آراء وتحليلات
الممرات البديلة لواشنطن
إيهاب شوقي
في حلقة جديدة من سلسلة المحاولات الأمريكية للملمة الحلفاء ومحاصرة روسيا والصين ومحور المقاومة بالنزاعات والصراعات في المحيط الحيوي، جاءت الأزمة الأخيرة والمتجددة على فترات متقاربة بين أرمينيا وأذربيجان.
وتتمثل الأزمة الأخيرة في إعلان وزارة الدفاع الأذربيجانية عن إطلاق عملية "لمكافحة الإرهاب" في قره باغ، قالت إنها تهدف لفرض النظام، وعللت الوزارة في بيان لها العملية بأنها: "من أجل ضمان احترام ما نص عليه الاتفاق الثلاثي (موسكو ــ باكو ــ يريفان)، والتصدي للاستفزازات واسعة النطاق في المنطقة الاقتصادية بقرة باغ، ونزع سلاح القوات المسلحة الأرمينية".
وتزامنت هذه العملية مع تدريبات "إيغل بارتنر 2023" الأمريكية ــ الأرمينية المشتركة التي انطلقت في أرمينيا، والتي يشارك بها 85 عسكريا أمريكيا و175 عسكريا من جيش أرمينيا، وذكرت قيادة الجيش الأمريكي في أوروبا وإفريقيا عنها أنها ستسمح لكلا البلدين "ببناء علاقات على المستوى التكتيكي" وزيادة "التنسيق الميداني" لوحدات عمليات حفظ السلام.
ولا شك أن هذه التدريبات أثارت قلق روسيا، حيث قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف إن خطط السلطات الأرمينية لإجراء تدريبات أرمينية أمريكية تثير القلق، خاصة في الوضع الحالي، كما صرّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مؤتمر صحفي عقب قمة مجموعة العشرين في نيودلهي أن روسيا تأسف لنية القيادة الأرمينية إجراء مناورات عسكرية مع الولايات المتحدة.
واللافت في الأمر هو أن رئيس الحكومة الأرمينية نيكول باشينيان يحاول إلقاء اللوم على روسيا في تعطيل تنفيذ الاتفاقيات مع الجانب الأذربيجاني التي رعتها موسكو، وأهمها فتح معبر "لاتشين" المعبر الوحيد الذي يربط أرمينيا بالأقليم، متهما روسيا بأنها "إما عاجزة عن السيطرة على ممر لاتشين وإما لا تريد ذلك". وقال في لقاء مع صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية "نرى أن روسيا نفسها تنسحب من المنطقة انطلاقا من الإجراءات التي تتخذها أو لا تتخذها". وهي ذريعة أرمينية مكشوفة لتبرير التدخل الأمريكي، حيث تغذي واشنطن وباريس والاتحاد الأوروبي مزاعم باشينيان من خلال فتح أبوابها لـ"وساطة جديدة" بين أرمينيا وأذربيجان في خطوة تصفها موسكو بأنها غير نزيهة هدفها الرئيسي تقويض دور روسيا في المنطقة وتعزيز بؤرة التوتر فيه.
والأخطر من ذلك هو أن رئيس لجنة التنمية الأوروبية في حلف شمال الأطلسي غونتر فيلينغر، صرح بأن أرمينيا يجب أن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي، وفي وقت لاحق من نفس اليوم الذي أدلى به بهذا التصريح، قال نائب وزير خارجية أرمينيا فاهان كوستانيان إن بلاده تتعاون مع الناتو بأشكال مختلفة ومستعدة لمواصلة هذه العملية.
وبالتالي نحن بصدد توليفة جديدة من السياسات الأمريكية التي باتت أمريكا تستخدمها في حصار روسيا والصين وإيران ومحور المقاومة بشكل عام، ويمكن رصد أبرزها كما يلي:
1- تغذية أمريكا للصراعات في المحيط الحيوي، كما تفعل في الملف الأذري الأرميني، وكما تفعل في سوريا ومشاغلة روسيا وإيران بنزاعات مسلحة في محيطهما الحيوي، عوضا عن المواجهة المباشرة.
2- تعميق الحصار بخلق ممرات بديلة للتجارة، كما تحاول تمديد ممر اقتصادي بين الهند وأوروبا يمر عبر كيان العدو الإسرائيلي كبديل عن الأراضي العربية واستبدال مصر وسوريا ولبنان بالكيان الإسرائيلي، وهنا تحاول أمريكا و"اسرائيل" اللعب على جميع الحبال، لخلق ممرات بديلة تتجاهل النفوذ والمصالح لكل من روسيا وإيران عبر محاولة تغيير الوضع الجيوسياسي في جنوب القوقاز، واستبدال ممر "لاتشين" الذي يربط أرمينيا بمدينة "ستِفانكَرت" عاصمة إقليم ناغورني قره باخ، ويخضع لسيطرة قوات حفظ السلام الروسية، بفكرة ممر "زَنغِزور" والذي عبرت إيران عن رفضها له وقلقها منه حيث يقطع حدودها مع أرمينيا ويعمل على تطويقها في القوقاز على نطاق واسع من قِبَل تركيا وأذربيجان وخاصة وأن أذربيجان صاحبة علاقات وطيدة بـ"إسرائيل".
3- ذرائع التنمية الاقتصادية والتعاون باتت هي العنوان الزائف لحصار مناهضة أمريكا، حيث اتخذت فكرة ممر "زنغزور" عنوانا هو انهاء النزاع والحرب في ناغورني قره باخ.
وتخشى طهران أن يسهّل ممر زنغزور وصول حلف الناتو إلى بحر قزوين؛ ما يعني تطويق إيران وروسيا.
وقد فطن الخبير الاقتصادي الإيراني أومود شوكري لذلك، حيث علق على ذلك في مقالة له بأن الممر "يهدف إلى ربط أوروبا بآسيا الوسطى والصين عبر أذربيجان وتركيا.. وإذا تم فتح الممر، لن يحتاج الأذربيجانيون بعدها إلى المرور عبر إيران ليسافروا إلى ناختشفان؛ ما يقلل نفوذ طهران".
والخلاصة أن أمريكا تسعى لخلق ممرات بديلة تتجاوز روسيا وتتخذ لافتات عنوانها التنمية والتعاون كسياسة متقدمة في تعميق الحصار، كما تتلاعب بالأوراق الجيوسياسية وتغذي الصراعات للمشاغلة والاستنزاف العسكري وذلك في إطار التوصيات المكثفة لخبراء أمريكا بضرورة العودة لمناطق النفوذ ولملمة الحلفاء عبر مصالح اقتصادية وغطاء أمني وعسكري، وهنا قد يقود هذا الوضع لمواجهات عسكرية خشنة مع أمريكا.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024