آراء وتحليلات
تعايش كاذب
لطيفة الحسيني
يحرص حاكم البحرين حمد بن عيسى آل خليفة على إظهار حجم انسلاخه عن المُحيط أو ما يُعلنه تارةً ثمّ ينقلب عليه تارةً أخرى. بعد معزوفة الثبات على دعم القضية الفسطينية التي أطلقها عقب إدانة عملية المقاومة في 7 تشرين الأول / أكتوبر، يخرج "الملك المُعظّم" ليستعرض انفصامه مرة جديدة. يُعيد تشكيل مركز الملك حمد للتعايش السلمي الذي أنشأه عام 2018، مع زيادة عضو واحد على لائحة أعضائه العشرة الماضية.
اللافت في القائمة الجديدة إدخال أبراهام سكوركا، وهو حاخام صهيوني يُعتبر أحد أبرز الحاخامات في الأرجنتين، وأحد عملاء الكيان الصهيوني في لبنان (سُجن 5 سنوات بعد إدانته بتُهمة التخابر مع العدو) محمد الحسيني الذي جُنّس في السعودية تكريمًا لتزلُّفاته أمام الملك سلمان بن عبد العزيز، إضافة الى ابراهيم النونو (أُعيد تعيينه) رئيس الجالية اليهودية في البحرين التي لا تتعدّى الـ50 شخصًا.
الخطوة ليست مُباغِتة بل مقصودة ولا أحد مُستهدف غير الرأي العام الغربي الذي ينجرف وراء أخبار التعايش السلمي الكاذبة. في لحظةٍ عربية حسّاسة وفي ظرفٍ إقليمي دقيق، يختار الملك أن يقول للخارج وليس للداخل أنه مُحاور للآخر ومُنفتح عليه مهما كانت ديانته، ويحترم ذلك ويسعى لفتح قنوات إيجابية للحوار بين الأديان.
ولأنّ الكلام مجاني أو "ببلاش" كما يُقال، لا أحد يُحاسب على الادّعاءات. يُطلِق ما يُطلِق، الكلّ مُؤتمَرٌ به، السلطات كافّة، ولا سيّما القضاء، فمن سيتحقّق ما اذا كان فعلًا قد عمل هذا المركز على تعزيز التعايش وما هي انجازاته وبرامجه التنفيذية؟ ولماذا في الأصل سيُصدّق أحدٌ أن ذلك حقيقيّ؟ الساحة الداخلية تشهد على عُمق الفجوة بين ما يُنقل عن الملك في الإعلام وبين ما يحكيه الشعب ويعكسه ويُعانيه. أغلبُ المسلمين الشيعة في البحرين ممّن يرفضون الانجرار وراء سياسات الملك وطيْش الحكّام في المملكة يشكون التمييز الفاقع والظلم اللّاحق بهم، وكيف أن السلطة لا تتجاوب مع أيّ مطلب معيشي اقتصادي حقوقي سياسي لهم. هؤلاء يستطيعون دحض كلّ الخداع الذي يُمارسه النظام على مرّ السنوات لكسب الغرب والسجون المكتظّة بمن عبّر عن رأيه يومًا دليلٌ حاضر. لكن رغم كلّ ذلك، إرادتهم على البقاء والصمود وانتزاع حقوقم الطبيعية لا تُهزم.
قبل سنوات، أنشأ الملك حمد مركز التعايش تمهيدًا للتطبيع، جامعًا شخصيات تدور في هذا فلك الانفتاح على اليهود الصهاينة حصرًا. اليوم يُعيد تشكيل المركز تعميقًا للخيار نفسه. كلّ شيء يقود الى خلاصة واحدة: آل خليفة لا يعرفون التعايش إلّا مع أنفسهم أو من مع ينطبحون لهم، أو من يتشابهون مع أهوائهم وأجنداتهم ومصالحهم.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024