آراء وتحليلات
أذربيجان تهاجم ناغورني قره باخ.. هل تدفع أرمينيا ثمن ترددها بين واشنطن وموسكو؟
شارل ابي نادر
بشكل مفاجىء، أطلقت أذربيجان الثلاثاء 19 أيلول/سبتمبر عملية عسكرية في إقليم ناغورني قره باخ تحت عنوان "مكافحة الإرهاب"، استهدفت خلالها القوات الأرمينية في الاقليم المتنازع عليه، مدّعية أنها جاءت كرد مباشر على مقتل 6 مواطنين آذريين في انفجار لغمين بحادثين منفصلين، ومشيرة في بيان لوزارة دفاعها الى أن العملية لن تستهدف المدنيين أو البنية التحتية المدنية، ومشددة على أنها تستهدف فقط الأهداف العسكرية المشروعة، حيث يتم تعطيلها عبر الأسلحة العالية الدقة المتوفرة لدى جيش أذربيجان.
لناحية مسار العملية عسكريًا وميدانيًا، من غير الواضح حتى الساعة كيف تسير الأعمال القتالية والاستهدافات الآذرية، كما أن تفاصيل المواجهة على خطوط التماس أو الاشتباك التقليدية ما زالت غامضة، ولكن ما هو واضح حتى الآن، والذي يمكن استنتاجه من بعض المشاهد الميدانية، أن الوحدات الآذرية تنجح في تدمير الكثير من الأهداف في الاقليم الأرميني عبر مسيّرات فعالة. وفيما لا يظهر ان جميع الأهداف هي عسكرية، إذ ربما تكون بعضها أهداف مدنية، يبدو أن المسيّرات التركية المشهورة بيرقدار تتكفل بالنسبة الأكبر من هذه العملية، بعد أن مثّلت السلاح الأكثر تأثيرًا في انتصار باكو في مواجهة عام 2020 ضد ناغورني قره باخ وضد يريفان.
هذا في المسار العسكري والميداني، أما في الجانبين السياسي والاستراتيجي، فهناك أكثر من تساؤل غامض يمكن أن يفرض نفسه في مقاربة هذه العملية المفاجئة التي أقدمت عليها باكو متخطية عدة اعتبارات ومعطيات تصب في خانة استبعاد تنفيذ هذه المغامرة الاستثنائية، وأهم هذه التساؤلات:
1- لماذا أقدمت باكو على كسر الوضعية التي التزمت بها مع الأطراف الأخرى (روسيا وارمينيا) بعد انتهاء الحرب الأخيرة عام 2020، حيث تم حينها توقيع اتفاق لوقف اطلاق النار بين يريفان وباكو برعاية موسكو، رعى ضمنيا الحفاظ على الوضع الحالي للإقليم المستهدف اليوم (ناغورني قره باخ) كما هو، من خلال التزام باكو بخطوط محددة مع الاقليم وبتسهيل ممر رئيسي (لاتشين) يربط بين ناغورني قره باخ وبين يريفان للانتقال الآمن للاشخاص والبضائع، برعاية وحماية وادارة وحدات سلام وحفظ أمن عسكرية روسية؟
وكيف يمكن تفسير موقف موسكو من العملية الآذرية بوجود قوات عسكرية روسية، والتي من المفترض أن يكون دورها منع أي مواجهة أو أعمال قتالية في منطقة متنازع عليها، كُلفت بتنفيذ مهمة رسمية بحفظ أمنها ومراقبة وقف إطلاق النار فيها؟
2- كيف يمكن تفسير حصول هذه العملية قبل أن تنتهي عمليًا مناورات "إيغل بارتنر 2023" العسكرية بين وحدات أرمينية وأخرى اميركية، والتي حصلت داخل الأراضي الارمينية واستمرت حتى تاريخ اليوم (20 من أيلول / سبتمبر الحالي)؟
وكيف يمكن تفسير موقف واشنطن تجاه هذه العملية التي حصلت خلال تنفيذ هذه المناورات المشتركة بين وحداتها وبين الوحدات الارمينية، بالرغم من ما كشفت عنه قيادة الجيش الأمريكي في أوروبا وأفريقيا في بيان لها، بأن التدريبات فقط ستضم حوالي 85 جندياً أمريكياً، إلى جانب حوالي 175 جندياً أرمنياً؟ حيث أنه يفترض أن يؤخذ معنويًا هذا التواجد الأميركي بعين الاعتبار من قبل باكو، مهما كان عدد المشاركين من الجنود الأميركيين ضئيلًا؟
في الحقيقة، وبالعودة إلى عدة وقائع طبعت العلاقة مؤخرًا بين موسكو وبين يريفان، يمكن استنتاج بعض الإجابات على التساؤلات أعلاه:
- في الوقت الذي رفضت فيه يريفان طلبًا لموسكو بتنفيذ مناورات مشتركة مع وحدات من دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تشترك فيها مع روسيا وبيلاروسيا وبعض دول آسيا الوسطى، بحجة عدم إثارة حفيظة الغرب الأطلسي وواشنطن، على خلفية الحرب في اوكرانيا، تعود وتشارك وعلى أراضيها في مناورة مشتركة مع وحدات اميركية.
- في المرحلة الأخيرة، تم التداول في بعض مراكز القرار الغربية بأنه يوجد سعي اطلسي بدفع اميركي، للبدء بتحضير أرضية مناسبة لانضمام أرمينيا إلى الناتو، وبمعزل عن جدية هذه الطروحات وعن امكانية اكتمالها، من الطبيعي أن هذا الأمر سيكون أكثر ما يثير عصبية موسكو ويدفعها لعرقلته، وبأي وسيلة ممكنة.
من هنا، يمكن فهم موقف موسكو "المتفرج وربما المؤيد" من العملية الآذرية في ناغورني قره باخ وبوجود وحدات عسكرية روسية.
تبقى العين على الموقف الإيراني. فمن من المتوقع أن تدفع ايران، من خلال موقعها الرئيسي، كل الأطراف وخاصة روسيا واذربيجان وارمينيا إلى ايجاد تسوية مناسبة ومقبولة تحفظ مصالح ومواقع هذه القوى. تعتبر طهران لاعبًا أساسيًا في جنوب القوقاز، وتصريحات مسؤوليها مؤخرُا تصب في إطار دعمها للاستقرار الاستراتيجي في هذه المنطقة الحساسة من العالم، حيث تتشابك مصالح أغلب الدول الفاعلة والمؤثرة، وقد أعربت وبكل جدية عن رفضها لأي تغيير جيوسياسي يمكن أن يؤثر على التوازن وعلى المعادلات التاريخية والجغرافية الخاصة بمنطقة شمال الشرق الأوسط وجنوب القوقاز وغرب آسيا الوسطى.
موسكوأذربيجانأرمينياناغورني قره باخ
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024