نقاط على الحروف
البعد الأخلاقي في الحرب على الشعب الفلسطيني
يونس عودة
كثيرة هي العبر والدروس والاستنتاجات المستقاة في الشهر الأول من بداية طوفان الأقصى، ومن حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وعلى كل المستويات السياسية والثقافية والاقتصادية إلى جانب المستوى العسكري والأمني، فضلًا عن التموضعات العربية والدولية، بين خياري الحق والباطل، وهو الأمر الذي يعكس تراكمًا ثقافيًا وسياسيًا ببعد أخلاقي.
بلا شك، إن الأزمات ولا سيما الحروب، تكشف العدو والصديق وكذلك المحايد، أو الانتهازي المنتظر على ضفاف الأنهر، أو على التل يراقب تطور الأحداث بغض النظر عن القضية وعدالتها.
واحد من الدروس المستقاة طوال شهر من عمليات قتل الأطفال الى جانب النساء وكبار السن والتدمير الهائل واستهداف الجسم الاعلامي والمستشفيات ودور العبادة الاسلامية والمسيحية وكل البنية التحتية ولا سيما المدارس التي لجأ اليها من لم يستطع للقتال سبيلا، أظهر حقائق صارخة حول مدى الاجرام غير المحدود في أصل تكوين الكيان الغاصب لأرض فلسطين، فكرًا وثقافة وأفرادًا وجماعات، وفي أساس المكوّن المنبت له.
من المؤكد أن التشخيص السليم كان في عمق إدراك الكثيرين، لكن الالتباس لدى شريحة منهم كان يكمن في أن بلوغ الجرائم بحق الانسانية وجرائم الحرب وجرائم تحدي ما يسمى بالقانون الدولي، لن يكون بغطاء دولي وقح قوامه أدعياء الحرية والديمقراطية والتعبير عن الرأي، والمقصود هنا الغرب الجماعي بزعامة الولايات المتحدة. وهو - اي الغرب - يمكن أن يتحول بهذه السرعة الى متعهد للموت يبغي المزيد من القتل بفجور صداه أعلى وأقوى من هدير الطائرات وقصف المستشفيات، وحتمًا أردأ من أصوات جنازير المدرعات وهي تسحق عظام الأطفال.
لم يتردد رئيس الولايات المتحدة جو بايدن ولا وزير حربه لويد اوستن, ولا وزير خارجيته انتوني بلينكن، في رفض أي وقف حقيقي لاطلاق النار، بما يشجع العنصريين الصهاينة على مزيد من المجازر، لا بل إن بلينكن سخر من نظيريه المصري والأردني وهما يقفان الى جانبه ويطالبانه بوقف لاطلاق النار أو انهاء للحرب، وقال: الولايات المتحدة تعتبر أن وقف إطلاق النار لن يؤدي إلا إلى "إبقاء حماس بقوتها".
أما سيد البيت الابيض الذي سارع الى "تل ابيب" لتهدئة روعها بعد عملية طوفان الاقصى الاسطورية، ولتشجيع عصابتها الحاكمة على مزيد من اهراق الدم الفلسطيني، فهرب من سؤال أحد الصحفيين بشأن ما إذا كان الإسرائيليون يتصرفون في إطار قانون الحرب؟ ليتجاهل الاجابة متصرفًا كزعيم عصابة، قائلًا: "كان من الجميل التحدث إليكم جميعًا". وأدار ظهره وغادر.
وزير الحروب الأميركية اوستن نفسه الذي يتعرض أبناء جلدته في الولايات المتحدة للاضطهاد العنصر انبرى للقول أمام شاشات التلفزة التي تنقل مشاهد الأشلاء والدمار: إن الوقت ليس مناسباً لوقف إطلاق النار بين "إسرائيل" وحركة حماس في هذه المرحلة، لكن واشنطن تؤيد هدنة مؤقتة لأغراض إنسانية، حسب زعمه.
وبشأن استهداف المستشفيات ودور العبادة والاعلاميين، فحدّث ولا حرج عن التزوير في الوقائع، وتبني الروايات الاسرائيلية، بحيث أن قادة الغرب من الولايات المتحدة الى فرنسا والمانيا، أظهروا أنهم طلاب من الدرجة الثالثة في مدرسة "اب الدعاية الهتلرية" جوزف غوبلز.
ليس الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أقل إجرامًا، وهو بصفته أحد وجوه النظم الغربية الفاشية المعبّرة عن الكراهية، دعا الى تشكيل تحالف دولي لقتال "حماس".
إن التغطية على الجرائم الاسرائيلية وتشجيعها بكل المعايير تمتد الى القوانين الدولية، باعتبار أن الكيان الصهيوني يدافع عن نفسه، علمًا أن قواعد القانون الدولي واضحة في حق مقاومة الاحتلال، وتمنع قتل المدنيين، لا بل توجب حمايتهم والحفاظ على المنشآت، وتعتبر استهداف المرافق الطبية جرائم حرب أيضًا، وفي مقدمة القواعد، حظر العدوان وتجريم اللجوء غير الشرعي للقوة، وحماية حقوق الانسان أثناء الحروب، وهذه القواعد تكتسب صفة الالزام والأمر، وأي مخالفة لها تشكل جرائم دولية.
الكل في الأنظمة الغربية إذا استثنينا اسبانيا بدرجة ما، يؤيدون استمرار المذابح، ولا سيما 3 أعضاء في مجلس الأمن الدولي وهم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، ولذلك وبكل بساطة، ليست المسألة مجرد ازدواجية معايير، بل هي وبكل بساطة ايضًا صراع بين الحق والباطل، بين التواقين الى العدالة وبين السفاحين الذين لا مقام للعدالة في تكوينهم الثقافي والسياسي.
تحت هذه المظلة كان يمكن للعرب كأنظمة - ليس الجميع - وانما الذين بين أيديهم وسائل التأثير، أن يكونوا على قدر الحدث غير المسبوق، كي لا يقفوا أقله كشهود زور، إن لم تقل كمتواطئين، سيما أنهم يمتلكون وسائل الضغط الكابحة للإجرام المتمادي، ومنها الغاز والنفط والتجارة على أشكالها وضمنًا المقاطعة، ولو في اطار التلويح. ودون الجزع من الأساطيل الغربية في بحر العرب والبحر الاحمر والبحر الابيض المتوسط، لأن تلك الأساطيل علاج تهديداتها بين أيدي انصار الحق - محور المقاومة - الذي قبل التحدي والنزال.
يراهن البعض على القمة المنوي عقدها في السعودية باعتبارها معيارًا للآتي، إما لتصفية القضية الفلسطينية أو انتصارًا للشعب الفلسطيني، وسيبني محور المقاومة على نتائجها مقتضاه، سيما أن الغرب - الانغلو - ساكسوني أعلنها حربًا مفتوحة ولا أخلاقية.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024