آراء وتحليلات
مؤامرة التهجير وخداع مصر
حيّان نيّوف
في الإتصال الذي جرى منذ يومين بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن والمصري عبد الفتاح السيسي، اتفق الجانبان ظاهريًا على رفض تهجير الفلسطينيين أو نقلهم إلى سيناء أو أي مكان آخر.
الولايات المتحدة انتزعت دفة القرار السياسي والعسكري الإسرائيلي من حكومة الكيان الصهيوني وقادته، وتتولى بنفسها قيادة العملية السياسية والعسكرية التي تنفذها "تل ابيب"، ولجوء السيسي للتواصل مع الإدارة الأمريكية لضمان إفشال مؤامرة التهجير إلى سيناء هو تكتيك يبدو منطقيا للوهلة الأولى.
غير أن تولي البيت الأبيض بنفسه الإعلان عن فحوى الإتصال بين الجانبين يوحي بأنه تعمد إظهار موقف من قضية التهجير إلى العلن يتناقض مع القرار الميداني الذي تشرف عليه في الحرب على غزة، والمتمثل بتدمير كامل لشمال القطاع وارتكاب مجازر وحشية، وهو ما يهدف بالنهاية إلى تهجير الفلسطينيين من شمال القطاع إلى جنوبه تمهيدا لمرحلة لاحقة لدفعهم بالهجرة إلى سيناء.
يمكن الإستنتاج بأن إعلان البيت الأبيض عن مضمون الإتصال يهدف لخداع المصريين على مستوى الشعب والقيادة، والغاية هو ضمان بقاء واستمرار تحركات النظام المصري ضمن دائرة الإحتواء الأمريكي، وضمان عدم تشكل ضغط شعبي في الشارع المصري، ومن جانب آخر الإستثمار بالدور المصري سياسيًا على مستوى الإقليم بما يحقق تغطية سياسية لمواقف واشنطن وضمنًا "تل أبيب"، وبما يوازي التحولات التي تطرأ على الميدان.
يمكن للموقف المصري أن يشكل عقبة كبرى في وجه مخطط واشنطن و"تل أبيب" وتحولاً في سير الأحداث لو رغبت القيادة المصرية بذلك، أو على الأقل في حال قررت اتخاذ مواقف حادة تجاه المجازر التي ترتكب بحق الفلسطينيين، ويمكن أن يتدحرج الموقف المصري لو أرادت القاهرة ذلك بين قطع العلاقات الدبلوماسية مع "تل ابيب" بما فيها طرد السفير الإسرائيلي من القاهرة وبين تشكيل موقف عربي ضاغط عبر الحامعة العربية ردًا على العدوان والمجازر الصهيونية، أو حتى اتخاذ موقف عربي جريء وحازم ضد التهجير، ولذلك نعتقد بأن سياسة واشنطن وتجنبًا لكل ذلك اقتضت مخادعة القاهرة.
ربما من المفيد العودة للتاريخ وتحديدًا إلى العام 1915 في مطلع القرن الماضي إبان الحرب العالمية الأولى، وكيف مارس المندوب السامي البريطاني في مصر "مكماهون" خداعًا واسعًا للشريف حسين بعد أن وعده بإنشاء دولة عربية واحدة تمتد من طوروس إلى بحر العرب، ومن مياه الخليج إلى سيناء مقابل وقوف العرب إلى جانب الحلفاء، وكان ذلك قبل عامين من وعد بلفور وما تلا ذلك من احتلال دول الحلفاء للبلاد العربية وتقسيمها وإقامة الكيان الصهيوني على ارض فلسطين.
إن أخطر ما يمكن أن يؤدي في إنجاح مؤامرة التهجير يكمن في نقطتين رئيسيتين:
• الأولى؛ تتمثل بالثقة بالغرب الجماعي ووعوده وعلى رأسه واشنطن.
• الثانية؛ تتمثل باستغلال ملف مؤامرة التهجير لتحقيق مكاسب سياسية داخلية عبر تحويله إلى فوبيا سياسية وشعبوية من دون اتخاذ إجراءات حقيقية واوقعية لمواجهته، واستغلال كل ذلك لتبرير المواقف الرخوة والمتخاذلة من الأحداث والمخاطر التي تواجهها القضية الفلسطينية وسكان قطاع غزة على وجه التحديد.
نحتاج كذلك أيضًا الى توضيح جزء من الدوافع الأميركية والإسرائيلية التي تقف خلف مؤامرة التهجير، وأهمّها الجغرافيا؛ فالبرغم من كل الاتفاقيات الأمنية والعسكرية التي عقدتها "اسرائيل" مع حكام التطبيع العربي في مصر ودول الخليج والمغرب والسودان، إلا أن حاجتها للجغرافيا تبقى عنصرًا أساسيًا لاستخدام التكنولوجيا والآلة العسكرية التي تمتلكها. وفي هذا الإطار، تعتبر "اسرائيل" أن هناك مناطق ثلاث هي في غاية الأهمية لضمان أمنها، وهي الأردن، سيناء، خليج العقبة، وهذه المناطق يتعامل معها الكيان اليوم بشكل غير مباشر لضمان سيطرته غير المباشرة عليها، سواء من خلال الولايات المتحدة، أو من أنظمة التطبيع في مصر والاردن والسعودية.
إلا أن هذه السيطرة غير المباشرة عبر سينتكوم، والاتفاقية العسكرية الاردنية/الامريكية، وتخلي مصر عن تيران وصنافير، ومشروع نيوم السعودي.. لن تكون كافية بالنسبة للكيان في ظل ما يشهده العالم من تحول ليس في صالحه، وسيكون مضطرًا للجوء للسيطرة المباشرة.
اليوم، باتت مصر في مركز دائرة الإستهداف الصهيو-أمريكية، وبطبيعة الحال كل المنطقة العربية، وعليه فإنه يتوجب على مصر اللجوء إلى خيارات استراتيجية كبرى وجوهرية مختلفة جذريًا عن التكتيكات والخيارات السياسية التي واظبت على انتهاجها طوال العقد الأخير ومنذ وصول الرئيس السيسي إلى الحكم مهما بلغ حجم المخاطر والضغوط التي يمكن أن تتعرض لها والتي لا مجال البتة لمقارنتها بالمخاطر الجيوسياسية والتاريخية التي يمكن أن تصيبها وتصيب الإقليم في حال نجاح المخطط-الصهيو أمريكي الجديد- القديم، وبعيدًا عن الوثوق بسياسات المخادعة الأمريكية الإسرائيلية.
لا يحتاج الأمر الكثير من العناء من قبل القيادة المصرية للإدراك بأن إفشال ما يحاك ضدها وفلسطين والمنطقة العربية يتمثل بالتلاقي مع محور المقاومة بكل مكوناته، وأن محور المقاومة بما يمثل هو القادر دون سواه هزيمة المشروع الأمريكي-الصهيوني، وليس مطلوبًا في الوقت الحالي أن تعلن مصر انتماءها لهذا المحور، لكن بإمكانها بكل تأكيد أن تلتقي معه في التكتيكات وتنسق معه في السر أو العلن على الأقل في المرحلة الحالية التي تمثل واحدة من أخطر المراحل التي تشهدها المنطقة والعالم.