نقاط على الحروف
مؤتمر نداء الاقصى ومنهج الثورة بين القدس وكربلاء
بغداد - عادل الجبوري
للعام الثاني على التوالي تحتضن مدينة كربلاء المقدسة، في ظل أجواء إحياء زيارة الأربعين، مؤتمر نداء الأقصى الدولي بحضور ومشاركة نوعية وكمية متميزة ولافتة من رجال دين وعلماء ومفكرين وباحثين من بلدان عربية ومسلمة وحتى غير مسلمة مختلفة.
وتحت شعار "فلسطين والإمام الحسين: الأبعاد العالمية للشخصية الرسالية والقضية الإنسانية"، وعلى مدى يومين متتالين، ناقش المشاركون من خمسة وستين بلدًا جملة من القضايا والتحديات والمخاطر التي تواجه العالم الاسلامي، وكيفية استلهام الدروس والعبر من الثورة الحسينية ومنهج الامام الحسين عليه السلام في مواجهة الظلم والطغيان والاستبداد لمناصرة ودعم واسناد الشعب الفلسطيني والتصدي لمشاريع التطبيع المذلة مع الكيان الصهيوني الغاصب.
وقد حدد المؤتمر في بيانه الختامي خارطة العمل والاولويات على ضوء الوقائع والحقائق القائمة، من خلال التأكيد على:
- ان القضية الفلسطينية هي ساحة الصراع الأولى بين أحرار العالم والقوى الاستعمارية.
- أهمية دور علماء الدين والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني في توضيح أبعاد القضية الفلسطينية والنهضة الحسينية.
- ضرورة نشر صوت الجرحى وعوائل الشهداء والأسرى، وتعريف العالم بما يتعرّضون له من انتهاكات.
- رفض الإساءات والتجاوزات والانتهاكات للكتب السماوية، ومن بينها القرآن الكريم، والتي تقف وراءها جهات واجندات تستهدف زرع الفتن واثارة الصراعات والحروب بين اتباع الاديان والمذاهب المختلفة.
- رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، ووجوب قيام علماء الأمة وأحرار العالم بمواجهته والتصدي له بكل الاشكال والوسائل والادوات.
ولا شك أن المؤتمر بنسخته الثانية، كما كان الأمر مع المؤتمر الأول العام الماضي، انطوى على رسائل سياسية مهمة وعميقة للغاية، وهذا ما اختزله شعار المؤتمر، الذي ربط بين الثورة الحسينية والقضية الفلسطينية. فالثورة الحسينية مثلت على طول الخط، وعلى امتداد 1384 عاما محور وأساس مسيرة النضال في مواجهة الظلم والطغيان والاستبداد والانحراف من أجل ترسيخ قيم الحرية والعزة والكرامة الإنسانية وتكريسها، وبالتالي يمكن القول إن القضية الفلسطينية بإطارها العام الشامل مثلت أو تمثل أنموذجاً ومثالاً شاخصاً في عالم اليوم لذلك النضال.
ولعل ميزة العالمية والشمولية كانت واضحة وجلية في مؤتمر نداء الأقصى الدولي الثاني، من حيث طبيعة الجهات التي تبنته، وهي الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة، ودار الإفتاء العراقية، والحملة العالمية للعودة إلى فلسطين، إذ إن كل واحدة من الجهات الآنفة الذكر، تحمل هوية خاصة بها وتمتاز بطابع معين، إلا أنها لا تختلف على الأبعاد الإنسانية والأخلاقية والتضحوية للثورة الحسينية، ولا تختلف أيضاً على عدالة القضية الفلسطينية، ووجوب دعمها ومساندتها حتى استعادة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني.
وطبيعي جداً أن يكون ذلك الحضور الإسلامي الكمي والنوعي المتميز، بمثابة رسالة عميقة وبليغة عن وحدة المسلمين على اختلاف مشاربهم وعناوينهم وقومياتهم وجنسياتهم وأعراقهم ومذاهبهم، ودحض كل ما يشاع عن تصارع وتقاتل المسلمين فيما بينهم، لأن التصارع والاقتتال اللذين نشهدهما هنا وهناك هما في الحقيقة، جزء من المؤامرات والمشاريع والاجندات الدولية التي تستخدم فيها القوى الخارجية بعض الفرق والجماعات التكفيرية المنحرفة والضالة كأدوات لإحداث الفتن وزرع الشقاق بين أبناء الدين الواحد.
وتلك الأساليب ليست وليدة الأمس أو اليوم، وإنما كانت وما زالت حاضرة في كل الحقب والمراحل، ولكن بأشكال وصور ومظاهر مختلفة، ومسميات وعناوين متعددة، وتنظيم "القاعدة" وتنظيم "داعش" وسواهما، ليست إلا نتاجاً لتلك المؤامرات، وليست إلا صوراً مشوّهة وزائفة للدين الإسلامي المحمدي الأصيل الذي يقر بالاختلافات لا الخلافات.
ومن المهم بمكان أن يكون الإمام الحسين(ع) وثورته الخالدة، نقطة التقاء، ليس المسلمين فحسب، وإنما البشرية عموماً، بشتى عناوينها ومسمياتها، وفي الوقت ذاته، تكون فلسطين-القدس، نقطة التقاء أخرى بين الجميع، استناداً إلى مبادئ رفض الظلم والطغيان والاستبداد من أجل نيل الحرية والكرامة وصون المقدسات والحرمات، والأهم من ذلك، أن تترجم الشعارات والأطروحات النظرية إلى ممارسات عملية على أرض الواقع، وخلال تظاهرة مليونية عالمية لا نظير لها، كمسيرة الاربعين التي جمعت كل مكونات العالم تحت لوائها في مشهد يصعب وصف وتحليل دلالاته ومعانيه وماهيته.
ولم يذهب بعيداً، إن لم يكن قد أصاب كبد الحقيقة، من قال "إن طرح القضية الفلسطينية ومبادئ النهضة الحسينية، إنما هو باعتبارهما نقاط وحدة والتقاء بين جميع الناس من كلّ جنس وبلد ودين".
ومما لا شك فيه أن مبادئ رفض الظلم والطغيان والاستبداد، والدفاع عن المظلومين والمضطهدين، يندرجان تحت عنوان واسع وعريض هو الإصلاح، الذي شكل المنطلق الأساس للثورة الحسينية، حينما قال الإمام الحسين، عليه السلام "إني لم أخرج إشراً ولا بطراً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله". ومن هذا المنطلق، يكون رفض الركون إلى الكيان الصهيوني بأي شكل من الأشكال، سواء تحت مسمى التطبيع أو أي مسمى آخر. وقد كانت رسالة مؤتمر "نداء الأقصى" الثاني بهذا الخصوص واضحة إلى حد كبير، بالتعبير عن الرفض القاطع لكل مشاريع التطبيع ومبادراته وخططه. ولأن الإصلاح لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كانت أرضياته وأسسه رصينة وقوية ومتماسكة وغير مخترقة من قبل الخصوم والأعداء، فمن الطبيعي جداً أن يكون متقاطعاً ومتناقضاً بالكامل مع التطبيع بمفهومه الانهزامي المتخاذل.
ونفس الشيء يصدق على المواقف الحازمة والواضحة حيال الاساءات والانتهاكات للمقدسات والرموز الدينية، لا سيما تلك التي طالت القرآن الكريم خلال الاونة الاخيرة، وقبلها تلك التي طالت النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم من قبل اوساط ومحافل سياسية واعلامية غربية عديدة.
ومن أية زاوية نظرنا الى ملتقيات عالمية من هذا القبيل، وأخذنا بنظر الاعتبار طبيعة المكان وظروف التوقيت والزمان، فإن ذلك يوصلنا إلى حقيقة مفادها أن المنطلقات والأسس الصحيحة لصياغة المواقف وتأكيد الثوابت الصحيحة، هي السبيل الأنجع والأفضل لتحقيق الأهداف الكبيرة المرتكزة الى عمق وارث تاريخي ثري، كالثورة الحسينية وقائدها العظيم الامام الحسين عليه السلام.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024