آراء وتحليلات
بعد جنيف وآستانة.. هل انطلق المسار الثالث؟
حيّان نيّوف
من دون إعلان مسبق وبعد جمود دام لما يزيد عن الشهرين، عقد اجتماع لجنة الاتصال العربية على مستوى وزراء الخارجية مع سورية في العاصمة المصرية القاهرة. ضمّ الاجتماع وزراء خارجية كل من "السعودية ومصر والعراق ولبنان والاردن" مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد.
ويأتي الاجتماع بعد مدة من تباطؤ الحركة الدبلوماسية والسياسبة العربية نحو دمشق بعد أن شهدت زخمًا وتسارعًا بعيد القمة العربية التي عقدت في جدة السعودية والتي شاركت فيها سورية بعد انقطاع طويل.
سبق للّجنة أن اجتمعت في الأردن وكذلك في جدة السعودية، وأقرّت في حينها خطة عمل تخص الأزمة السورية والعلاقات السورية العربية، أو ما عرف حينها بسياسة الخطوة مقابل خطوة، وكما في الاجتماعات السابقة فقد شملت محاور الاجتماع مواضيع الحدود واللاجئين ومكافحة المخدرات والحل السياسي، وأكدت على وحدة سورية وسيادتها وخروج القوات الأجنبية غير الشرعية منها.
اللافت في الاجتماع الأخير أنّه دعا إلى عقد اجتماع للجنة الدستورية في وقت قريب، وأن يكون هذا الاجتماع في سلطنة عمان، على أن يعقد اجتماع جديد للجنة الاتصال على مستوى وزراء الخارجية قبل نهاية العام الحالي.
يفهم من البيان الصادر عن الاجتماع والاجتماعات المماثلة التي سبقته في عمّان وجدّة أن الملف السوري بات أمام مسار ثالث جديد هو المسار العربي إن صحّت التسمية بعد أن بقي هذا الملف طوال سنوات متأرجحًا بين مسارين هما مسار جنيف ومسار آستانة.
بالنسبة لمسار جنيف الذي نتج عنه تشكيل اللجنة الدستورية التي انطلقت اعمالها وعلى جولات متعددة بإشراف الأمم المتحدة بين وفود ثلاثة مثلت الحكومة السورية والمعارضة والمجتمع المدني، فإن هذا المسار لم يصل لنتائج ذات قيمة مؤثرة يعول عليها والسبب كان دومًا عائدًا للتدخل الاميركي المباشر لإفشاله عبر الوفد المعارض الذي ينصاع كليا للتعليمات الامريكية، هذا بالإصافة إلى التاثير التركي على بعض مكوناته.
وبالنسبة لمسار آستانة الذي رعته روسيا وضمّ الى جانبها ايران وتركيا بالإضافة الى وفود عن الحكومة السورية والمعارضة، فإنه وإن كان قد حقق بعض النتائج على مستوى التهدئة في الشمال والشمال الغربي السوري، لكنه فشل في تطبيق ما اتفق عليه وخاصة لجهة التزام تركيا بمقرراته المتعلقة بانسحابها من أجزاء من الشمال السوري واعادتها للدولة السورية وكذلك وقف دعم التنظيمات الارهابية في الشمال.
بالمختصر، فإنه يمكن القول إن المسارين "آستانة وجنيف" اللذين انطلقا خلال فترة زمنية متقاربة لم ينجحا في الوصول إلى صيغة قابلة للتطبيق أو التنفيذ، وفي كلا المسارين فإنه يمكن اختصار الأسباب الرئيسية للفشل بالمماطلة التي مارستها الولايات المتحدة وتركيا باعتبار كل منهما تحتل أجزاء واسعة من الأراضي السورية ولا مصلحة لأيّ منهما بإنجاح أي حلّ سياسي أو تطبيقه لأنه بالمحصلة سيعني خروجًا لقواتهما المحتلة من سورية، خاصة أن المسارين تم تشكيلهما وفق مبدأ وحدة الاراضي السورية وسيادتها.
انطلاقاً من ذلك فإنه يمكن القول إن الحاجة إلى خيار المسار الثالث باتت ضرورة، حيث شكل اجتماع جدة الذي عقد قبل القمة العربية في السعودية فرصة لولادة هذا المسار تحت مظلة عربية، وهو ما أقرته لجنة الاتصال العربية الخاصة بالملف السوري.
حتى الآن وبعد أشهر قليلة من ولادة هذا المسار فإن نتائجه ما زالت متواضعة لكن من المبكر الحكم عليه، ويحسب له إقراره لعودة سورية للجامعة العربية كخطوة أولى مهمة، وعوامل وفرص نجاحه متوفرة سواء ما يتعلق منها بالسياسة أو بالاقتصاد أو باللاجئين أو الجوانب الإنسانية وغير ذلك.
وبالرغم من أن هذا المسار يحمل صبغة عربية فإن رعايته الفعلية تعود بالدرجة الأولى للسعودية وفق ما ظهر منذ اجتماع جدة الاول وباعتبارها رئيسة للقمة العربية، كما أنها -السعودية- باتت تمتلك علاقات جيدة ومؤثرة مع جميع الاطراف المؤثرة بالملف السوري، مع الولايات المتحدة ودول التحالف الغربي وتركيا، وكذلك مع روسيا وايران التي تشهد علاقاتها معها تطورًا لافتًا منذ اتفاق بكين، وصولًا إلى العلاقات السعودية - السورية التي شهدت انطلاقة جديدة منذ القمة العربية في جدة.
لا شكّ بأن الرياض أمام مهمة ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة إن صدقت النوايا، وهي بالإضافة لكونها تستطيع الاستثمار والتأثير عبر علاقاتها وامكانياتها، فإنها بلا شك ستنظر إلى النتائج من زاوية مصالحها وهي الباحثة عن مكانة ترسخها كقطب عربي مقابل للاقطاب الجديدة في الإقليم وربما خارجه.
وبالمحصلة فإن نجاح السعودية مرتبط بالدرجة الاولى بأخذ المصالح السورية العليا بعين الاعتبار لجهة وحدة الاراضي السورية وسيادة سورية واستقلالها وهو ما لا تساوم عليه دمشق مطلقًا وتدركه الرياض جيدًا، ومرتبط بمدى قدرة الرياض على التفلت من الضغط الأمريكي أو قدرتها على المناورة مع واشنطن تحديدًا، ومن غير المستبعد أن تكون الرياض قد حصلت على ضوء أخضر أمريكي للسير بهذا المسار وعلى مباركة أطراف أخرى كروسيا وغيرها.