آراء وتحليلات
مجزرة الكلّية الحربيّة في حمص.. الجريمة أمريكية
حيّان نيّوف
لم يكن ما حدث في سورية بالأمس حدثاً عادياً بل إنه يندرج في إطار الإرهاب والإجرام الدولي المنظم، طائرات مسيرة تحمل مواد متفجرة استهدفت حفل تخرج طلاب الكلية الحربية في مدينة حمص بوسط سورية بعيد انتهاء مراسم الحفل مباشرة وأثناء تجمع الطلاب الضباط وأهاليهم في ساحة الإحتفال، ونتج عن الهجوم ارتقاء 90 شهيداً بينهم 31 من النساء و5 أطفال و 277 جريحا في حصيلة غير نهائية.
بيان وزارة الدفاع السورية وجه الإتهام للعصابات الإرهابية المدعومة من جهات دولية معروفة وأكد على الرد على تلك العصابات وعلى من خطط لها، وعلى الفور بدأت وحدات الجيش العربي السوري باستهداف مقرات ومراكز التنظيمات الإرهابية في إدلب وريف حلب الشرقي وريف حماه الشمالي بوابل من القصف المدفعي والصاروخي والجوي، والذي انضمت له لاحقا البوارج الحربية الروسية من البحر.
بالعودة إلى العملية الإرهابية فمن الواضح وبما لا يدع مجالاً للشك بأن من خطط لها يمتلك تقنيات وتكنولوجيا عالية الدقة مكنته من استخدام طيران مسير حديث و التحكم به من مسافات بعيدة وتنفيذ الجريمة بشكل دقيق، وهو ما يؤكد بأن هذا العمل الإرهابي تقف خلفه دول لديها تكنولوجيا عسكرية متطورة و تقف خلفة اجهزة استخبارات محترفة، ولا يمكن لتنظيمات إرهابية ان تقوم به بمفردها.
في المعطيات التي سربتها بعض وسائل الإعلام، فإن الفترة التي سبقت العمل الإرهابي والتي واكبته شهدت تحليقا مكثفا للطيران المسير الامريكي وطيران الرصد الإسرائيلي في وسط وجنوب سورية وامتدادا إلى لبنان والبحر المتوسط، كما أشارت معطيات اخرى بأن الطيران المسير الذي نفذت به الجريمة انطلق من الشمال الغربي وتحديدا من منطقة إدلب، وإذا صحت تلك المعلومات فهي تؤكد بأن ما جرى كان بتخطيط أميركي وضلوع اسرائيلي وبتنفيذ واشتراك التنظيمات الإرهابية المنتشرة في الشمال الغربي، وكانت تقارير سابقة اشارت إلى أنه جرى تزويد تلك التنظيمات بالطيران المسير من قبل اجهزة استخبارات غربية.
إن قراءة الحدث إقليميا ودوليا تدفع للقول بأن الولايات المتحدة تتجه لخيار كسر معادلات التهدئة القائمة والدفع باتجاه إعادة خلط الأوراق في سورية والإنتقال إلى مرحلة جديدة من التصعيد.. فما هي خلفيات ودوافع واهداف الولايات المتحدة من هذا التصعيد؟
بالنظر إلى المشهد الإقليمي و الدولي فإنه يمكن إيجاز الخلفيات و الدوافع الأمريكية بالآتي:
١ــ إن إدارة بايدن تسعى لتحقيق إنجاز إقليمي او دولي يشكل رافعة لها في ظل التنافس الشديد والإنقسام الذي تشهده الجبهة الداخلية الأمريكية ومع اقتراب الدخول في معركة الإنتخابات الرئاسية الذي ستجري بعد عام من الآن.
٢ــ تخشى الولايات المتحدة من اجواء المصالحات التي تعيشها المنطقة خاصة المصالحة السعودية ــ الإيرانية والسورية ــ العربية، وهو ما يشكل خطرا على نفوذها الإقليمي.
٣ــ فشل الولايات المتحدة في مخططها الرامي لإغلاق الحدود العراقية ــ السورية ، بالإضافة إلى الفشل في تحويل السويداء في الجنوب السوري إلى بؤرة توتر جديدة بعد الحكمة التي اظهرتها القيادة السورية في التعاطي مع احداث السويداء.
٤ــ شكلت زيارة الرئيس بشار الاسد إلى الصين مؤخرا والاهمية الإستراتيجية لهذه الزيارة وإعلان الجانبين السوري والصيني التوقيع على اتفاق شراكة استراتيجية بينهما ، شكلت عامل قلق بالنسبة لواشنطن التي تسعى لإفشال التغلغل الصيني في الشرق الأوسط.
٥ــ تدرك الولايات المتحدة بأن مشروعها الذي طرحته في قمة العشرين "مشروع الممر الهندي السعودي الأوروبي" لن يكتب له النجاح طالما انه يمر في مناطق جغرافية يسيطر عليها محور المقاومة بشكل او بآخر.
٦ــ تسعى الولايات المتحدة لإنجاز اتفاق التطبيع السعودي ــ الإسرائيلي في اسرع وقت ممكن وإعلان اتفاق الشراكة الاستراتيحية بين الرياض وواشنطن وتدرك جيدا بأن دمشق ما زالت تمتك التاثير المعنوي والعملي لمعارضة التطبيع، ولمنع اندماج الكيان الصهيوني في المحيط الإقليمي.
٧ــ تسابق الولايات المتحدة الزمن قبل بداية العام الجديد الذي سيشهد انضمام الدول الجديدة إلى منظمة بريكس وهي "السعودية ومصر والإمارات وإيران و اثيوبيا والارجنتين" وهو ما يعني التزام تلك الدول بقوانين وشروط التعاون التي تفرضها المنظمة فيما بين أعضائها وتطبيق السياسات الإقتصادية المشتركة و التي تتعارض بطبيعة الحال مه الهيمنة الإقتصادية و المالية الامريكية على العالم.
٨ــ تسعى الولايات المتحدة إلى إفشال اي تقارب سوري ــ تركي خاصة في ظل عمليات القصف الجوي التي تنفذها تركيا ضد قسد في الشمال والشمال الشرقي والتي تخشى واشنطن ان تترك تاثيرا على الواقع الميداني هناك، هذا بالإضافة إلى رغبة واشنطن في إفشال المبادرة الإيرانية للحل بين سورية و تركيا والتي أعلن عنها مؤخرا.
٩ــ فشلت الولايات المتحدة في تفجير القوقاز من جديد بعد أن انجزت اذربيجان عملية خاطفة في قره باغ خلال 24 ساعة، وبعد الموقف الحكيم لكل من طهران وموسكو بعدم الإنجرار للصراع هناك، وما نتج عن ذلك من تحولات جيوسياسية من الممكن ان تسهم في انتقال العلاقة بين اذربيجان وكل من طهران وموسكو إلى الشراكة بدلا من الصدام، وهو ما يعني لاحقا زوال النفوذ الاميركي من المنطقة.
١٠ ــ تصدع الحلف الغربي المعادي لروسيا في اوكرانيا بعد فشل الهجوم الاوكراني المضاد والمخاطر المحتملة لوقف تمويل اوكرانيا، وذلك بعد فوز المعارضة في سلوفاكيا في الإنتخابات، وانقلاب موقف بولندا المقبلة على انتخابات ايضا، هذا بالإضافة إلى مواقف كل من المجر و جورجيا و صربيا المعارضة لتمويل اوكرانيا ولسياسات فرض العقوبات ، وكذلك امتناع الكونغرس الامريكي عن تضمين خطة الإنفاق الحكومي لادارة بايدن اية مساعدات لاوكرانيا، وخشية واشنطن من لجوء موسكو إلى هجوم روسي مضاد لضم المزيد من الإقاليم الاوكرانية، وبمعنى آخر فإن شبح الهزيمة الغربية في اوكرانيا بدأ يلوح في الأفق.
إن العمل الإرهابي الجبان الذي استهدف الكلية الحربية في مدينة حمص السورية هو إرهاب دولي امريكي اولا وثانيا وثالثاً، وأن الولايات المتحدة تعمدت ان يكون حجم هذا العمل الإرهابي كبيرا وتريد القول بأنها ما زالت قادرة على خلط الاوراق من جديد على المستوى الإقليمي والدولي، وهي أرادت إيصال رسائلها بهذه الطريقة الوحشية واللاإنسانية.
لكن في ذات الوقت فإن هذا العمل الدنيء يعكس مدى الوضع المأزوم الذي وصلت إليه الولايات المتحدة على المستوى الداخلي والخارجي والمأزق الذي اصاب استراتيجياتها الإقليمية والدولية، وأن عالم اليوم لم يعد كما كان بالأمس وان عالما جديدا يولد وليس باستطاعتها إيقاف ذلك مهما مارست من إرهاب دولي.