نقاط على الحروف
"اليوم العالمي للتضامن".. ما أوقحهم!
ليلى عماشا
تحت عنوان "اليوم العالمي" يندرج سيل من العناوين البرّاقة التي تغلّف حقائق مريعة وأكاذيب مهولة، وارتكابات لا تتناقض مع العنوان فحسب، بل تنتهك كلّ المفاهيم والمعايير الإنسانية بشكل فاضح. من هذه الأيام مثلًا، اليوم، عشرون ديسمبر، هو اليوم العالمي للتضامن الإنساني، والذي أعلنته الجمعية العامّة للأمم المتحدة، على أساس أن التضامن قيمة إنسانية يجب تعزيزها لمكافحة الفقر حول العالم وتعزيز المشاركة بين الشعوب على اختلافها بهدف تحقيق المساواة بين الناس.
الطرح جميل جدًا. والعنوان برّاق وموحٍ بأن القيّمين على هذا المحفل الأممي مؤتمنون حقًا على صياغة القيم والمفاهيم الإنسانية العالية.. ماذا لو أزلنا القشرة البرّاقة الواهية، واستعدنا القليل ممّا ارتكبه هذا العالم في بلادنا، وبشكل خاص فيما يتعلق بالفقر والفقراء.
- قام البنيان الإقتصادي للدول الكبرى على نهب ثروات بلاد منطقتنا ومقدراتها، سواء بالاستعمار المباشر أم بتشغيل أنظمة حاكمة خاضعة لها. تقاسموا المنطقة كما لو أنّها ميراث لهم، وبذلك أوقعوا الألاف من الأشخاص تحت خط الفقر، ثمّ بوقاحة بين الفينة والأخرى يرسلون المساعدات عبر جمعيات غير حكومية هم يديرونها، ولغايات سياسية واستعمارية وليست إنسانية، بأي شكل من الأشكال.
- حاصرت الدول الكبرى دولنا بهدف إفقار الشعوب وبالتالي الضغط على الأنظمة والتحريض عليها، والإفقار هنا يعني التضييق على كل إمكان للحصول على الغذاء والدواء، والأمثلة على ذلك كثيرة، من حصار الجمهورية الإسلامية في إيران إلى قانون قيصر، مرورًا بحصار اليمن.
- عبر تشغيلها للأنظمة وسيطرتها عبر سفرائها على مفاصل الدول التي تستهدفها، تقوم دول عالم الشر بتصنيع الأزمات الإقتصادية، والتي تهدّد الأمن الاجتماعي والصحي للسكان، ولدينا في لبنان أكبر مثال على ذلك وهو الأزمة المعيشية المتوحشة التي تعصف بلبنان في السنوات الأخيرة، والتي منعت القدرة الشرائية عن معظم اللبنانيين.
- هل اكتفت هذه الدول الفاعلة، في الأمم المتحدة والفصيحة في المحاضرة بالتضامن الإنساني، بالنهب والحصار وصناعة الأزمات؟ طبعًا لا. فالطمّاع لا يكتفي، والسارق لا يشبع، والطاغية يخشى المقاومات التي تصدّه وتمنعه عن تحقيق غاياته الاقتصادية الناهبة.. ماذا فعل، هذا الوحش المتحدّث عن التضامن الإنساني والمحتفي به في يوم عالميّ؟ أسّس له معسكرًا على أرض فلسطين، سمّاه "اسرائيل"، يستخدمه كأداة للقتل والتهجير. جميل العالم الذي يتغنّى بالتضامن الإنساني من أجل الفقراء فيما يقوم، في الوقت نفسه، بقتل الناس بعد حصارها ومنع الماء والغذاء والدواء عنها!
كلّ الذي يجري علينا اليوم، كلّ الذي يُرتكب بحقّ أطفالنا، كلّ الانتهاكات التي تطال البشر والحجر في بلادنا، هي من صنع أولئك الذين يضعون رزنامة الأيام العالمية، ويأتون إلينا ليعلّمونا أنّ التضامن هو قيمة إنسانية، وأن علينا تقليدهم في تطبيقه!
بين وقاحتهم وغباء عنجهيتهم، لو وُجد من بينهم إنسانٌ حقيقيٌ، لأدرك أن كلّ القيم الإنسانية يختصرها اسم شهيد من شهدائنا، وعيون طفل من أطفالنا، وصبر الأمهات وعزّة الأباء.. لو شاء هذا العالم فعلًا أن يدرك معاني الإنسانية في أعلى درجاتها، فليتعلّمها من تاريخنا، من حاضرنا، ومن سمانا النوّارة بالأقمار الشهداء.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
25/11/2024
بيانات "الإعلام الحربي": العزّة الموثّقة!
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024