معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

المشروع الأميركي بمواجهة الحزام والطريق.. سلم أو حرب؟
19/09/2023

المشروع الأميركي بمواجهة الحزام والطريق.. سلم أو حرب؟

يونس عودة

فتح طرح الولايات المتحدة على لسان رئيسها جو بايدن خلال قمة العشرين التي انعقدت في نيودلهي شهية بعض الدول بشأن مشروع انشاء خط يمتد من الهند الى السعودية والامارات والكيان الصهيوني المؤقت فالأردن وصولًا إلى أوروبا هو بمواجهة مبادرة الحزام والطريق التي تسمى أيضًا بمبادرة "طريق الحرير الجديد" وطريق الحرير البحري التي هي استراتيجية تنموية تعتمدها الحكومة الصينية وتتضمن تطوير البنية التحتية والاستثمارات في 152 دولة ومنظمة دولية في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأفريقيا في سياق المشروع العملاق والأكبر في تاريخ البشرية.

 الولايات المتحدة التي أعلنت عن المشروع باعتقاد طبيعي أنه منافس للغريم الصيني، وصفت بالراعية له رغم أنها ليست في النطاق الجغرافي للمشروع. وستكون لها أهداف استراتيجية تتعلق قطعًا بالأمن والعسكرة، سيما أن العلاقات المتردية مع الصين وتراجع النفوذ الأميركي في آسيا وفي الشرق الأوسط حيث المركز الرئيسي للخط صاحب الرعاية الأميركية تتعرض اميركا لنكسات استراتيجية فيه، وأهمها الاتفاق الإيراني السعودي.

أرادت الولايات المتحدة بالإعلان عن الخط خلال قمة العشرين تسجيل انجاز ولو صوري حتى الآن لأن نتائج القمة لم تكن في صالح أميركا مع انتفاض دول الجنوب على السياسة الأميركية والحديث بصوت عال في تلك الدول عن عدم الارتضاء بأن يكونوا "خدما" لواشنطن أو مجرد سوق استهلاكي تتحكم الادارت الأميركية حتى بلقمة عيش شعوبه.

يعتقد الخبراء والأميركيون منهم أن الإعلان بمواكبة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة وأزمة الإدارة والصراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي يمكن أن يفيد بايدن في حملته مقابل مسعى الجمهوريين في الكونغرس الى محاكمته بتهم متعددة منها استخدام النفوذ في قضايا فساد، ليست فقط المتعلقة بابنه.

جاء الإعلان قبيل اجتماع منتدى التعاون الدولي الثالث لشركاء "الحزام والطريق" الذي سيعقد في بكين الشهر المقبل بحضور قادة من 90 دولة سجلوا مشاركتهم حتى الآن في اللقاء فضلًا عن المنظمات الدولية. وليس مخفيًا أن الصراع الصيني الأميركي في إحدى حالاته الذروى حاليًا، ويكاد يصل أحيانًا إلى صدام عسكري في بحر الصين الجنوبي.  

العقل الأميركي المترعرع على الفتن والحروب يسعى إلى فتنة بين العملاقين البشريين أي الصين والهند اللتين يقارب تعداد السكان فيهما الـ3مليارات نسمة. ووفق مسؤول أميركي فإن التنافس المحتدم بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ في منطقة جنوب آسيا -من جبال الهيمالايا حتى الجزر الواقعة قبالة شبه القارة الهندية- يكتسب أهمية بالغة وربما يحدد مصير إستراتيجية واشنطن الهادفة لإبقاء المنطقة "مفتوحة وخالية" من النفوذ الصيني، من دون أن يسقط  تدبير فتنة بين الجارين الاكبرين بشريا في العالم أي الصين والهند. وفي السياق يقول ديريك غروسمان -المسؤول السابق عن تقديم الإحاطات الاستخباراتية لمساعد وزير الحرب الأميركي لشؤون الأمن في آسيا والمحيط الهادي- إن الخبر السار على الأقل في الوقت الراهن هو أن نيودلهي "الشريك المقرب لواشنطن" نجحت عمومًا في درء نفوذ بكين المتصاعد في أرجاء المنطقة.

في هذا الإطار، تعمد واشنطن إلى اغواء الهند بعد أن فشلت في استقطابها ضد روسيا والانضمام إلى مجموعة الدول التي تمارس عقوبات على خلفية ما يجري في أوكرانيا. والحقيقة أنه بعيد اندلاع الحرب بين روسيا والناتو في أوكرانيا، اجتمع زعماء مجموعة السبع في 26 تموز2022  بقلعة إلماو الألمانية، وبعد ساعات من النقاشات خلصوا إلى إعلان المواجهة ضد المشروع الاقتصادي الصيني في العالم، وعلى رأسها مبادرة "الحزام والطريق". وبحسب بيان للبيت الأبيض، قررت المجموعة "جمع 600 مليار دولار بحلول 2027، للاستثمارات في البنية التحتية العالمية"، ستوفر منها واشنطن "خلال السنوات الخمس المقبلة 200 مليار دولار عبر منح وموارد من الحكومة الاتحادية وجمع استثمارات من القطاع الخاص". لكن الجملة الأهم في البيان أن "الأموال تعزز سلاسل توريداتنا وتنوعها وتخلق فرصًا جديدة للعاملين والشركات الأمريكية وتدعم أمننا القومي". فيما ستوفر هذه الشراكة أيضاً هيكلاً لدول مجموعة السبع لتوحيد مواردها لتمويل الاقتصادات الناشئة من أجل إيقاف التوسع الاقتصادي الصيني داخلها.

إن نجاح المشروع الأميركي بمواجهة الصين يسلتزم غير الأموال، قوى بشرية قادرة على الصدام مع الصين. وهنا تدخل الغواية الاقتصادية للهند التي لديها مشاكل حدودية مع الصين مع تحريض لنيودلهي. وقد عبر عن ذلك غريسمان نفسه الذي يعمل حاليًا محللًا لشؤون الدفاع في مؤسسة راند، وأستاذًا مساعدًا في جامعة جنوب كاليفورنيا، باعتباره أن القلق الذي يساور نيودلهي هو أن بكين التي اشتبكت معها عسكريا مرات عديدة على الحدود البرية المتنازع عليها في جبال الهيمالايا، تخطط لنسج شبكة تحالفات لتطويق الهند برا وبحرا، لتحل محلها كقوة مهيمنة على منطقة جنوب آسيا.

وتروج واشنطن أيضًا في سياق توسيع الشروخ، الى أنه إذا فشلت الهند في الحد من النفوذ الصيني في جنوب آسيا، فإنها قد تعرّض استراتيجية الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادي للخطر الشديد، وهذا برأيه سيدفع نيودلهي إلى التركيز في هذه الحالة على جيرانها، وستقلل على الأرجح من نطاق دعمها للأهداف الأميركية في مناطق أبعد سواء في جنوب شرق آسيا أو المحيط الهادي.

ويخلص غروسمان إلى أنه إذا استنتجت الهند أن الصين نجحت في تطويقها، فإن ذلك سيثير احتمال اندلاع حرب بين القوتين النوويتين، مشيرًا إلى أن أيًا من هذه النتائج غير محبذة، ولتجنب ذلك فإن على واشنطن العمل على تعزيز جهود الهند ليس فقط للبقاء متقدمة على الصين في جنوب آسيا، بل ولتوسيع الفجوة بينهما أيضًا.

الأسئلة التي تطرح نفسها اذا وصلت الهند الى مفترق في الخيارات، هي هل تقبل التجربة الأوكرانية وتتحول الى دمية للناتو؟ وأمام عينيها انه خلال عام ونصف من العملية العسكرية الروسية الخاصة، ضخ الناتو ما يقرب من مائة مليار دولار إلى أوكرانيا، بلا أفق سوى الموت والدمار. فهل تختار الصدام وتغامر بكل تاريخها المبني على ثورة المهاتما غاندي في الخلاص من الاستعمار الغربي؟ أم تختار الوئام مع الجيران وتصبح أيضًا من ضمن مشروع الحزام والطريق بدل حرب تسعى اليها واشنطن لتعود وتسود في المنطقة؟   

طبعا لا تقتصر الجهود الأميركية الهدامة على الهند للمواجهة، فإنها تدفع بايطاليا – الدولة الوحيدة من مجموعة السبع في "الحزام والطريق" للخروج من الشراكة عبر ضغوط تعترف بالاستجابة لها رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني التي أعلنت بصريح العبارة أن مبادرة الحزام والطريق صارت اختبارًا لعلاقات بلادها مع الولايات المتحدة وأبلغت ميلوني التي تنتشر في بلادها قواعد أميركية هي الأثقل رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين المنعقدة في الهند، أن إيطاليا تعتزم الانسحاب من المبادرة بينما لا تزال تتطلع إلى الحفاظ على العلاقات الودية مع بكين، والعزم المشترك على تعزيز وتعميق الحوار بين روما وبكين، بشأن القضايا الأساسية الثنائية والدولية.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات