نقاط على الحروف
الماراثون الإعلامي للقيصر.. ورسائله حول غزّة وأوكرانيا
د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي
في الوقت الذي كان فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يستجدي أعضاء الكونغرس الأمريكي لإقرار حزمة مساعدات بقيمة 60 مليار دولار محذرًا من خطر خسارة بلاده للحرب، ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخميس 14 كانون الأول /ديسمبر في حفل إعلامي ماراثوني استعراضي مُتعمّد ــــ تضمن مشاركة هاتفية مباشرة للناخبين مع بوتين ـــ وجّه خلاله رسائل متعددة للغرب وللولايات المتحدة خصوصًا، كما حضرت فيه فلسطين ومذابح غزة، فضلًا عن إعلان إيمانه بأن روسيا ستنتصر بالنهاية.
وعلى النقيض من العام الماضي، عندما غاب الماراثون التلفزيوني السنوي وبرنامج الاتصال الهاتفي، كان خطاب بوتين يوم الخميس مفعمًا بالثقة، خصوصًا أنه استخدم اللغة الوطنية الكفيلة بإعادة انتخابه كرئيس في زمن الحرب، مع قاعدته المتماسكة بشهادة الخبراء الغربيين.
وفي خطوة لها دلالات تتعلق بالداخل الروسي ومسار الحرب، تلقى الزعيم الروسي عشرات الأسئلة من الجنود الذين كانوا يرتدون الزي الرسمي على خط المواجهة، والمراسلين العسكريين والناشطين، الذين ردد بوتين أمامهم "أننا نخوض معركة وجود روسيا".
ما تجدر معرفته، أن الحفل الإعلامي المشترك، نُظّم في منطقة جوستيني دفور، وهي تستخدم الآن كقاعة للمعارض والمؤتمرات بالقرب من الميدان الأحمر، حيث تحتفظ الأجهزة العسكرية والأمنية بدفاعات جوية هائلة.
ماذا عن الإجراءات الأمنية؟
كانت قواعد الدخول إلى المؤتمر الصحفي تشبه عبور الحدود الدولية في أثناء الوباء: اختبار فيروس كورونا، واختبارات الأنفلونزا A وB مع إرسال النتائج مباشرة إلى الكرملين وجواز السفر، ونموذجين من الاعتماد الصحفي.
إضافة إلى ذلك، مرّ الحاضرون عبر أربع نقاط تفتيش أمنية وتم إعطاؤهم قائمة تضم 26 مادة محظورة وقد ضمت: الأعلام، وسائل التنكر، الأجهزة المشعة، والمواد الكيميائية السامة منها والمنزلية، المخدرات والحيوانات، طائرات بدون طيار، الدراجات، المواد الغذائية وزجاجات المياه، والأسلحة والألعاب النارية.
كيف تعامل بوتين مع أسئلة الجمهور الروسي؟
بدا الرئيس الروسي متصالحًا مع ذاته بشأن الوضع الاقتصادي في بلاده، كأي دولة أوروبية تواجه مصاعب جمة. ومع ذلك، عندما واجهه الناخبون مرارًا وتكرارًا بسيل من الأسئلة حول ارتفاع الأسعار، توجه إليهم بالاعتذار مشيرًا إلى خلل في عمل الحكومة.
الأكثر أهمية، هو أن أغلبية الأسئلة دارت حول موضوعات أكثر حساسية، وبثت على الهواء مباشرة عبر الرسائل النصية، إلى حد قول أحدهم: سيدي الرئيس، متى ستكون روسيا في الحقيقة مشابهة لصورة روسيا على شاشات التلفزة؟ لا داعي أن تترشح للانتخابات، أفسح بالمجال لشخص أصغر سنًا".
ما كانت رؤيته لواقع الجبهة؟
في وقت مبكر من البرنامج الذي أطلق عليه اسم "نتائج العام مع فلاديمير بوتين"، وصف الرئيس الروسي الحرب في أوكرانيا بأنها "مأساة كبيرة تشبه الحرب الأهلية بين الإخوة"، مؤكدًا أن جنوب شرق أوكرانيا كان تاريخيًا روسيًا، وموضحًا أن "كييف رفضت قبول علاقات طبيعية مع روسيا"، واتهم "الولايات المتحدة وأوروبا بتسهيل الصراع ودفعنا إلى مأساة".
بعدها تناول مديرو المؤتمر بسرعة، إحدى أكثر القضايا حساسية، أي التعبئة العسكرية. حيث استبعد بوتين موجة تجنيد إجبارية أخرى، مشيرًا إلى أن حملة وزارة الدفاع الروسية لجذب الجنود المتعاقدين نجحت بتجنيد 486 ألف رجل، مؤكدًا أن هناك 1500 رجل يلتحقون بالخدمة العسكرية كل يوم.
وتوقف بوتين مطولًا عند المعركة التي تخوضها بلاده مع الغرب الأطلسي، قائلًا إنه لن يكون هناك سلام مع أوكرانيا "إلا عندما نحقق أهدافنا" وهي "إزالة النازية" و"تجريد البلاد من السلاح"، فضلاً عن حياد أوكرانيا في إشارة إلى أن كييف من المفترض أن تكون خارج حلف شمال الأطلسي، الذي تأمل بالانضمام إليه.
وفي الشق الميداني، أعلن بوتين أن قواته على طول خط التماس تقريبًا تعمل على تحسين وضعها، وجميعها تقريبًا في مرحلة نشطة من العمل، مشيرًا إلى أن الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا "لم ينجح" وأنه واثق من أن الدعم الغربي لأوكرانيا سينهار في نهاية المطاف.
وإذ قدّر بوتين أن القوة الروسية الحالية في أوكرانيا تبلغ 617 ألف جندي، رجّح الخبراء العسكريون الغربيون أن تكون ثقة بوتين في قدرته على الصمود أكثر من أوكرانيا والغرب في ما يُعرف الآن بحرب الاستنزاف التي تدخل عامها الثالث، تنبع من التكتيك الدفاعي الذي استخدمته القوات الروسية طوال العام، حيث احتفظت بمواقع خلف تحصينات جيدة التجهيز، وزودت خط المواجهة بقوات جديدة.
ماذا عن موقفه من حرب الإبادة على غزة؟
حوّلت الحرب الدموية في غزة المصحوبة بالمذابح والمجازر غير المسبوقة في التاريخ الحديث الانتباه عن أوكرانيا، إذ تلقف بوتين الفرصة محملًا مسؤولية ما يحصل في الشرق الأوسط وفلسطين إلى السياسة الأمريكية بالدرجة الأولى، مطلقًا المقارنة التالية: "انظر إلى العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وانظر إلى ما يحدث في غزة ولاحظ الفرق، لا يوجد شيء مثل هذا في أوكرانيا"، كما أعرب عن استعداده لفتح المستشفيات روسية في غزة.
في المحصّلة، استخدم بوتين الذي يكمل عامه الرابع والعشرين كزعيم سياسي أعلى لروسيا، هذا الحدث الذي جرى تنظيمه بكفاءة عالية لتوضيح رؤيته للسياسة الداخلية والخارجية والرئاسة، وقد لاقى بحسب المراقبين نجاحًا باهرًا لا سيما أنه جاء على أبواب الانتخابات الروسية وقد استغله بوتين بمهارة، وهو ما ظهر من خلال التفاعل بين الرئيس وجمهوره، فضلًا عن التهافت الإعلامي الكبير لمواكبته.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
01/10/2024
طيف السيد نصر الله سيبقى يلاحقهم ويرعبهم
30/09/2024
وعلى طريق القدس مضيت!
29/09/2024
الدم ذخيرة المسيرة، والنصر نصر الله...
28/09/2024