طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

تركيا بين 1971 و1972: أنشطة الحركة اليسارية واجراءات الحكومة
23/09/2023

تركيا بين 1971 و1972: أنشطة الحركة اليسارية واجراءات الحكومة

خالد يلماظ

كان انقلاب 12 آذار/ مارس 1971 في تركيا بجوهره ضد اليسار المتصاعد في البلاد، وكان يهدف إلى القضاء على الحركة اليسار الاشتراكية إلى حد كبير. ومع ذلك قررت معظم الجماعات الاشتراكية التي أسسها الشيوعي التركي ماهر تشايان، على رأسها منظمة حزب التحرير الشعبي لتركيا، عدم الهروب من الانقلاب العسكري ومواصلة الأنشطة المسلحة.

وللمرة الأولى كانت الحركة اليسارية الاشتراكية في تركيا قد أسست مجموعات مسلّحة تقوم بضرب أهداف للولايات المتحدة و"إسرائيل" الحليفتين لتركيا. أول عملية للتنظيمات الاشتراكية في تركيا كانت خطف أربعة جنود أمريكيين والدخول إلى القنصلية الإسرائيلية في اسطنبول وإعدام القنصل العام الاسرائيلي إفرايم ألروم بعد خطفه. وساهمت هذه العمليات العسكرية في زيادة نفوذ الحركة الاشتراكية وتعزيز تأثيرها على الرأي العام.

كانت هذا نقطة تحول مهمة. بعد هذه الأحداث، أصبح الاشتراكيون هم الذين يحددون العناوين في تركيا، مع أن الهدف الرئيسي لعملية خطف وقتل ألروم لم يكن الدعاية أو الحصول على تعاطف الجمهور، ولكن لغرض إطلاق سراح الذين ألقي القبض عليهم من قبل الدولة، وخصوصاً لمنع تنفيذ حكم الإعدام بحق الشيوعي التركي دنيز غيزميش واثنين من رفاقه.

من ناحية أخرى، أثارت هذه الأحداث ردود فعل النظام في تركيا المرتبط بعمق بحلف شمال الأطلسي وأمريكا، ما أدى إلى تصلب موقفه من الحركات اليسارية، وفي النهاية خسرت المنظمات الاشتراكية هذه المعركة. عندما تأسست منظمتا جبهة تحرير الشعب التركي(THKP-C) وجيش تحرير الشعب التركي (THKO) في كانون الاول/ ديسمبر 1970، كانتا منظمتين ذواتي قدرة متدنية تنفذ أعمالاً صغيرة، ومع ذلك كانت الدولة تنظر الى الأعمال التي نفذّت كعمليات عسكرية منظمة من قبل الاتحاد السوفياتي لزعزعة استقرار تركيا من الداخل. كانت الدولة قلقة من نمو هذا التهديد وتحوّله في المستقبل إلى تدخل من قبل الاتحاد السوفياتي، لذلك كانت قوات الأمن تتعامل مع هذه الأحداث بجديّة حتى لو كانت صغيرة في الحجم.

في تفاصيل عملية 1 أيار/ مايو

سميت عملية خطف وإعدام القنصل العام لكيان الاحتلال بـ"عملية 1 أيار/ مايو" تبعًا للتاريخ الذي كان من المقرر خلاله تنفيذ العملية، ولكن تم تأجيل العملية لمدة أسبوعين. بعد عملية الخطف تركت منظمة جبهة تحرير الشعب التركي بيانًا أمام القنصلية الإسرائيلية في اسطنبول، جاء فيه:

"إلى المجلس الوزاري الموالي لأمريكا،
جبهة تحرير الشعب التركي قد خطفت، في "عملية 1 مايو" القنصل العام لـ"إسرائيل" في تركيا، إفرايم إلروم، الذي يعتبر عاملًا للإمبراطورية الأمريكية وعضوًا رئيسيًا في تنظيم الحركات الصهيونية في بلادنا. مقابل حياة إلروم يجب تنفيذ الشروط التالية فوراً:
ــ الإفراج الفوري عن جميع الثوار (سيتم تحديد أسمائهم لاحقًا).
ــ الإعلان المتتالي والكامل للبيان رقم 1 لجبهة تحرير الشعب التركي في نشرات الأخبار على تلفزيون تركيا في الأوقات المذكورة لمدة ثلاثة أيام. - عدم متابعة أو اعتقال أي شخص من قبل الشرطة أو السلطات الأخرى حتى نهاية هذه المدة، وعدم نشر أي دعاية ضدنا.
المهلة هي ثلاثة أيام من تاريخ تقديم هذا الإنذار.
إذا لم تنفذ المطالب، سيتم إعدام إفرايم إلروم فوراً. (المهلة حتى 20 أيار/ مايو 1971، الساعة 17:00).
التوقيع: اللجنة المركزية لجبهة تحرير الشعب لتركيا.

كانت هذه العملية الثمرة الأولى للعلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية والحركات الشبابية اليسارية. كان رد فعل الحكومة على خطف الدبلوماسي الصهيوني قاسيًا، فأُعلِنَت حالة الطوارئ من أيار/ مايو وتم إطلاق حملة اعتقالات عرفت بـ "عملية المطرقة"، حيث اعتُقِل 547 شخصًا، وأُعلِن حظر التجول في اسطنبول وأكدت الحكومة أن جميع المنازل ستتم مداهمتها للبحث عن الدبلوماسي الصهيوني.

بعد الحادثة، أخفى الممثل المشهور والفنان السينمائي يلماظ غوناي المقاتلين من جبهة تحرير الشعب التركي لديه. أمَرَ رئيس الوزراء في ذلك الوقت، نيهات إريم، نائبه سادي كوتشاش بكتابة بيان. قرأ كوتشاش البيان شخصيًا على الراديو في الساعة 22:45. وجاء في ملخصه:

"إذا لم يتم الإفراج عن القنصل فورًا، سيتم اعتقال كل من له علاقة، مباشرة أو غير مباشرة، بالمنظمة (أي جبهة تحرير الشعب لتركيا) وكل من يحرض الشبان. ومن يكون له دور في عملية الخطف أو من يساعد فيها سيُحاكم بتهمة الإعدام. وإذا تم تنفيذ جريمة القتل وتم قتل إلروم، فسيتم تطبيق هذا القانون بمفعول رجعي".

يظهر البيان والأحداث التي تبعته طبيعة الأوضاع السياسية والاجتماعية المعقدة التي عاشتها تركيا في تلك الفترة، فالأحداث التي وقعت بين الجماعات الثورية والحكومة كانت لها تأثيرات عميقة على مسار السياسة التركية في السنوات التي تلتها.

بعد العملية تم اعتقال ماهر تشايان كمشتبه به في العملية مع رفاقه، وأثناء محاكمتهم هربوا من سجن مالتيبي العسكري، وفي مدينة أونيه، أخذوا جنودًا أمريكيين كرهائن من المنشآت العسكرية، وتم قتلهم في كيزيلديري في 30 آذار/ مارس 1972. أدت هذه العمليات العسكرية الجديدة إلى تحفيز سلسلة من التطورات التي تسببت لاحقًا بتداعيات طويلة الأمد. ووصف تشايان العملية بأنها "كشف للوجه الحقيقي لحكومة نهاد إريم التركية الموالية لأمريكا".

الوضع السياسي الذي واجهته تركيا في تلك الفترة كان يتسم بالتوتر والانقسامات العميقة. الهجمات والاحتجاجات من قبل الجماعات الثورية زادت من حدة التوتر في البلاد، وأدت إلى ردود فعل عنيفة من قبل الحكومة. كان هناك شعور متزايد بأن البلاد تقترب من نقطة اللاعودة.

يُظهر التاريخ التركي خلال تلك الفترة الدقيقة الصراع بين مختلف القوى السياسية والجماعات الثورية التي كانت تسعى إلى تحقيق أهدافها، سواء من خلال العمل السياسي أو العنف الثوري. وقد أوضحت حادثة الخطف هذه، الأوجه المعقدة من الصراع وكيفيّة تداخل السياسة الداخلية للدولة مع الأحداث الدولية.

تأتي أهمية فهم هذه الأحداث من الحاجة إلى استيعاب الجذور العميقة للتوترات في تركيا، وتأثيرها على السياسات والقرارات المستقبلية. من خلال النظر إلى تلك الحقبة، يمكن ملاحظة النتائج الكارثية لاستراتيجيات معينة، وكيف أن القرارات التي اتخذت في السابق قد تؤدي الى فوضى وجر البلاد الى شفا حفرة مثل الحرب الاهلية والانقلاب العسكري.

في النهاية، يظل السؤال قائمًا حول ما إذا جاء تعامل الحكومة التركية مع أحداث خطف القنصل الاسرائيلي في مصلحة تركيا وما إذا كانت هناك طرق أخرى للتعامل مع مثل هذه الأزمات دون التسبب في المزيد من التوترات والانقسامات في المجتمع. كما طرحت مسألة أخرى وهي التعاطف الذي أظهرته الحركة اليسارية في تركيا تجاه النضال في فلسطين ودعم الحركات المقاومة، بالإضافة إلى الوعي بأن "إسرائيل" ليست فقط كيان محتل، ولكنها أيضًا كيان يقوم بتنظيم عمليات ارهابية في الدول العربية نيابة عن حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، ويبذل قصارى جهده لمحاصرة المنطقة بغرض تحقيق هذا الهدف.

تركيا

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف