يوميات عدوان نيسان 1996

نقاط على الحروف

.. واشتعلت الضفة مجدداً
19/12/2018

.. واشتعلت الضفة مجدداً

عبير بسام
لم تكن قضية فلسطين وقضية القدس في يوم من الأيام قضية عادية. إنها تمثل أبشع أنواع الاضطهاد الدولي لشعب عاش في أرضه لآلاف السنين، ومحاولة اقتلاعه منها من أجل تحقيق مآرب استعمارية هدفها اتخاذ فلسطين قاعدة عسكرية لمجموعة من المرتزقة القادمين وعائلاتهم من أجل إحكام السيطرة على مقدرات البلاد العربية، وهي قاعدة قريبة ومتقدمة للأميركيين والأوروبيين من أفريقيا: المنجم الأكبر في العالم للماس واليورانيوم.

إن تجربة العرب مع الاحتلال الاستيطاني لفلسطين قرؤوا سطورها في الاستعمار الاستيطاني في الأمريكتين وفي قارة أوقيانوسيا، وفيها تمت تصفية عائلات وقبائل عن بكرة أبيها بهدف استعمار أرضها. ظن الاستعمار الغربي أن ما قام به في العالم المكتشف حديثاً يمكن أن يعاد تطبيقه في بلاد تغوص جذورها في عمق التاريخ. ففلسطين لم يستطع أن يفرض الغرباء عليها السيطرة طويلاً، ولم تكن إقامة المحتل فيها عبر العصور رحلة سهلة. لقد استطاع الفلسطينيون إثبات وجودهم وأنه من المحال تغيير لغة وثقافة وانتماء أهل هذه الأرض عبر مئات السنين، مهما كانت أصول المحتلين العرقية والدينية. فتاريخ فلسطين والمنطقة في النضال من أجل الحرية والتحرير طويل ولن يتوقف. وهناك من كان يظن أن وجود السلطة في الضفة الغربية سيشكل مانعاً أمام مقاوميها من التحرك، ولكن هذا التصور غير دقيق. وهذا ما أثبتته عملية "عوفرا" الأخيرة في العاشر من هذا الشهر، والعمليات التي جاءت قبلها، والتي ستستمر بعدها. لقد خرجت الضفة الجمعة الماضية في مسيراتها الغاضبة متلاحمة مع القطاع، ورداً على عمليات هدم المنازل والمداهمات والاعتقالات واعتقال الأطفال والقتل. ومن الواضح أن الإسرائيلي لم يعد يحبذ اعتقال الفلسطينيين وخاصة في الضفة الغربية والقدس ومناطق 48، وطريقته في التعاطي معهم تؤكد ذلك.

لم تكن الضفة مستكينة. وحجم العمليات التي قام بها الشباب والشابات في الضفة الغربية يخبر عن حقيقة ما يحضّر، اذ جاءت عملية "عوفرا" في ذروة الاستنفار الأمني في الضفة الغربية لتكشف الوضع الحقيقي فيها، والذي تصفه اعترافات رئيس الشاباك "نداف أرجمان" بوجود مقاومة فعلية في الضفة وأن "الهدوء النسبي على السطح إنما هو هدوء خادع.. تحت السطح التوتر يتصاعد." ولكن إلى متى يمكن أن يستمر الضغط المتصاعد من المقاومة وخاصة في الضفة ضد اسرائيل؟ وإلى متى يمكن أن يتحمل الفلسطينيون حملات التنكيل ضدهم؟ وهل ابتدأت حرب عض الأصابع في الضفة؟

بالعودة إلى انتفاضة الأقصى في العام 2000، فإنه وبحسب دراسة أجرتها "الجزيرة"، فإن المقاومين من مختلف الفصائل نفذوا في سنوات الانتفاضة 2000- 2004 حوالي 132 هجوماً فدائياً، كانت حصيلتها استشهاد منفذيها ومقتل 688 صهيونياً وجرح نحو 4917 آخرين. واذا كان هناك أي احصائيات لحصيلة العمليات الفدائية الفلسطينية التي نفذت منذ بدايات اعلان انطلاق مسيرات العودة باتجاه القدس بعد إعلان دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية إليها، فإن وجودها سيدل على حجم تأثير الضربات التي يوجهها المقاومون الفلسطينيون للعدو الصهيوني وبالتالي يمكن  أن يبنى عليها. اذ إن عملية "عوفرا" وحدها كانت قد تسببت بمقتل 6 صهاينة على الأقل. والعملية التي قام بها أشرف نعالوه تسببت بإصابة ومقتل 3 صهاينة في شمال نابلس، مع العلم أن هذا ما يكشفه الصهاينة. إن عمليات الانتقام التي ينفذها الكيان الغاصب ضد المقاومين والتي يقوم بها دون محاكمات تكشف ذلك ـ المحاكمات تحجب الإعدام ـ وهذا يمكنه أن يكشف مدى الضعف الذي يشعر به الإسرائيليون تجاه العمليات النوعية التي بات المقاومون الفلسطينيون قادرين على تنفيذها منفردين ضد مجموعات من الجنود الإسرائيليين أو حتى المستوطنين.

توقفت انتفاضة الأقضى بسبب الضغوط التي فرضها الحكام العرب والسلطة الفلسطينية، والضغوط على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في العام 2004، ومن ثم اغتياله. بالامس استشهاد أشرف نعالوة وصالح البرغوثي أشعل التظاهرات في شوارع نابلس، بعدما تصدى الشبان الفلسطينيون لمحاولات الاحتلال حين جاءت لاقتحام قرية كوبر بغرض اعتقال نعالوة. هذا النوع من ردود الفعل هو الذي سيمكن الفلسطينيين من ربح معركة القدس وفلسطين على الرغم من محاولات التطبيع على خلفية صفقة القرن التي تجري على قدم وساق مع العديد من الدول العربية.

التحية كل التحية للضفة ولشعلة انتفاضتها المستمرة.. حتى النصر.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف