طوفان الأقصى
الرأي العام الامريكي يتحرك... مواطنون ورسميون ينتفضون رفضا لمذابح "اسرائيل"
د. علي دربج باحث وأستاذ جامعي.
يوما بعد يوم تتسع دائرة المعارضة الامريكية الشعبية منها، والنخبوية للمشاركة والدعم العسكرية والمالي واللوجستي الكبير واللامحدود الذي تقدمه إدارة الرئيس جو بايدن للكيان الصهيوني العنصري الفاشي النازي، في حرب الابادة الدموية التي يشنها على غزة.
وظهرت حركة وطنية أمريكية متعددة الأعراق ـــ من القاعدة إلى القمة ـــ لمناهضة قصف الحكومة الإسرائيلية الفاشية لغزة المستمر منذ أسابيع، وحثّ إدارة بايدن على التوقف عن تقديم الدعم غير المشروط لقادة الكيان المؤقت إلى حد كبير. فيما حظي نشاطهم بالثناء في الداخل الامريكي، والأهم من ذلك، ان قوتها، كانت أحد الأسباب التي دفعت بالسياسيين ذو الميول الديمقراطية، والعديد من وسائل الإعلام، الى التشكيك وبشكل متزايد بشأن الهجوم العسكري الإسرائيلي.
ما هي مظاهر الحراك الامريكي الداخلي تجاه الحرب على الغزة؟
صحيح ان الدعاية والسردية الإسرائيلية لشيطنة الفلسطينيين في غزة، سيطرت على عقل المجتمع الغربي برمته، في الأيام الأولى للحرب على غزة، لكن مشاهد الوحشية الاسرائيلية المتصاعدة، الغير مسبوقة في التاريخ حتى، وصور طحن جماجم الاطفال والنساء والشباب والشيوخ، وابادة عائلات بأكملها، فعلت فعلها، واثرت على الرأي العام الغربي، خصوصا الامريكي، الذي بدأ يدرك حجم معاناة ومظلومية الشعب الفلسطيني، وايقن انه يجب بذل جهود كبيرة لتقليل معاناتهم في غزة. وتبعا لذلك، اندلعت احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين، ورافضة للقصف العشوائي الهجمي، بحيث شملت مدن في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك بوسطن ودالاس وسانت لويس ونيويورك. كما نظمت أيضًا العشرات من الوقفات التضامنية في حرم الجامعات، بالإضافة إلى خروج منظم من الفصول الدراسية الأسبوع الماضي.
أما الاكثر اهمية، فكان خروج مئات آلالاف من المتظاهرين السبت الفائت في مسيرة جابت شوارع العاصمة واشنطن قبل التجمع في ساحة الحرية قبالة البيت الأبيض، للمطالبة بوقف إطلاق النار في الحرب غزة.
وتوضيحاً لتفاصيل ما جرى قال، يوجين بيرير، من "تحالف الاستجابة" Answer Coalition المنظم للمسيرة في حديث صحفي إن "هناك مئات الحافلات أتت تقريبا من كل أرجاء الولايات المتحدة، إضافة الى أشخاص قدموا من أماكن تصل إلى بورتوريكو، للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وللمطالبة بوقف المجزرة التي تحدث في غزة، حيث يقصف الطيران الإسرائيلي الأحياء المدنية بعنف، مما أوقع آلاف القتلى معظمهم أطفال ونساء.
وأضاف أن تنظيم المسيرة التي وصفها بـ "التاريخية" استغرق ما يزيد على أسبوعين ودعت إليها أكثر من ٢٠٠ منظمة، ابرزها الحملة الأمريكية من أجل الحقوق الفلسطينية، والطلاب الوطنيين من أجل العدالة في فلسطين، والاشتراكيين الديمقراطيين الأمريكيين. وقدّر منظمو المسيرة عدد المتظاهرين بعشرات الآلاف، الذين ورفعوا خلالها لافتات ورددوا هتافات تطالب بـ"وقف الدعم الأميركي لإسرائيل" و"وقف الهجمات على قطاع غزة" و"إنهاء الاحتلال الإسرائيلي".
ماذا عن التحركات الرسمية المعارضة لابادة غزة؟
في الواقع، تجاوزت الاعتراضات الامريكية على المذابح في غزة، المسيرات والاحتجاجات. ولهذه الغاية، أقدم بعض المسؤولين المنتخبين المعنيين، ولا سيما الأعضاء الديمقراطيين الثمانية عشر في مجلس النواب الأمريكي، على كتابة قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة. وهؤلاء معظمهم أعضاء من الجناح اليساري للحزب الديمقراطي، بما في ذلك النائبة ألكساندريا أوكازيو كورتيز (ديمقراطية من نيويورك).
ومع إحجام العديد من المسؤولين الديمقراطيين المنتخبين عن معارضة الحكومة الإسرائيلية أو إدارة بايدن بشكل مباشر، تقدم أولئك الذين يعملون في المستويات الدنيا إلى الأمام وكسروا حاجز الصمت، بعدما قع المئات من الموظفين اليهود والمسلمين في الكابيتول هيل على رسالة تدعو إلى وقف إطلاق النار، وحجبوا أسمائهم لأنه ليس من المفترض أن يتحدثوا علنًا عن القضايا التي يختلفون فيها مع رؤسائهم.
أكثر من ذلك، وضع الموظفون السابقون أسمائهم على رسائل تحث أقوى شخصيتين يساريتين في البلاد على الدعوة إلى إنهاء القصف الإسرائيلي لغزة. . كما كتبت مجموعة من الكتاب والفنانين البارزين، بما في ذلك تا نيهيسي كوتس، رسالة مشتركة تدعو إلى "فلسطين حرة".
وفي رسالة جماعية أخرى، لم تطالب مجموعة من الكتاب والفنانين والناشطين اليهود بوقف إطلاق النار فحسب، بل كتبوا إعلان أنهم يرغبون في التنصل من الرواية المنتشرة بأن أي انتقاد لإسرائيل هو معاداة للسامية بطبيعتها".
كيف كان موقف الجماعات اليهودية والاعراق الاخرى من الحرب على غزة؟
في الواقع انخرط الناشطون والمنظمات اليهودية مثل الصوت اليهودي من أجل السلام وIfNotNow بعمق في الاحتجاجات المعارضة لجرائم تل ابيب. علاوة على ذلك، كان أحد عشر من أعضاء مجلس النواب الثمانية عشر الذين يدفعون من أجل وقف إطلاق النار هم من السود، بما في ذلك النائبة كوري بوش (ديمقراطية من ولاية ميسوري)، التي تقود الجهود في الكابيتول هيل. الجدير بالذكر ان جميع الأعضاء الـ 18 هم أشخاص ملونون.
ليس هذا فحسب، إذ وصلت حركة الاعتراضات للمحرقة الإسرائيلية بغزة، الى حرم الجامعات الامريكية، بعدما حمّلت مجموعة من الطلاب في جامعة هارفارد النظام الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن كل أعمال العنف التي تتكشف" وفقا لما كتبوا في إحدى اللافتات.
وفي السياق ذاته، صرح أستاذ التاريخ في جامعة كورنيل راسل ريكفورد في مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في المدرسة بأنه "مبتهج" بهجمات حماس.
في المحصلة، نجحت هذه الحركة بإيصال بعض الرسائل للمجتمع الأمريكي ومفادها: لقد تسببت الهجمات والاعتداءات والغارات على غزة في مقتل عدد كبير جدًا من المدنيين، لذلك، تحتاج حكومة الولايات المتحدة إلى تقدير حياة الفلسطينيين بقدر تقديرها لحياة الإسرائيليين.
كما أن مثل هذه النشاطات ساعدت في تغيير السياسة الداخلية، وهو ما ظهر جليا عندما بدأ الناشطون يدعون إلى وقف إطلاق النار، مما دفع أعضاء مجلس النواب الأكثر تقدمية إلى تبني هذا الموقف، واللافت أنه في الأسابيع القليلة الماضية، قامت مجموعة متفرقة من الناشطين والمنظمات بإثارة نقاش وطني حول السياسات التي تنتهجها الحكومة الأمريكية و المتحيزة دائما لاسرائيل، وهو أمر ما كان ليحصل سابقا.
إقرأ المزيد في: طوفان الأقصى
19/09/2024