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

"الحزام والطريق" الصيني: من البوابة الإيطالية إلى البوابة التركية
31/07/2023

"الحزام والطريق" الصيني: من البوابة الإيطالية إلى البوابة التركية

حيّان نيوف

شهدت زيارة الرئيس الصيني إلى إيطاليا في آذار/مارس من العام 2019 حدثاً استثنائياً على الصعيد العالمي، حيث وقع خلالها اتفاقية إطار عام مع رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق "جوزيبي كونتي" تتضمن 38 بنداً. هذه الاتفاقية الموقعة اعتبرت في حينها حدثاً اقتصادياً عالمياً وتاريخياً بامتياز لأنها تضمنت إعلاناً لانضمام إيطاليا إلى مبادرة (الطريق والحزام) التي أطلقتها الصين لإحياء طريق الحرير وربط الموانئ العالمية.

وبموجب الاتفاقية فإن إيطاليا تتمكن من طرح منتجاتها في الأسواق الصينية بحرية. والمعروف عن المنتجات الإيطالية جودتها العالية، وهذا بحد ذاته يشكل منافسة لمثيلاتها من المنتجات الأميركية في السوق الصينية، كما أن إيطاليا ستشكل قاعدة انطلاق اقتصادية وتجارية للصين في البحر المتوسط وأوروبا وهذا أيضاً أثار ذعر الولايات المتحدة الأميركية.

الولايات المتحدة الأميركية بعثت برسائل تهديد عديدة لإيطاليا قبل وبعد التوقيع على الاتفاقية وطالبتها بإلغائها، وزعمت أن الاتفاقية لن تأتي على إيطاليا بفائدة وأن انضمام إيطاليا إلى مبادرة الحزام والطريق سيجعل منها قاعدة للتجسس الصيني على أوروبا والناتو، والأمر ذاته بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي عمل طوال الفترة التي تلت التوقيع على الاتفاقية على ممارسة الضغوط على روما.

واستمرت الضغوط الأمريكية على إيطاليا إلى حين وصول اليمين المتطرف بزعامة "جورجيا ميلوني" إلى السلطة وتشكيل حكومة في أكتوبر/تشرين أول من العام 2022.
لم تخفِ ميلوني موقفها المعارض لاتفاقية بلادها مع الصين، واعربت عن رغبتها في الانسحاب من مبادرة الحزام والطريق الصينية، كما أن حكومتها انتهجت سياسات أكثر التصاقا وتوافقا مع السياسات الأمريكية سواء ضمن مجموعة السبع أو ضمن حلف الناتو، ويبدو أن الولايات المتحدة منحت إيطاليا دورا أوسع وخاصة داخل الناتو وفي شمال أفريقيا وأوروبا وفي البحر المتوسط مقابل إلغائها لاتفاقيتها مع الصين.

مؤخرًا أعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية عن زيارة مرتقبة وقريبة لها الى واشنطن، ومن المتوقع أن تشهد تلك الزيارة إعلانا صريحاً لجهة الانسحاب من مبادرة الحزام والطريق الصينية وبما يتوافق مع استراتيجيات الولايات المتحدة.

وعلى ما يبدو فإن الصين التي جهدت طوال الشهور الفائتة للحفاظ على الاتفاقية مع إيطاليا باتت تدرك أن الولايات المتحدة تمكنت من تحقيق هدفها وأن قرار إلغاء الاتفاقية بات محتوماً أو على الأقل لجهة عدم تمديدها في العام 2024، وأنه يتوجب على بكين البحث عن خيارات بديلة.

انطلاقاً من ذلك يمكننا قراءة الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الصيني الجديد ورئيسة لجنة العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني "وانغ يي" إلى تركيا منذ أيام قليلة ولقائه بالرئيس التركي "رجب أردوغان" وبوزير الخارجية "هاكان فيدان"، حيث كان اللافت أن يختار وزير الخارجية الصيني تركيا أول محطة من محطات زياراته الخارجية بعد إعادة تعيينه وزيرا للخارجية، بل في اليوم التالي لستلمه منصبه الجديد.

في أنقرة وخلال تلك الزيارة المهمة ناقش الطرفان التعاون الثنائي في مجال الاقتصاد والتبادل التجاري والاستثمارات والطاقة النووية وكذلك قضايا الأمن وخاصة ما يتعلق بالحرب الأوكرانية، لكن الأهم كان الاتفاق على الربط بين مشروع الحزام والطريق الصيني ومشروع الممر الأوسط التركي، وإذا كان المشروع الصيني يهدف لربط الصين باوروبا والشمال فإن المشروع التركي الذي طرحه أردوغان يربط تركيا بالقوقاز ومنها عبر بحر قزوين إلى تركمنستان ومن ثم الى الشرق، ما يعني أن الربط بين المشروعين سيحقق فائدة جيواستراتيجية لكلا البلدين.

وبالرغم من أن أردوغان العائد من قمة الناتو مؤخرا قد حصل على وعود غربية وأمريكية بإعادة طرح ملف انضمام بلاده للاتحاد الاوروبي، وكذلك تم منحه هامشاً واسعاً عبر تسهيل اتفاقيات جديدة لبلاده مع الدول الخليجية التي زارها بعد قمة الناتو ووقع عقودًا مليارية معها، لكنه لم يستطع مقاومة عروض العملاق الصيني المغرية والمتنوعة أسوةً بدول اقليمية كبرى كإيران التي وقعت اتفاقية استراتيجية طويلة الأمد مع الصين، والسعودية التي زارها الرئيس الصيني مؤخرا وعقد معها صفقات ضخمة ومتنوعة.

وبالنسبة للصين فإنها وجدت في البوابة التركية بديلا جيوسياسيا واستراتيجيا لمشروعها الحزام والطريق بعد أن بات من شبه المؤكد أن البوابة الإيطالية مهددة بالإغلاق بوجه هذا المشروع، خاصة أن المشروع الصيني يقابله مشروع الممر الأوسط التركي ويمكن الربط بينهما، وهو ما تعتقد أنقرة أن باستطاعة الصين التأثير على كل من طهران وموسكو لتسهيل مروره عبر القوقاز، وما يعني بالنهاية وجود أرضية مشتركة لاتفاق الدول الأربعة إذا ما أخذنا بالاعتبار تبادل المصالح خاصة مع قرب اكتمال ممر شمال جنوب الإيراني الروسي الذي يربط المحيط الهندي بموسكو ومنها بشمال شرق اوروبا.

وبالرغم من الصمت الأمريكي حتى الآن على زيارة وزير الخارجية الصيني لأنقرة وما طرح خلالها، غير مؤشرات عدة تعكس امتعاضاً أميركياً وردود فعل أولية عبر حلفاء الولايات المتحدة، كان لافتاً إلغاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارته التي كانت مقررة لتركيا والتي كانت تعوّل عليها أنقرة لطرح مشروع لخطوط الغاز من "تل ابيب" الى تركيا ومنها لأوروبا، وكذلك إلغاء الرئيس المصري لزيارته التي كانت مقررة أيضا لتركيا، وإذا كان نتنياهو قد برّر إلغاء زيارته بأسباب صحية متعلقة بمرضه، فإن القاهرة عزت إلغاء الزيارة لانشغال السيسي بالقمة الافريقية/الروسية، وكلا السببين غير مقنعين ولا يمكن ان يشكلا أسبابا حقيقية للإلغاء. كان لافتاً أيضا في اليومين الماضيين وبعد زيارة وزير الخارجية الصيني لتركيا صدور تصريحات أوروبية جديدة ومتشددة حول استحالة انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي، ومن غير المستبعد أيضا صدور مواقف أخرى سواء من واشنطن أو من الدول التي تتحالف معها ضد أنقرة.

بالنتيجة فإنّه يمكن القول إن التحرّك الجيوسياسي الصيني نحو تركيا ربما يعيد خلط الأوراق الإقليمية في غرب ووسط آسيا وفي منطقة أوراسيا.

روسياتركياالصين

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة