آراء وتحليلات
قادة الاحتلال عالقون في غزة.. بانتظار الخلاص الأمريكي
د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي
رغم مضي أكثر من ستة أسابيع على المحرقة الإسرائيلية الجارية في غزة، لم يحقق جيش الاحتلال أي إنجاز عسكري نوعي، يرفع من خلاله معنويات مستوطنيه الخائفين والقلقين من دخول الكيان في حرب استنزاف طويلة، ستكون لها تداعيات خطيرة على مستقبله.
وتبعًا لذلك، يقف القادة الصهاينة على مفترق طرق، كلها تؤدي إلى هلاك جيشهم إن واصل تقدمه في غزة. فمن جهة، هم غير قادرون على التوغل أكثر داخل القطاع، ومن جهة أخرى بات الالتحام مع مقاومي "حماس" و"الجهاد" مكلفًا جدًا، وما زاد الطين بُلة، الأصوات التي بدأت تخرج إلى العلن داخل الكيان، وتحذر من كارثة اقتصادية مقبلة على "إسرائيل" في ظل استمرار الفشل في التغلب على "حماس" وحسم الحرب.
وللخروج من حالة المراوحة تلك، يعمد قادة الاحتلال إلى وضع خطط عسكرية تهدف أولًا إلى القضاء على مجاهدي"حماس"، وتهجير سكان غزة ثانيًا، وما بينهما، منع المقاومة من العودة إلى القطاع، ظنًا منهم أن مشاريعهم تلك قد تجنبهم تجرع كأس الهزيمة المرّ، وتحفظ صورتهم التي باتت مهشمة أمام جمهورهم الباحث عن الانتقام والمتعطش للدماء، ثم العالم الغربي الداعم لمذابحهم.
ما هي خطط "إسرائيل" المستقبلية لغزة؟
ليس لدى "إسرائيل" حتى الآن تصور واضح عن "اليوم التالي". صحيح أن القادة السياسيين والعسكريين، متفقون على ضرورة تدمير "حماس"، لكن اللافت أنه لا يوجد إجماع حول الخطوات التالية.
في الأيام الأولى للعدوان الدموي على القطاع، شُكِّلَت خطة معركة تقريبية تقوم على الآتي: المرحلة الأولى من الحرب عبارة عن قصف متواصل لمدة ثلاثة أسابيع، ثم تهاجم القوات الجوية الإسرائيلية البنية التحتية لـ"حماس"، ما يمنح القوات الوقت للتجمع والتدريب على الغزو البري، ويسمح للمخططين بدراسة الخيارات وإعدادها.
فيما، المرحلة الثانية، تعتمد على الهجوم البري الذي بدأ في 27 تشرين الأول/ أكتوبر، حيث قدّر قادة العدو أنه من المحتمل أن يستمر ثلاثة أشهر. لكن إذا استمر الأمر كذلك، فإن اقتصاد الكيان المعتمد على أكثر من 300 ألف جندي احتياطي اُسْتُدْعُوا، سوف يبدأ في الانهيار.
لذا، يرى قادة العدو العسكريين أن حرب غزة يجب أن تنتقل إلى مرحلة جديدة تتطلب قواتًا أقل وقصفاً أقل بكثير، آملين أن يتمكنوا من تجنب الدخول في متاهة الأنفاق تحت الأرض.
أما الأخطر، فهو أن "إسرائيل" تخطط لإنشاء مدينة خيام واسعة للاجئين في المواصي، على الساحل شمال حدود غزة مع مصر، بذريعة تسيير إيصال الإمدادات الإنسانية بسهولة عن طريق البر والبحر.
ما علاقة الاقتصاد الإسرائيلي بخطط العدو في غزة؟
تبنى جيش العدو ما وصفه قادته بـ"شجرة القرار" المكونة من "خطط مرنة وقابلة للتكيف". يقتبس أحد الجنرالات من المذكرات الأخيرة للجنرال الأمريكي المتقاعد ووزير الحرب السابق جيم ماتيس، الذي كتب أن "اليقين بشأن شكل الحملة يمكن أن يكون خطأً فادحاً، وأن القائد الحكيم يحتاج إلى حقيبة ظهر مليئة بالخطط".
لذا، هناك جدل حاد الآن في المجمع العسكري المعروف باسم" الكرياه"، في وسط "تل أبيب"، حول متى يمكن لـ"إسرائيل" أن تسرّح بعض جنود الاحتياط وتعيد تشغيل الاقتصاد الذي وصل إلى طريق مسدود تقريبًا.
ويتفق معظم كبار القادة على أنه في غضون شهر أو شهرين، يمكن لـ"إسرائيل" أن تبدأ هذه التخفيضات في القوات وتسحب قواتها من مراكز المدن، وتشكل ألوية هجومية أصغر على محيط مدينة غزة، على سبيل المثال، لمهاجمة مجاهدي "حماس" عندما يخرجون من الأنفاق، غير أن مشكلتهم الشائكة، تتمثل بتلك الأنفاق التي تتميز بأنها كبيرة جدا، لدرجة أن الحديث يدور عن نظام "مترو" تحت الأرض.
ما الذي يمنع "إسرائيل" دخول الأنفاق؟
عندما اختفى مقاتلو "حماس" في هذه الأنفاق في المرحلة الأولى، ثم عادوا في الوثبة التالية لمهاجمة كل ما ينزل على الأرض من عتاد وعديد جيش الاحتلال، قرر قادة الجيش الإسرائيلي عدم إرسال قوات لملاحقتهم، حتى بالنسبة للفريق الإسرائيلي الخاص الذي شُكِّل لحرب الأنفاق، كان الأمر خطيرًا للغاية، كون نظام "المترو" كما يصفه جيش الاحتلال يحتوي على كمائن مفخخة وأبواب فولاذية ثقيلة لمنع دخول الروبوتات بالإضافة إلى مجموعة معقدة من الدفاعات الأخرى.
أما التحدي الأكبر للعدو وجنوده، هو الوصول إلى الأنفاق ولمسها. إذ من المرجح أن يكون للهجمات المفاجئة من اتجاهات غير متوقعة تأثير نفسي على جنود الاحتلال، بالإضافة إلى الأضرار الجسدية التي ستلحق بهم، وستؤدي حتما إلى قتلهم داخلها.
وخلاصة القول إن الفترة التي حددها جيش العدو للقضاء على حركة المقاومة حماس، قد طالت، وهي ستمتد زمنيًا بسبب العقبات التي تواجهه على الأرض. ويبدو أن ساعة الصبر التي أعطتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون لـ"إسرائيل" وكأنها على وشك النفاد.. اما ساعة المقاومة فلا شك أنها الثابت الوحيد في غزة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
01/10/2024