آراء وتحليلات
الطبيعة والأرض تستنجدان.. الملوثون يتحكّمون بقمة المناخ 28 في دبيّ
د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي
من سخريات القدر أن مؤتمر المناخ السنوي الذي يعوّل عليه العالم، وتضع البشرية عليه آمالها ليعيد الطبيعة إلى مسارها القديم ويخفف عنها حمل التلوث وما ينجم عنه ما انعكاسات كارثية قلبت حياة الإنسان رأسًا على عقب، تميز هذا العام بسيطرة لافتة وحضور طاغٍ لأصحاب المصالح المتعلقة بالوقود الأحفوري (نفط وغاز ومشتقاتهما)، بعدما احتشدوا بشكل غير مسبوق في قاعات القمة في دبي، حيث تعقد هذه التظاهرة العالمية، بحثًا عن صفقات من جهة، ولزيادة أرباحهم المالية من جهة ثانية، ولو على حساب البيئة ومعاناتها.
ما حجم حضور مقاولي النفط في قمة المناخ؟
سُجِلَت مشاركة أكثر من 2400 شخص لهم علاقات بالشركات التي تنتج أو تستهلك النفط والغاز الطبيعي والفحم - أو من المجموعات التجارية التي تدافع عن تلك الصناعات - لحضور مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) في دبي، وفقًا لتحالف Kick Big Polluters Out (اي "اطردوا كبار الملوثين") الذي استعرض سجلات المؤتمر، حيث تبيّن أن أعداد المشاركين من عالم صناعة النفط فاقت تقريبًا أعداد جميع الوفود الوطنية ونظرائهم من المجتمع المدني الموجودين للتفاوض في أكبر قمة للمناخ في العالم.
ارتفع تمثيل أصحاب مصالح الوقود الأحفوري، بشكل أسرع هذا العام، مع وصول درجات الحرارة العالمية إلى مستويات قياسية. وقال تحالف Kick Big Polluters Out إنه بالمقارنة مع قمة المناخ الرقم 27 العام الماضي، والتي عقدت في مصر، سُجّل أربعة أضعاف عدد الأشخاص الذين لديهم علاقات بالوقود الأحفوري، في حين أن إجمالي الحضور ارتفع بمقدار ثلاثة أضعاف تقريبًا.
ما علاقة سيطرة مقاولي النفط على القرارات المتعلقة بتغيير المناخ؟
تعكس هذه الأعداد الكبيرة لمقاولي وشركات الوقود الأحفوري طريقة استثمار صناعة النفط والغاز العالمية، للتأثير على استجابة العالم لتغير المناخ، خصوصًا اذا ما عرفنا أن دولة الإمارات العربية المتحدة الغنية بالنفط، و"المضيفة لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين"، عيّنت سلطان الجابر الذي يدير شركة النفط المملوكة للدولة وشركة للطاقة المتجددة رئيسًا للقمة. وقد دافع فريق الجابر بكل قوة عن إمكانات الوقود الأحفوري، ورحب بشركات النفط في المفاوضات حول صفقات لخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري؛ على حد زعمه.
وبالمثل، أعطى آلان أرمسترونج، الرئيس التنفيذي لشركة ويليامز العملاقة لخطوط الأنابيب، شركات النفط صك براءة من مسؤولية تلوث المناخ، وقال إن المديرين التنفيذيين "سئموا من أن يقال لهم إنهم أشخاص سيئون؛ لأنهم جزء من صناعة الوقود الأحفوري، في حين أن لديهم الكثير ليقدموه بشأن خفض الانبعاثات".
بالمقابل، ردّ تحالف "Kick Big Polluters Out" "اطردوا كبار الملوثين" على مشاركة أصحاب المصالح النفطية في المؤتمر، في رسالة وجهت إلى الصحفيين الحاضرين في القمة، قال فيها: "على مدى 30 عامًا، أنكرت صناعة النفط وخدعت وأخّرت العمل المناخي في [الأمم المتحدة] وعلى كل مستوى حكومي.. ومع ذلك، فقد عاملت هذه الهيئة -أي القمة- هؤلاء الممثلين السيئين المخادعين، والذين يخدمون أنفسهم والمتحايلين، بمقعد على طاولة ليس من شأنهم أن يكونوا عليها".
ماذا يقول العلماء عن خطورة حرق الوقود الأحفوري على المناخ؟
خلص علماء البيئة الذين اجتمعوا، بدعوة من الأمم المتحدة، إلى أن حرق الوقود الأحفوري هو المحرك الرئيسي لتغير المناخ. وقال تقييم تفصيلي للأمم المتحدة، صدر في سبتمبر/أيلول الماضي، إن العالم ما يزال بعيدًا عن المسار الصحيح في جهوده لوقف هذه الظاهرة، وأن التوسّع بقوة في استخدام الطاقة المتجددة والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، يعدّ من بين أفضل الطرائق لتجنب أسوأ عواقب الاحتباس الحراري العالمي.
ما هي مهمة تحالف ""اطردوا كبار الملوثين"؟
يضمّ تحالف Kick Big Polluters Out "اطردوا كبار الملوثين" أكثر من 450 منظمة من جميع أنحاء العالم. كما يحظى بتأييد مجموعات ناشطة، مثل Greenpeace وCode Pink، لمنع الشركات النفط من المساعدة في كتابة القواعد المتعلقة بسياسة المناخ أو تمويل الجهود للقيام بذلك. وهناك جزء من نشاطه، يقوم بانتظام بمراجعة القوائم الرسمية لمندوبي مؤتمر الأطراف، والتي تشمل الحاضرين من الحكومات وهيئات الأمم المتحدة والمنظمات الحكومية الدولية ووسائل الإعلام.
من هنا، صنّف التحالف المندوبين الحاضرين في القمة ثلاث فئات:
- الأولى، تضمّ ممثلين عن صناعة الوقود الأحفوري إذا أدرجوا انتماءهم أو عضويتهم، في شركة وقود أحفوري أو جمعية تجارية، أو في بعض الأحيان في شركات تربطها علاقات بصناعة النفط فقط.
- الفئة الثانية، تحوي العديد من المديرين التنفيذيين من شركات، مثل شركة النفط العملاقة "إكسون موبيل" وشركة تعدين الفحم "جلينكور".
- الفئة الثالثة، تشمل مندوبين عن شركات المنتجات الاستهلاكية، مثل "بيبسيكو" و"نستله"، أو شركات الطاقة التي قامت باستثمارات كبيرة في مصادر الطاقة المتجددة، مثل سيمنز للطاقة وأورستد.
أما الملفت، فهو أن المجموعات التجارية كانت أكبر وأقوى جماعات الضغط المتعلقة بالوقود الأحفوري في مؤتمر المناخ، وأحيانًا فاقت عدد الشركات الفردية بكثير. ويأتي، في مقدمتها، الرابطة الدولية لتجارة الانبعاثات ومقرها جنيف - وهي مجموعة أعمال مكرسة لتجارة الائتمان كوسيلة لخفض الانبعاثات - وهي تألفت من 116 شخصًا من شركات حضرت المؤتمر، بما في ذلك شركتا النفط الكبريان Shell وEnergies Total.
في المحصلة، إذا كان رئيس قمة المناخ، هو نفسه من يتربع على رأس أكبر شركة نفطية، والمشاركون جلّهم مثله، أي أنهم مرتبطون بصناعة النفط، فهل ينجح هؤلاء باقناعنا فعلًا أنهم سيضعون قضية المحافظة على البئية والمناخ في مقدمة اهتماماتهم وأولوياتهم على حساب مصالحهم وشركاتهم النفطية التي تدرّ عليهم مليارات الدولارات؟
الأمر كمن يوكل الذئاب بمهمّة حراسة قطيع الأغنام.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
01/10/2024