آراء وتحليلات
الموقف المأزوم لمعسكر العدوان وأتباعه
إيهاب شوقي
بعد أن تركت أمريكا العنان لهذا الكيان الصهيوني المجرم لارتكاب المزيد من الجرائم والتطهير العرقي والتي تكللت بجريمة قصف المستشفى وسقوط المئات من الضحايا في تكرار للنكبة التي سيطر الكيان خلالها على نحو 774 قرية ومدينة فلسطينية، ودمر 531 منها بالكامل وابتلع ما تبقى وأخضعه لسيادته.
ولو ترك العنان أكثر من ذلك دون رادع سيمعن الكيان المجرم أكثر في القتل، كما حدث بالنكبة حيث اقترفت العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين أدت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني.
وما يدفع الكيان الى التنصل من جريمته والصاقها بالمقاومة ليس القانون الدولي ولا القيم والأعراف ولا حتى الجيوش العربية المدججة بالسلاح، وإنما صمود المقاومة في غزة وما تشكله من ردع لأي استباحة واشتباك مباشر، ويد المقاومة الاسلامية في لبنان التي أعلنت أنها ليست على الحياد وأنها طرف وأنها معنية بما يحدث في غزة، وتحذيرها المعلن للعدو بعدم تجاوز الخطوط الحمر، ومصداقيتها التي تتأكد يوميًا بتثبيت معادلات الردع وقواعد الاشتباك على الحدود مع فلسطين المحتلة.
وهنا فإن تقديرات الموقف السياسي والعسكري للأطراف المختلفة تبدو في غاية التشابك والتعقيد باستثناء طرف وحيد، وهو محور المقاومة والذي حسم أمره وخياراته لأنه لا يناور ولا يتنازل عن الثوابت.
وكملخص عام لموقف المحور، فإن المقاومة تعلم أنه خلال حرب فلسطين 1947-1949، تم تهجير ما يقدر بنحو 700 ألف فلسطيني، يشكلون حوالي 80% من السكان العرب الفلسطينيين ونحو نصفهم تم تهجيرهم قبل إعلان قيام (إسرائيل) في أيار/مايو 1948، وفي الفترة التي أعقبت الحرب، حاول عدد كبير من الفلسطينيين العودة إلى ديارهم؛ إلا أن عصابات الكيان قتلت ما يتراوح بين 2,700 و5,000 فلسطيني رغم أن الغالبية العظمى منهم كانت غير مسلحة وتعتزم العودة فقط لأرضها وديارها.
وبالتالي فإن كل هذا التهجير وكل هذه الخسائر البشرية التي حدثت بالنكبة، لن تلوي ذراع المقاومة معها الخسائر الراهنة، ناهيك أنها تضحيات ليست مجانية، وإنما تضحيات في مرحلة المقاومة والسعي نحو التحرير.
وبالتالي لن تكون المجازر الصهيونية والقصف الإجرامي للنساء والأطفال فزاعة، حيث تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين والعرب منذ نكبة 1948 وحتى اليوم (داخل وخارج فلسطين) أكثر من 100 ألف شهيد وفقا للمركز الفلسطيني للإحصاء.
وسياسيًا، أفسدت جولة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عباللهيان جولة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن والتي كانت للترهيب ولإطلاق يد العدو في تصفية القضية.
حيث أكدت جولة عبد اللهيان بكلام صريح دون توريات أو تلميحات، أن المحور لن يقف صامتا وأن المنطقة على حافة الهاوية وان فتح جميع الجبهات وارد إذا ما تمادى العدو في إجرامه، كما أكدت إيران أن أمريكا شريك للعدو الصهيوني وبالتالي ستكون طرفا في المواجهات وتداعياتها.
وهو ما يضع الكرة الآن في ملعب العدو، الذي عليه أن يختار هل سيلملم أموره ويعترف بعجزه وهزيمته في هذه الجولة النوعية، أم سيحاول التمادي والغطرسة وتجربة المواجهة الكبرى والحرب الشاملة بما لا يجعلها جولة وربما تكون مشهدا ختاميا ينتهي بزواله؟
وبخصوص تقدير الموقف الأمريكي، فهناك تراجع ملموس في اللهجة الأمريكية يتسق مع الواقعية الأمريكية التي فطنت لمصداقية المحور في تفجير شامل للأوضاع إذا ما اختارت "اسرائيل" المعركة الصفرية مع المقاومة الفلسطينية، حيث ايقنت أمريكا أن غزة لن تترك وحيدة، وهي في موقف تحاول به إخراج المشهد بانتصار صهيوني دون اشتباك شامل، وهي مقاربة مستحيلة في ظل ما أعلنته المقاومة ومارسته عمليا على جميع الجبهات.
هنا تحاول أمريكا التأرجح بين التصعيد والتهدئة وتحاول التنصل من جرائم الحرب الصهيونية التي باتت أمريكا شريكا بها بالتناقض مع كل دعاويها الديمقراطية الزائفة!
وهو موقف مأزوم ومعقد تبدو به أمريكا في أسوأ حالاتها، ونلمس هذا التعقيد في التصريحات المتضاربة والتمايزات بين تصريحات وزير الحرب الأمريكي ووزير الخارجية وبين تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكية التي تبدو اكثرها واقعية.
أما الموقف الصهيوني فهو الأصعب، والذي يعاني من أزمة مضافة بالجبهة الداخلية التي باتت ترى في حكومة نتنياهو أنها ليست ديكتاتورية وفاسدة ومتطرفة فقط، بل ضعيفة وفاشلة ولا تستطيع حماية شعبها.
كما لا يستطيع الكيان التخلي عن غطرسته وهو ما يورطه في مزيد من الجرائم والحماقات ستتسع معها الفجوة بينه وبين أمريكا وأوروبا التي بدأت في ملاحظة أنها تجاوزت كل أسقف القانون الدولي وكل لافتات الديمقراطية وحقوق الإنسان، بل والأخطر أنها قد تصبح طرفا رسميا في المواجهة إذا ما اندلعت الحرب الشاملة.
وعن موقف الأنظمة العربية، فهي ترى أن المسار الراهن الذي تريده أمريكا لن يقود إلى تصفية المقاومة، بل إلى تصفية النظام الرسمي العربي والذي بات في لحظة إحراج لم يمر بها منذ تدشين مسار كامب ديفيد المشؤوم وما تبعه من اتفاقيات للاستسلام والتطبيع، وهو ما يخلق فجوة بين الانظمة وبين امريكا حتى مع الاحتفاظ بالتبعية.
إنها مرحلة جديدة دشنتها المقاومة وكسبت بها أرضا في مسار التحرير وخلقت بها معادلات جديدة متقدمة، افقدت العدو ورعاته توازنهم وأكدت على وحدة الساحات والجبهات وأثبتت أن المسار هو مسار تصاعدي، وعلى العدو أن يوقن أن وتيرة التصاعد قد ارتفعت، وبإمكانه أن يخوض تجربة المواجهة الشاملة والزوال السريع بحماقاته إن رفض الاعتراف بهذه الحقائق وعجز عن تحملها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024