خاص العهد
"بلومبيرغ" بين مقاربتين
فاطمة سلامة
منذ إطلاقها في أيار 2021 أثارت منصة "صيرفة" العديد من علامات الاستفهام حول آلية عملها. كُثر وجدوا في هذه المنصة بابًا للزبائنية و"التنفيعات" واستنزاف الاحتياطي بمصرف لبنان. أمس الخميس، وافق مجلس الوزراء على اقتراح مصرف لبنان اعتماد منصة "بلومبيرغ" عوضًا عن منصة "صيرفة". وفي الأسباب الموجبة "تفتقر الأخيرة لمبادئ الشفافية والحوكمة" كما جاء في كتاب موقّع من حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، موجّه إلى وزير المال يوسف الخليل.
وللتوضيح، فإنّ منصة "بلومبيرغ" هي نظام برمجي مصمّم خصيصًا للتداول وللأسواق المالية تمكّن المستخدمين من إجراء التداولات ومراقبة بيانات السوق في الوقت الحقيقي. إلا أنّ البحث في تفاصيل هذه المنصة والحال الذي ستكون عليه لا يزال يفتقد الى الوضوح. خلاصة استطلاع رأي أكثر من جهة اقتصادية ومالية توصلنا الى مقاربتين لا ثالث لهما؛ أولى ترى في المنصة الجديدة بابًا للوضح والشفافية بعيدًا عن الفوضى السابقة، وثانية تُحذّر من سيطرة خارجية كاملة عبر "بلومبيرغ" على الوضع المالي والنقدي في لبنان.
في حوزة الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة الكثير من الأسئلة حيال المنصة العتيدة. وفق قناعاته، ثمّة ضبابية تكتنف آلية العمل. الكثير من الأمور غير واضحة ولم تُحدّد. جُل ما نعرفه هو موافقة مجلس الوزراء على استبدال المنصة، ولكن ثمّة الكثير من الأمور غير محدّدة لناحية الشروط وما الى هنالك.
وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري، يشير عجاقة الى أنّ منصة "بلومبيرغ" أنشئت بالدرجة الأولى لضبط حركة "الكاش" في الأسواق، ما يعني أنها قرار خارجي مفروض على لبنان، ولا إمكانية للبنان للتهرب منه. من هذا المنطلق، يرى عجاقة أنه تم اختيار المنصة بناء على معطيات سياسية مالية، فالدعم المالي ــ وفق ما هو متداول حتى اللحظة ــ سيكون خارجي ولن تتكلف الدولة اللبنانية أموالًا لهذه المنصة. لكن عجاقة يشير الى أنّ الفارق بين "بلومبيرغ" و"صيرفة" أنّ روحية العمل في الأولى تسير على مبدأ أنها منصة الكترونية قائمة على العرض والطلب، أما في منصة "صيرفة" فثمة إمكانية للتدخل من مصرف لبنان بحكم أنّ السعر كان يتحدد في نهاية اليوم، أما "بلومبيرغ" فمن المفترض أنها ستقدّم السعر لحظة بلحظة.
ويوضح عجاقة أنّ أسئلة كثيرة تُطرح تدفعنا الى مقارنة "بلومبيرغ" بـ"صيرفة". من ضمن الأسئلة: أين ستوضع هذه المنصة؛ في بيروت أم خارج لبنان. اذا كانت خارج لبنان ثمّة سؤال آخر يُطرح: هل سيكون هناك كلمة لهيئة الأسواق المالية التي تراقب عمل الأسواق المالية؟. أما اذا كانت في لبنان فهل الانترنت قادر على التلبية على اعتبار أنها منصة الكترونية.
لا يُنكر عجاقة أنّ أولى أوجه الاختلاف بين المنصتين يعود الى أنّ "بلومبيرغ" تحتوي على شفافية أكثر، ولكن هناك مخاوف من مضاربات خارجية قد تحصل في حال فُتحت المنصة على العالم. عندها لا يمكن السيطرة عليها، لأننا نعرف جيدًا أن قوى سياسية فاعلة في لبنان تمكنت من لجم المضاربين بشكل واضح وهدّدتهم بالسجن. ولكن اذا حصلت المضاربات في الخارج ماذا سنفعل؟! كيف يمكن لجم السوق النقدي هنا؟. كل هذه الهواجس تستدعي ــ وفق عجاقة ــ أن يكون مسار عمل المنصة بإمرة هيئة الأسواق المالية، فاذا لم تكن بإمرتها لدينا إشكالية كبرى".
كلام عجاقة تتّفق معه مصادر مالية مواكبة للسوق النقدي في لبنان، لكنها تبدو أكثر تشاؤمًا، فتعرب عن قلقها من سيطرة خارجية كاملة على الوضع المالي والنقدي في لبنان. وفق المصادر، قد تصل القيود حد تقنين الاستيراد، علي سبيل المثال، قد يُمنع الاستيراد بأكثر من الحجم المتداول على المنصة، ما يعني استيراد 30 بالمئة فقط من الحجم المستورد حاليًا، وهذه مشكلة كبيرة. كما تلفت المصادر الى نقطة تصفها بالمهمة، فـ"بلومبيرغ" وكالة دولية ستعمل على رصد حركة الدولار في السوق، ما يعني أنّ الأخير قد يخرج عن السيطرة المحلية.
أكثر شفافية ووضوحًا
ما تقوله المصادر وعجاقة لا يتناغم مع وجهة نظر مصدر مالي يرى في "بلومبيرغ" منصة أكثر شفافية ووضوحًا. برأيه، هي منصة جيدة للودائع بعيدًا عن استنزاف الاحتياطي كما حصل إبان "صيرفة" حيث كانت الدولارات تؤمن من مصرف لبنان، أما اليوم فتؤمن من العرض والطلب. تمامًا كما أنها خطوة جيّدة للصندوق والمصارف في الخارج والمجتمع الدولي. ويشير المصدر الى أنّ الفارق الأساسي مع تجربة "صيرفة" أنّ الأخيرة كانت قائمة على الزبائنية والمحاصصة، بينما في "بلومبيرغ" لن تكون هذه الإشكاليات موجودة، طالما أنّ العمليات النقدية واضحة وقائمة على "العرض والطلب". وهنا يشدّد المصدر على أنّ مسار الأمور مضبوط وبإمكان الجميع معرفة تحركات السوق بطريقة دقيقة، فكل عملية ستسجّل، أما في المنصة السابقة، فالعمليات لم تكن معروفة وواضحة.
وحول الهواجس التي تُثار من انكشاف لبنان ماليًا، يقول المصدر: " نحن مكشوفون، هذه عملية مالية وليست تدقيقًا جنائيًا على مصرف لبنان وغيره، عملية مالية واضحة، عكس ما كان يجري سابقًا حيث كان يتم تخبئة العمليات لاستفادة أشخاص وفئات معينة كمدراء مصارف وغيرهم، أما اليوم، فالجميع سيكون بإمكانه الاستفادة على قاعدة الشفافية والوضوح بانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة لجهة البت بالإجراءات التقنية والعملانية قبيل الانطلاقة"، مع الإشارة الى أنّ الحاكم بالإنابة أشار الى أنّ الاستعدادات جارية على قدم وساق لكي تبدأ قريبًا عمليات بيع وشراء الليرة اللبنانية على المنصّة المذكورة.
إقرأ المزيد في: خاص العهد
29/09/2024
اغتيال سيد المقاومة.. خسارة كبيرة لفلسطين
27/09/2024