طوفان الأقصى
عن ترسانة "القسام" المضادة للدروع.. وحرب المدن ثلاثية الأبعاد في غزة
د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي
في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نفّذت المقاومة الفلسطينية عملية على المحيط الرملي الشمالي لغزة، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن تسعة جنود إسرائيليين. المقاومة استهدفت ناقلة جنود مدرعة من طراز "نمير"- هي الأكثر تطورًا في العالم - بصاروخ مضاد للدبابات، فدُمرت بالكامل. هذا الهجوم يعدّ تحولًا كبيرًا في تكتيكات كتائب "القسام" في المواجهات البرية، كما يبرز تطور قوتها النارية وتوسعها.
إذ إنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي كان يُواجه، خلال العقود الماضية، خصوصًا أبان الانتفاضة الأولى والثانية، بالحجارة والزجاجات الحارقة التي كان يلقيها عليه الفلسطينيون، يجد نفسه حاليًا أمام الآلاف من المقاومين المدججين بأسلحة، مثل الصواريخ الموجهة بالليزر والذخائر المضادة للدبابات في غزة.
ما هي قدرات "حماس" التسليحية والبشرية؟
عمليًا، تتابع "إسرائيل" عن كثب أنواع الأسلحة التي تمتلكها "حماس". فوفقًا لاستخباراتها العسكرية، والتي تتوافق تقديراتها مع نظرائهم في الولايات المتحدة، تمتلك الحركة ترسانة كبيرة من الأسلحة. وهي تضم: بنادق قناصة حديثة، طائرات شراعية، قذائف آر بي جي، "قنابل مغناطيسية"، طائرات من دون طيار هجومية أحادية الاتجاه، غواصات صغيرة، ألغام أرضية، صواريخ مضادة للدبابات وأخرى بعيدة المدى يمكن أن تصل إلى أقصى الشمال حتى حيفا بالقرب من الحدود اللبنانية، وجنوبًا مثل إيلات على البحر الأحمر.
تعقيبًا على ذلك، قال مايكل ميلشتين الرئيس السابق للإدارة الفلسطينية، في جيش الاحتلال الإسرائيلي ومحلل كبير في مركز "ديان" في جامعة "تل أبيب"، إن "حماس" ومقاتليها مسلحون بالكامل ومدربون جيدًا، لدرجة أن ألويتها، والتي تصنفها الولايات المتحدة على أنها منظمات إرهابية، تشبه "جيوش الدول".
وأضاف ميلشتاين، وهو يراقب الأسبوعين الأولين من الغزو البري: "لا يوجد في الواقع أي شيء جديد أو مفاجئ في الأسلحة نفسها. والمفاجأة الرئيسة هي الكمية". وخلص إلى أن "إسرائيل تواجه نسخة أقوى بكثير من حماس".
بدوره أوضح آفي ميلاميد مسؤول المخابرات الإسرائيلية السابق ومؤسس منظمة "داخل الشرق الأوسط"، وهي منظمة غير ربحية تركز على التعليم، إن: "إسرائيل ستواجه ظروفًا صعبة للغاية مع حماس وحلفائها المسلحين في غزة". وأشار الى أن: "الحركة عدو مسلح بكثافة، وليس عصابة من الأطفال الصغار يركضون بالمسدسات".
ماذا عن الأسلحة المضادة للدبابات والمركبات المدرعة؟
في الحقيقة، تشعر قيادات عسكرية إسرائيلية بالقلق الشديد من نشر حماس لأعداد كبيرة من الوحدات المضادة للدبابات. وتشمل الأنظمة المضادة للدبابات التي نشرتها حماس لمواجهة الغزو -على ذمة المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين- صواريخ موجهة من طراز Bulsae-2، وهي نسخة كورية شمالية من نظام "Fagot" الذي يعود إلى الحقبة السوفياتية، قاذف ب RPG-7، روسي الأصل أيضًا؛ إذ قال محللون عسكريون إن هناك نسخة كورية شمالية تسمى إف-7.
علاوة على ذلك، تحوز حماس على أنظمة لصواريخ "كورنيت" ونظيرتها الأحدث و"كونكورس" ذات الطراز الروسي، بالإضافة إلى نظام رعد الإيراني، وهو نسخة من صاروخ ماليوتكا السوفياتي. والكلام دائما "لأجهزة الاستخبارات الاسرائيلية والامريكية".
أكثر من ذلك، فبالإضافة الى الأسلحة المضادة للدبابات التي تضمها ترسانة حماس العسكرية، هنا قسم منها ينتج بعضه داخل القطاع، مثل الرأس الحربي تانديم 85، بحسب كبير المحللين وخبير الأسلحة في شركة الاستخبارات الدفاعية "جينز" أميل كوتلارسكي الذي أوضح أن هذه الأنواع من المقذوفات، تستخدم شحنتين لاختراق المركبات المدرعة الحديثة. وأضاف: "إنها الأسلحة المميزة التي تقدمها إيران لحلفائها في حركات المقاومة، مثل حماس، وقد استخدمت لإحداث تأثير مدمّر ضد القوات الأمريكية في العراق".
تعليقًا على ذلك، رأى بهنام بن طالبلو، العضو في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وهو مركز أبحاث في واشنطن، أن هذا المزيج من الأسلحة الأجنبية يمكن أن يعقّد حتى أكثر الجيوش تطورًا من حيث التكنولوجيا في سيناريو القتال في المناطق الحضرية. وإذ استشهد بن طالبلو بمعركة "سيف في القدس" في أيار 2021، بين حماس وكيان العدو في المقام الأول، أكد أن فرق الصواريخ المضادة للدبابات التابعة للحركة تمكّنت من شن هجمات أسفرت عن مقتل أفراد عسكريين ومدنيين، وأثبتت أنها أكثر فعالية من هجمات الطائرات من دون طيار. وتابع يقول: "توقعوا المزيد، وليس أقل، من تركيز حماس على الأسلحة والحرب المضادة للدبابات مع تقدم الجيش الإسرائيلي إلى داخل غزة".
ما مدى فعالية أنظمة الحماية للمدرعات الاسرائيلية؟
بعد مجزرة الدبابات التي نزلت بأرتال دبابات الميركافا الإسرائيلية الأحدث في العالملإ في وادي الحجير خلال عدوان 2006 على لبنان، طورت "إسرائيل" نظام دفاع ضد هذه الأسلحة، ويسمّى نظام الحماية النشط "تروفي". ويعمل هذا النظام عبر الرادار لتتبع الذخائر القادمة ومن ثم اعتراضها بمقذوفات دفاعية خاصة بها.
ومع أن نظام الحماية أثبت نجاحه إلى حد ما. ولكن - كما هو الحال مع وابل الصواريخ ضد الدفاع الجوي الإسرائيلي "القبة الحديدية" - نجحت المقاومة في لبنان ثم فلسطين من إيجاد الدواء الناجح له، وذلك عبر اللجوء الى تكتيكات معينة، لهزيمة نظام تروفي، سواء عبر إغراقه بأعداد كبيرة من القذائف أو المقذوفات التي تُطلق من مسافة قريبة، أم باستعمال صواريخ موجهة حديثة فتاكة.
في المحصلة، تعدّ هذه الحرب التي تواجهها المقاومة الفلسطينية غير متكافئة. فـ"إسرائيل" لديها واحدة من أفضل القوات تسليحًا وأكثرها تطورًا من الناحية التكنولوجية في العالم، إضافة الى الدعم العسكري الذي يغدق عليها منذ عملية "طوفان الأقصى".
لكن ما يخشاه الصهاينة، وباعتراف ضباط وجنود جيشهم، هو هذا العالم السفلي من الممرات ومخابئ الأسلحة وطرق التخفي تحت غزة، والتي قد تكون أكثر رعبًا بالنسبة إليهم الآن، خصوصًا وأن مقاتلي "القسام" و"سرايا القدس" يخوضون حربًا من مدن "ثلاثية الأبعاد"؛ حيث يطلق المقاومون النار على الدبابات والقوات المتوغلة في غزة، من أسطح المباني المدمرة ومن الشوارع المليئة بالركام ومن الساحات تحت الأرض، الى حدّ أن أرض القطاع ستبتلع جيش الاحتلال بمركباته وجنوده.
إقرأ المزيد في: طوفان الأقصى
19/09/2024