نصر من الله

نقاط على الحروف

طوفان الأقصى.. ما بعد فصل الخطاب
04/11/2023

طوفان الأقصى.. ما بعد فصل الخطاب

أحمد فؤاد

"أنتم لا تعرفون اليوم من تقاتلون، أنتم تقاتلون أبناء محمد وعلي والحسن والحسين وأهل بيت رسول الله وصحابة رسول الله، أنتم تقاتلون قومًا يملكون إيمانًا لا يملكه أحد على وجه الكرة الأرضية، وأنتم اخترتم الحرب المفتوحة مع قوم يعتزون بتاريخهم وحضارتهم وثقافتهم"..
سماحة السيد- خلال حرب 2006.

في عز معركة "طوفان الأقصى"، الجارية حاليًا، والتي تسخن كل منطقة الشرق الأوسط، تحتاج هذه الأمة إلى عودة أو إطلالة سريعة على بعض لحظات الصراع العربي- الصهيوني المفصلية، لا لكي نضمن الانتصار، فقد تحقق النصر وثبتت راية الذل والمهانة على كيان العدو، منذ اللحظة الأولى وفي يوم السابع من تشرين الأول، لكن لكي نحاول أن نتجنب عوامل التشتت والإلهاء، ونتمكن من بلورة هذا النصر لينعكس مستقبلًا على الشعب الفلسطيني البطل، وعلى الدول العربية بشكل عام.

الأمة العربية في صراعها الطويل مع العدو الصهيوني، كانت تبدأ كل معركة وحرب مهزومة ذاتيًا، ومقدمًا، في 1948 و1956 و1967 و1973، إلى أن ظهرت المقاومة الإسلامية في لبنان، ورفع حزب الله راية الجهاد ضد العدو، فبدأت مسيرة جديدة، جاءت أعز لحظاتها في النصر المدوي والانسحاب الذليل المكسور لجيش العدو من جنوب لبنان في آيار 2000، ثم لحظة النصر الإلهي في تموز 2006.

منذ الانتصار، وإلى اليوم، حزب الله هو أحد أهم الفاعلين الأساسيين في الشرق الأوسط، واستراتيجية "الردع" التي كانت حكرًا على كيان العدو نقلت موقعها إلى الجنوب اللبناني، وحل مكانها في "تل أبيب" مصطلح جديد تمامًا هو "الخوف"، الكيان –كما ظهر من اختبارات عدة بعد تموز- يرتعش في مواجهة حزب الله، وفشل في الذهاب إلى العمل العسكري، حتى حين كانت هيبته على المحك، وهو عاجز كليًا عن خوض صراع، يعرف أنه سيحمل نذر نهايته الأكيدة، وهذه كلها أسباب جعلت العالم يقف ليتابع فصل الخطاب من سماحة السيد حسن نصر الله، في الثالث من تشرين الثاني، باعتبارها صادرة من الطرف الأهم في المنطقة حاليًا، والطرف الأقدر في العالم العربي على هز هذا الكيان بعنف شديد.

جاءت كلمة سيد المقاومة على صورة خطاب واضح، ومصارحة كاملة للأمة العربية، التي تخوض معركة وجود مع الصهيو-أميركية، ومن ورائها الغرب كله، تقدير موقف جريء وشفاف، ثم ما يمكن اعتباره "خطة عمل شاملة" للشعوب العربية، وتكليفات بالواجبات الأساسية والضرورية المطلوبة منها، وتصور لدور حزب الله في مواجهة العدوان الغاشم على الشعب الفلسطيني البطل في غزة.

لكن قبل الإشارة إلى أهم ما جاء في كلمة سماحة السيد، لا بد أولًا من العودة إلى لحظة تاريخية فارقة، في أيام صراعنا مع العدو الصهيوني، لفهم العوائق والتبعات، في آن، وكيف نضمن أن لا نكرر "سقطات" تاريخية عانينا منها سابقًا، لكي لا نعيد إنتاج المأساة، من أولها.

خلال حرب الاستنزاف، وعبر واحد من أعظم الشخصيات العسكرية الرسمية العربية، وبيقين وثقة واطمئنان للقول والوصف، هو أفضل عسكري مصري على الإطلاق، الشهيد عبدالمنعم رياض، المعروف بالجنرال الذهبي، العبقري سابق عصره والذي توج مشواره الكفاحي بالشهادة على جبهة القتال، أوجز كل قصة الصراع العربي- الصهيوني في جملة بالغة الدلالة وعميقة المعنى والمضمون، بقوله: "ليس هناك دولة عربية واحدة قادرة –اقتصاديًا على الأقل- على الوقوف ضد التجمع العالمى للصهيونية يجب أن يتضامن الجميع فى سبيل هذا، الموارد العربية الموجودة خلف النطاق الأول يجب أن تزخم لمعاونة الجبهة، يجب وليس هناك حل وليست هذه زكاة أو منة إطلاقًا"، يمكن بالطبع فهم وإجابة سؤال لماذا تكررت الهزائم العربية حين كانت الأنظمة الرسمية بميوعتها وسطحيتها وتفاهتها تقود المواجهة؟

وطبقًا لهذه القراءة –الواعية المتبصرة- فإن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، وغيرهم لا يعدون، حضروا مباشرة إلى ميادين القتال، حين بدا في يوم السابع من تشرين الأول أن الكيان الصهيوني "هش" وعلى وشك انهيار كامل، أمام صدمة المفاجأة العظيمة التي صنعتها المقاومة الفلسطينية البطلة، باقتدار وروعة، وحشدت الأساطيل الحربية، وفتحت مخازن السلاح والدعم من شرق العالم وغربه، ووصلت الوفود والرؤساء لإظهار التأييد والدعم الكاملين للكيان ضد فكرة أن تحقق المقاومة انتصارًا واضحًا في ساحة القتال.
..
خطاب سماحة السيد حسن نصر الله، كقراءة أولى، هو الخطاب الذي كنا نأمله وننتظره من سيد الوعد الصادق، لغة واثقة وتعبيرات مناسبة ولهجة تحمل كل الحسم والحزم والعزم القاطعين، ويمكن على سبيل الإيجاز أن نختصر ما حققته المقاومة في 27 يوم قتال في بعض العبارات المباشرة، على سبيل المثال: "أن الأمة العربية في حرب كاملة الشرعية، أخلاقية إنسانية دينية"، وأن "حزب الله موجود في المعركة منذ يوم الثامن تشرين الأول"، وهو قدم ويقدم وسيقدم الدم للقضية المركزية، وصولًا إلى ما قدم في ساحة الشرف "لن يتم الاكتفاء به على كل حال"، وفي ختام الإشارات إلى العدو الصهيوني قال السيد إن "كل الاحتمالات في جبهتنا اللبنانية مفتوحة وأن كل الخيارات مطروحة ويمكن أن نذهب إليها في أي وقت من الأوقات".

لكن الأهم في الخطاب، كان الموقف المبدئي لسماحة السيد في وجه التهديد الأميركي السافر عبر الصواريخ والطائرات والسفن، وهذا كله لم يؤثر على قرار المقاومة بفتح الجبهة في الجنوب، هذا أولًا، وثانيًا رد السيد على التهديد بوعد آخر للأميركي: "أساطيلكم في البحر المتوسط لا تخيفنا ولن تخيفنا في يوم من الأيام، وأقول لكم إن أساطيلكم التي تهددون بها لقد أعددنا لها عدتها أيضًا، والذين هزموكم في بداية الثمانينيات ما زالوا على قيد الحياة ومعهم اليوم أولادهم وأحفادهم".

اليوم، يقول القائد العربي الحقيقي، سيد الوعد الصادق، إنه إذا كان الهدف الأميركي والصهيوني هو القضاء على المقاومة في غزة، فإن حزب الله لن يسمح لهم بذلك، وهو يضع لنا هدفًا هو تأكيد الانتصار العسكري على الكيان الواهن، وأن كل الاحتمالات مطروحة وقائمة، بما فيها مواجهة إمبراطورية الشر الأميركية وقواعدها المنتشرة بكل العالم العربي، والوقوف أمام أساطيله وأسلحته.. إن نقل المعركة في الوعي والوجدان العربي من معركة مع الكيان إلى حرب مع الأميركي، بذاتها ولذاتها، هي انتصار هائل، ومقدمة لعصر جديد، يصبح فيه هذا الكيان المنهار ورقة احترقت وألقيت إلى مزابل التاريخ.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل