آراء وتحليلات
تأثير "وادي السليكون" الأمريكي في الصراع.. وتحويل التهديد الى فرصة
إيهاب شوقي
من أهم التقارير الدولية المتعلقة بالأمن القومي، يمكننا رصد خلاصتين قد تغير الكثير من التحليلات وتفتح آفاقًا مضافة للتحليل السياسي والاستراتيجي، ويمكننا رصد هاتين الخلاصتين كالتالي:
الأولى: على مدى أكثر من قرن، أشعل التدافع على النفط حروبا، وخلق تحالفات غير عادية، وأثار خلافات دبلوماسية، لكن حالياً يتصارع أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم على مورد ثمين آخر هو أشباه الموصلات والرقائق التي تُشَغِل حياتنا اليومية حرفيًا، وتقع هذه الأجزاء الصغيرة من السيليكون في قلب صناعة تبلغ قيمتها 500 مليار دولار، ومن المتوقع أن تتضاعف بحلول عام 2030. ومن يتحكم في سلاسل التوريد، وهي شبكة من الشركات والبلدان التي تصنع الشرائح، يحمل مفتاح أن يكون قوة عظمى منقطعة النظير.
الثانية: رصدها في فورين بوليسي "أ. ويس ميتشل" حيث قال "أوضحت استراتيجيتا الدفاع الوطني الأمريكيتين الأخيرتين وأكدت أحدث لجنة للوضع الاستراتيجي في الكونجرس ، فإن الجيش الأمريكي اليوم ليس مصممًا لخوض حروب ضد منافسين رئيسيين في وقت واحد. وفي حالة وقوع هجوم صيني على تايوان، فسوف تجد الولايات المتحدة نفسها تحت ضغط شديد لرفض الهجوم مع مواصلة تدفق الدعم إلى أوكرانيا و"إسرائيل". وهذا ليس لأن الولايات المتحدة في تراجع. لأنه على عكس الولايات المتحدة، التي تحتاج إلى أن تكون قوية في هذه الأماكن الثلاثة، فإن كلاً من خصومها - الصين وروسيا وإيران - يجب أن يكونوا أقوياء فقط في منطقتهم الأصلية لتحقيق أهدافهم".
وهنا يكتسب تأثير "وادي السليكون" الأمريكي على صناعة القرار الأمريكي والدخول كطرف في الصراعين الدولي والإقليمي أهمية مضافة، وخاصة بعد اللقاء الصيني الأمريكي الأخير في ذروة الحرب، والذي بدا أنه لقاء لتهدئة المنافسة والصراع، حيث اُحْتُفِي بالرئيس الصيني، قُدِّم خطاب صيني تصالحي مع أمريكا على خلفية صراع عسكري محتدم في البؤر المركزية في منطقتنا وفي المحيط الروسي، وتوترات غير مسبوقة في تايوان.
وللإيضاح يمكننا هنا ذكر بعض الحقائق السياسية والاقتصادية التالية:
1- تايوان و"إسرائيل" دولة وكيان صغيران يشكلان معًا 0.04% فقط من سكان العالم، لكنهما من بين أهم الدول على خريطة الرقائق العالمية.
2- أصبحت شركات التكنولوجيا الأمريكية المتمركزة في وادي السليكون، أكبر مجمع صناعي للتكنولوجيا في العالم بمثابة مركز قوة كبير في أمريكا ولها تأثير كبير على السياسة والقرار في الولايات المتحدة وأصبحت شركات مثل مايكروسوفت وجوجل وآبل وحتى فيسبوك مؤثرة في كل ما يجري في أمريكا والعالم.
3- في عام 2015 قال وزير الأمن الداخلي الأمريكي جيه جونسون إن وزارته "في مراحل التخطيط الأخيرة لإقامة مكتب لها في وادي السيليكون"، والخطوة التي اتخذتها وزارة الأمن الداخلي الأمريكية غير مسبوقة، وتظهر حرص الحكومة على تحسين علاقتها مع الشركات التكنولوجية في أعقاب الأضرار التي حدثت بعد كشف المتعاقد السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية، إدوارد سنودن، عن عمليات مراقبة إلكترونية.
4- ذكر تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية إن وادي السيليكون هو في خدمة الجيش الأمريكي وتزداد قيمة دعمه فيما تحتدم المنافسة الجيوإستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين.
وتحدث التقرير عن أسطول من السفن الشراعية غير المأهولة ذات اللون البرتقالي اللامع حول بحر بيرينج بالقرب من ألاسكا، والذي يدخل البيانات لصالح وكالة استكشاف المحيطات التابعة للحكومة الأمريكية لمدة ثماني سنوات.
5- شركة سيلدرون قدمت مساهمات كبيرة في البحث العلمي حول تغير المناخ، وهي شركة ناشئة أسسها المهندس البريطاني الشاب ريتشارد جينكينز في عام 2013، ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين كانت الشركة التي يوجد مقرها في سان فرانسيسكو بحلول عام 2021، مقاولًا رئيسيًا يساعد البحرية الأمريكية على تطوير أسطول من أنظمة الذكاء الاصطناعي لإجراء المراقبة في المياه الدولية، بما في ذلك المحيط المتجمد الشمالي المحيط بروسيا وبحر الصين الجنوبي.
6- كتبت المقالات وألفت كتب عديدة ترصد صناعة القرار الأمريكي، والقوى الفاعلة به وأوزانها النسبية، وخلصت الدراسات الرصينة إلى أن رؤساء أمريكا مجرد واجهات جماهيرية ودولية وأن صناعة القرار تمر عبر شبكة مصالح معقدة تضم فيما تضم كارتيلات اقتصادية كبرى شركات الطاقة والنفط، والنفوذ المالي لشركات "وول ستريت" والمجمع الصناعي العسكري، وكذلك شركات الإعلام والعلاقات العامة.
وحديثا، ظهرت في دراسات الأمن القومي، مفردات جديدة أضيفت إلى مؤسسات صناعة القرار الأمريكي، وهي شركات التكنولوجيا المتمركزة في "وادي السليكون"، حيث أضيف هذا (الوادي) إلى القوى المؤثرة والفاعلة في صناعة القرار الأمريكي، وهو ما يتسق مع طبيعة العصر، حيث لكل عصر قواه الفاعلة وفقا لتأثيرها ومنتوجها ووزنها النسبي في الاقتصاد العالمي.
7- نما نفوذ "وادي السليكون" وفتح فروعا دولية أهمها فرعه في "اسرائيل" والذي يعد استنساخا مصغرا من وادي السليكون الأمريكي، حيث يطلق حاليا في قطاع التكنولوجيا وريادة على العدو الإسرائيلي لقب "أمة الشركات الناشئة"، ووفقاً لتحالف الأعمال بين الولايات المتحدة و"إسرائيل"، تعد كاليفورنيا بمثابة المقر الرئيس العالمي أو الأميركي لـ35 شركة تأسست في "إسرائيل"، وهي شركات ناشئة تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار.
الشاهد هنا أن هناك تأثيرا لما حدث في طوفان الأقصى على هذه المنظومة يمكن تلخيصها من واقع التقارير العديدة كالتالي:
أصبح للحرب في الشرق الأوسط تأثير مباشر في وادي السيليكون الأميركي، كما هو الحال مع وداي السيليكون الإسرائيلي، الذي يشكل المرتبة الثانية عالمياً بعد نظيره الأميركي. حيث أصبح من الحقائق التكنولوجية أن "إسرائيل" في طليعة إنتاج الرقائق والتكنولوجيا الفائقة والذكاء الاصطناعي، لكن الحرب تهدد هذا القطاع الحيوي للاقتصاد الإسرائيلي.
الأولى، وهي تايوان، تغطي 60% من الإنتاج الصناعي في العالم، أما "إسرائيل" فهي المركز الغربي الأكثر أهمية لمصنعي المعالجات الدقيقة الدوليين، وفي طليعة قطاع التكنولوجيا. ويكمن الخطر في أن الصراع الذي اندلع مجددا في السابع من أكتوبر يمكن أن يضغط على سلسلة التوريد التي تعاني بالفعل أزمة بعد الوباء والحرب في أوكرانيا. ويتركز الخطر في أن الحرب تؤدي إلى تعقيد وإبطاء سلاسل التوريد العالمية، في قطاع الرقائق والتكنولوجيا الذي أصبح مهدداً بالفعل، نتيجة التوترات السياسية والعسكرية حول العالم.
كيفية تحويل التهديد إلى فرصة؟
كما أن هناك مصالح غربية في تصفية المقاومة وإزالة التهديد عن شبكات التوريد، فإن المقاومة يمكنها تهديد المصالح الحيوية عبر رصد تخوفات العدو والتي تلخصها التقارير كالتالي:
على مر السنين توسعت شركة مثل "إنتل"، وافتتحت مراكز أخرى في بتاح تكفا والقدس المحتلة، وباستثمار قدره 25 مليار دولار "وهو الأكبر إطلاقا في إسرائيل" تقوم ببناء مركز آخر في مستوطنة كريات جات، على بعد 42 كيلومتراً من غزة، أي على بعد 30 دقيقة بالسيارة من حدود غزة، ما يجعله في مرمى صواريخ الفصائل الفلسطينية المسلحة.
بينما تقع مدينة حيفا الساحلية على بعد نحو 40 دقيقة بالسيارة من الحدود مع لبنان، حيث وصلت إليها صواريخ المقاومة. ووفقاً للبيانات الصادرة عن شركة "إنتل"، هناك نحو من 12800 عامل في المراكز الإسرائيلية، مع صادرات تبلغ نحو 3.6 مليارات دولار (وفقاً لبيانات 2018، 7.5٪ من صادرات التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية).
وما يثير المخاوف أيضاً هو ما نقلته مصادر إعلامية أميركية وإسرائيلية، من أن 10% من العاملين في قطاع التكنولوجيا في "إسرائيل" اُسْتُدْعُوا بالفعل للعمل جنود احتياط في الجيش الإسرائيلي، وفي بعض الشركات قد ترتفع هذه النسبة إلى 30%، مع ما يترتب على ذلك من عواقب سلبية على رأس المال البشري.
هنا يمكن تحويل التهديد لفرصة عبر خيارين، إما طويل الأمد بإفشال العدو وجعله مكانا غير مناسب لهذه الشبكة المؤثرة دوليا وإفقاده أهميته والرهان على النفس الطويل، وإما باستهداف مباشر لهذه المراكز عند الدخول في خيار مواجهة فورية وحرب مفروضة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024