آراء وتحليلات
ايران والممر الهندي ــ الأوروبي ــ الشرق أوسطي
د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي
في التاسع من أيلول/سبتمبر الجاري، فاجأ الرئيس الأمريكي جو بايدن العالم في قمة مجموعة العشرين التي عقدت في نيودلهي، بتوقيع مذكرة تفاهم مع الهند وعدد من دول الشرق الأوسط والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، تهدف إلى إنشاء ممر تجاري جديد يربط الهند بالشرق الأوسط والغرب. وأعلن بايدن أن "هذه صفقة كبيرة حقًا"، فيما أشار مساعدوه في مجال الأمن القومي إلى أن الممر الجديد من شأنه أن يقطع شوطًا طويلًا في منع مبادرة "الحزام والطريق" الصينية من الهيمنة على التجارة بين آسيا وأوروبا.
بالنسبة لبايدن يمثل هذا المشروع انجازًا يحسب له على أعتاب الانتخابات الرئاسية في العام 2024. لكن ما ينتظر الموقعون على الاتفاقية (الملزمون بالاجتماع في غضون 60 يومًا لتوضيح التفاصيل) ربما سيجعلهم يعيدون حساباتهم ويراجعون خياراتهم في الانضمام للمشروع، عندما تعرض أمامهم الخرائط، ويشاهدون بأمّ العين أن تكاليف المشروع يمكن أن تكون مرهقة، وتجلب لهم الكثير من المشاكل والخلافات التي هم بغنى عنها، خصوصًا أن لإيران ــ ومعها كل من روسيا والصين ــ الكلمة الفصل، أو بتعبير آخر بوسعها تعطيل الممر.
أما السبب فيعود الى موقع طهران الجيوستراتيجي المهم، كحلقة وصل أساسية لهذا الممر، لا يمكن القفز عنها أو تغييبها مهما حاول سيد البيت الأبيض والأوروبيون حصارها وتهميشها.
أين موقع ايران من الممر الهندي ــ الأوروبي ـــ الشرق اوسطي؟
تعكس الرؤية العامة للممر حقيقة أنه مشروعان في مشروع واحد. وكلاهما يتطلب تطوير النقل البحري المتعدد الوسائط في الأماكن التي بدأت فيها هذه الجهود، على أن يشمل هذا التطوير الأمور التالية:
أولًا: يتطلب المشروع استكمال ممر شرقي جديد بين الهند والشرق الأوسط.
ثانيًا: توسيع الطريق الغربي بين الشرق الأوسط وأوروبا.
ثالثًا: الأهم هو أخذ موقع إيران في الاعتبار كونها تقع على الطريق البري الذي يوصل الهند بالشرق الأوسط، وبالتالي لديها القدرة على بسط قوتها في المحيط الهندي. وفي كلتا الحالتين، سيتعين على البلدان التي بدأت للتو العمل على تخطي تعقيدات النقل متعدد الوسائط، أن تطور البنية التحتية والمنشآت اللوجستية المتعلقة بها، لتكون قادرة على نقل البضائع من القطارات إلى السفن إلى الشاحنات بسرعات عالية لجعل هذا الممر الجديد قادرًا على المنافسة مع الممرات الأخرى.
وانطلاقًا من هذه الأهمية، تستطيع طهران وبكين وروسيا أيضًا، العمل معًا على نسف الممر المقترح بين الاتحاد الأوروبي والهند، خصوصًا أن روسيا كانت قد باشرت عمليات تطوير ممرات العبور التي يمكن لإيران والصين الإفادة منها بشكل كبير.
وتبعًا لذلك، شقّ أول قطار يحمل شحنة حاويات روسية في 27 آب/ أغسطس الماضي طريقه عبر إيران، وصولًا إلى السعودية.
اللافت أن هذه الشحنة سلكت طريقًا يمتد من سان بطرسبرغ في شمال غرب روسيا، ومنها إلى مومباي، كجزء من ممر أوسع بين الشمال والجنوب، يلقى دعمًا ايرانيًا قويًا، واهتمامًا صينيا ملحوظا أيضًا.
ايران وممرات العبور بين الشرق والغرب
لفت المسؤولون الإيرانيون الانتباه إلى التطورات الأخيرة فيما يتعلق بالطريق الروسي بين الشمال والجنوب، وأشاروا إلى أن البحث عن طرق بديلة غير مبرر على الإطلاق. ولهذه الغاية، أعلن حجة الله عبد الملكي أمين المجلس الأعلى للمناطق الاقتصادية الحرة والخاصة في إيران، بدء تدفق البضائع من روسيا إلى السعودية، كاشفًا أن "أحد ممرات النقل المهمة، في إطار ممرات النقل الدولية بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، هو الذي يمتد من حدود إيران مع روسيا الاتحادية، ويمر عبر الأراضي الإيرانية ومن ثم يصل إلى الدول العربية، والسعودية على وجه الخصوص، ثم يمتد إلى بلدان أخرى أيضًا، بما في ذلك الهند". حيث أكد عبد الملكي أن "التسليم الناجح للبضائع إلى الرياض، يدل على أن هذا الممر قد بدأ بالفعل مثل جميع الممرات التي تمر عبر إيران"، موضحًا أن "أراضي الدولة الإيرانية تمثل طريقًا لوجستيًا ممتازًا من الناحية الطبيعية والمالية".
ينطلق الملكي في رؤيته من أن إيران تقع جغرافيًا وسط العديد من الطرق البرية الرئيسية، لذلك يرى أن لا بديل عن هذا الطريق، ومن يحاولون العثور على طريق آخر يضيعون وقتهم. ويذهب المسؤول الايراني إلى أبعد من ذلك، بالإشارة إلى أن طريق العبور الخاص بإيران في حد ذاته آمن، وملايين الأطنان من البضائع تمر عبره بالفعل بتكاليف نقل منخفضة للغاية.
وتبعا لذلك، يدعو المالكي جيران طهران في الجنوب والشمال إلى الاستفادة من "قدرات طرقنا اللوجستية، بدلاً من إضاعة وقتهم وأموالهم على البدائل".
ما تجدر معرفته أن تصريحات عبد الملكي جاءت قبل عشرة أيام من توقيع مذكرة تفاهم نيودلهي. وعليه ليس هناك شك في أن إيران سوف تقدم هذه المزايا على وجه التحديد إلى الموقعين على التجمع الذي تدعمه الولايات المتحدة. وبالتالي ليس من المستبعد أن تقوم بعض الدول المشاركة في المشروع على الأقل، بإلقاء نظرة ثانية على المسار الروسي الايراني قبل إنفاق مبالغ كبيرة لتجاوزه.
ماذا عن الموقفين الروسي والصيني من الممر الهندي؟
نظرًا للروابط الإستراتيجية بين روسيا وإيران والتي تزداد يومًا بعد يوم، سيكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الداعمين الأوائل لموقف إيران. ففي نهاية المطاف، المصلحة المشتركة تملي على البلدين الوقوف إلى جانب بعضهما البعض، وبالتالي أي انتصار لإيران سيعود بالإفادة على روسيا أيضًا.
بالمقابل، إن الصين لن تكون بعيدة عن الحلف الايراني الصيني من مشروع الممر. إذ انه وبعد التوقيع على مذكرة التفاهم في نيودلهي، أشار بعض مساعدي بايدن إلى أن مبادرة الحزام والطريق الصينية هي الهدف الحقيقي للاتفاقية، من هنا ستختار بكين حتمًا الوقوف إلى جانب طهران في هذا النزاع على أمل توسيع مبادرة الحزام والطريق بطريقة تتجنب تهميشها من قبل مشاريع محتملة مماثلة في المستقبل.
في المحصلة، الطريق أمام الممر بين الاتحاد الأوروبي والهند لن يكون سهلا. فضمان نجاحه، يُحتّم على البلدان الطامحة أن يكون لها حصة في الممر، وبذل جهود دبلوماسية ليس فقط مع الأعضاء الموقعين على الاتفاقيات، بل أيضًا مع دول أخرى، مثل إيران وروسيا، التي لا يتمتع الغرب بعلاقات جيدة معها في الوقت الحاضر.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024