نقاط على الحروف
خطاب السيد نصر الله.. استراتيجية السيف والرماح
حيّان نيّوف
منذ الخطاب الثاني بعد ملحمة "طوفان الأقصى" والذي ألقاه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله عصر يوم السبت بتاريخ 11/11/2023، كثّفت المقاومة الإسلامية في لبنان من عملياتها في شمال فلسطين المحتلة، كماً ونوعاً، وتسببت العمليات التي نفذتها بسقوط العديد من القتلى والجرحى في صفوف جيش العدو الإسرائيلي، إضافة إلى الشلل الكبير في مستوطنات الشمال والجليل الأعلى امتدادًا من الجولان ووصولًا إلى البحر غربًا. وبلغ عدد العمليات العسكرية الهجومية التي نفذها مجاهدو المقاومة الإسلامية وفق ما تم الإعلان عنه حوالي 15 عملية بطولية خلال الـ 48 ساعة الأخيرة تنوعت بين استهداف تجمعات الجنود الصهاينة وصولاً لاستهداف المدرعات والآليات ومراكز القيادة والتمركز في الجانب المقابل على الحدود اللبنانية في شمال فلسطين المحتلة.
قالها سماحة السيد في خطابه بوضوح "العين على الميدان"، وهو الذي يحدد مصير ومسار التطورات، التي أَدخلت اليها المقاومةُ في جنوبِ لبنانَ أسلحةً جديدةً منها مسيراتٌ انقضاضيةٌ واستخباراتية، وصواريخُ البركان التي يزن رأسها التفجيري من ٣٠٠ الى ٥٠٠ كغ وفق ما كشف عنه السيد في خطابه، فما بالك بما لم يكشف عنه وهو بلا شك أكبر بكثير وأشد هولاً ومفاجأةً؟
يمكن القول إن خطاب السيد كان بمثابة إعلانٍ لاستراتيجية الحزب ومحور المقاومة بالكامل في التعاطي مع هذه المعركة وكيفية ادارتها وتحديد مساراتها وأهدافها، وهي استراتيجية معركة وصمود، استراتيجية حرب وصبر، استراتيجية العقل والقوة، استراتيجية الإنتصار الحتمي.
وكان سماحة السيد أكثر وضوحًا في ختام خطابه عندما تحدث عن تلك الإستراتيجية بقوله:
"نحن في معـركة الصمود والصبر ومعـركة جمع الانجـازات والنقاط ومعـركة الوقت الذي يساعد على الحاق الهـزيمة بالغـزاة والطغاة والعتاة، الفشـل الميــداني والخـشية من انفتاح الجبـهات باتجاه أوسع وضـغط المهـجرين لدى الكيان في الداخل ووضغط عوائل أسـرى العـدو سيضغط على العـدو ويضيق الوقت لديه.. يجب أن نعمل جميعًا وأعظمنا تحملًا هو شعب غـزة والمقـاومة في غـزة".
لا شك بأن القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية والامريكية تلقفت كلام السيد وتوقفت مليًا عنده، وأدركت أن محور المقاومة يحيط بتفاصيل المعركة ونتائجها بعيدًا عن التأثير العاطفي وبعض المزاج الشعبي المخترق، والخطاب التحريضي المنتج في أقبية الإعلام المشبوه.
كان وقع كلام السيد ثقيلًا جدًا على الكيان الصهيوني الذي راح قادته يرعدون ويزبدون عبر إطلاق التهديدات الخلّبية ضد لبنان والمقاومة الإسلامية فيه، وبلغ صراخ قادة الكيان ومسؤولية حدًا جَعَل المراقبين للأحداث يظنون أن "اسرائيل" باتت على وشك تنفيذ عدوان واسع النطاق ضد لبنان، قبل أن يسارع حليفها الأميركي للتدخل عبر وزير حربه اوستين والاتصال برئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو طالبًا منه الامتناع عن الدخول في مواجهة مفتوحة وشاملة مع حزب الله.
إن الأميركي الذي انفضح أمره منذ الساعات الأولى لعملية طوفان الأقصى، وسارع للدخول المباشر على خط المواجهة وتولّى بنفسه عملية اتخاذ القرارات بديلًا عن حكومة الكيان الصهيوني عسكريًا وسياسيًا، وأرسل كبار مسؤوليه تباعًا إلى الإقليم بدءًا من رأس الهرم الأمريكي جو بايدن، ومرورًا بوزيري الخارجية والدفاع وانتهاء بمدير وكالة المخابرات الأمريكية وليم بيرنز، بات واضحًا أنه يسعى جاهدًا لتجنب توسيع الصراع خشية على تواجده ونفوذه في المنطقة والإقليم، والذي إن خسره سيعني ذلك أنه تلقى ضربة كبرى ستترك أثرها البالغ على مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى ومهيمنة على العالم، خاصة في ظل تربّص خصومها المناوئين لها "روسيا والصين وايران" وانتظارهم للحظة التاريخية المناسبة للانقضاض عليها في أكثر من منطقة، من شرق أوروبا إلى بحر الصين الجنوبي، ومن شرق آسيا ووسطها وغربها إلى افريقيا وأميركا الجنوبية، وهو (أي الأميركي) الذي تتلقى قواعده غير الشرعية وقواته المحتلة في العراق وسورية الضربات المتتالية والمكثفة على أيدي أبطال المقاومة العراقية، هذه المقاومة التي كان لها نصيب من الإشادة والتحية والتأييد في خطاب السيد".
إذًا يمكن تلخيص مشهد المعركة ومؤشراتها اليوم بالقول إن محور المقاومة نجح إلى حدّ بعيد بوضع الأميركي تحت الصغط الميداني والسياسي والإنساني والجيوسياسي، وبالتوازي فقد أدخل الكيان الصهيوني في استنزاف مرهق في العدة والعتاد والوقت، وأن عنوان المرحلة هو المشاغلة والاستنزاف وحرمان العدو من تحقيق انتصار، وذلك كله ليس سوى تمهيد لليلٍ أشد وطئاً وأقوم قيلًا، بات قريبًا غير بعيد.
إن سماحة السيد حسن نصر الله الذي أشهر سيف الحق بوجه الباطل وجنوده، ترك هذا السيف الحق والقوة والرعب مصلتاً على رقبة الكيان الصهيوني وداعميه، وراح يقارعهم بالنبال والحراب، فإن للسيف وقته المعلوم وإن لحامله بأسه ويقينه وحكمته.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/12/2024
متى نستفيق من سكرة السكوب؟
20/12/2024
الإعلام حربٌ بدون دماء.. أو الأكثر دموية
17/12/2024
صيدنايا.. درة الدجل الإعلامي
17/12/2024