طوفان الأقصى
من المسؤول عن استهداف السفينة "الإسرائيلية" قبالة السواحل الهندية؟
حيّان نيّوف
يوم السبت الفائت تناقلت وسائل الإعلام الغربية والهندية نبأ استهداف ناقلة نفط، في المحيط الهندي جنوب غرب البر الهندي وعلى بعد 200 ميل من الساحل، وذلك بطائرة مسيّرة؛ حيث أعلنت شركة أمبري للأمن البحري- وهي شركة بريطانية- أنّ السفينة صدمتها طائرة مسيّرة قبالة الساحل الغربي للهند، ما أدى إلى نشوب حريق على متن السفينة فأُخمد، وهي ناقلة منتجات كيماوية وترفع العلم الليبيري، من دون وقوع إصابات بين أفراد الطاقم، وأن السفينة تابعة لـ"إسرائيل" وكانت متجهة إلى الهند في ذلك الوقت، فيما أعلنت الهند أنها أرسلت طائرة استطلاع وسفينة لتفقد الحادثة.
وتعليقًا على الحادثة، سارعت الدول الغربية، بشكل متزامن، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا بالإضافة إلى الكيان الصهيوني لإصدار بيانات تتهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالوقوف وراء الحادثة.
فقد أصدر البنتاغون بيانًا قال فيه إن الطائرة المسيّرة انطلقت من إيران، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الكيان الصهيوني الذي قال إن الطائرة المسيّرة إيرانية، بينما طالبت بريطانيا بالوقوف في وجه الأعمال العدائية "الخبيثة" لإيران بحسب وصفها، وهذه هي المرّة الأولى التي تتهم فيها واشنطن طهران بالهجوم على إحدى السفن بينما كانت في السابق تحمّلها مسؤولية الهجمات التي تقع منذ انطلاق عملية طوفان الاقصى وقيام البحرية اليمنية بمهاجمة السفن الإسراىيلية أو السفن المرتبطة بالكيان، ولطالما نفت طهران مسؤوليتها عن ذلك وأكدت في أكثر من مناسبة بأن مكوّنات محور المقاومة تتخذ قراراتها بنفسها ولا تنفذ أوامر طهران.
في قراءة للحادثة ولخلفيات الموقف الأمريكي تحديدًا، والغربي عمومًا، فإنه يمكننا استنتاج ما يلي:
١- إن محور المقاومة بكل مكوناته كان حريصًا منذ انطلاق عملية طوفان الاقصى وما تلاها من مواجهات على الإعلان، بشكل صريح وواضح، عن العمليات العسكرية كافة التي ينفذها، سواء في غزة أم انطلاقًا من جنوب لبنان أم من العراق أم من اليمن.
٢- إن القوات المسلحة اليمنية أعلنت، بشكل واضح وصريح، بأنها ستستهدف السفن الإسرائيلية والسفن المرتبطة بالموانئ الإسرائيلية في البحر الأحمر وباب المندب وبحر العرب، ولم تأتِ على ذكر المحيط الهندي بشكل كامل، وهي تقوم في كل مرة بالإعلان عن كل عملية تنفذها في هذا الإطار.
٣- إن الولايات المتحدة التي أعلنت عن تشكيل تحالف بحري لمواجهة اليمن في البحر الأحمر وبحر العرب وباب المندب، أصيبت بخيبة كبيرة جراء تمنّع العديد من الدول عن الدخول في هذا التحالف، ومن ثم إعلان دول أخرى انسحابها منه، وهو ما اضطرها للإعلان لاحقًا بأنها لم تتخذ قرارًا ببدء عمليات هذا التحالف.
٤- إن واشنطن أصيبت بالهيستريا جراء العجز عن مواجهة التحدي اليمني لها في البحر الأحمر الذي تنظر له واشنطن كواحد من أهم شرايين التجارة العالمية وخاصة الطاقة.
٥- إنّ الحصار البحري اليمني للكيان الصهيوني من الجنوب بات أمرًا واقعًا لا مفرّ لواشنطن و"تل أبيب" منه إلا بوقف العدوان على غزة والرضوخ لشروط اليمن.
٦- إن الموقف المشرّف والبطولي لليمن تسبّب بارتفاع تكاليف التأمين للسفن بنسبة وصلت إلى 226% وما يعنيه ذلك من ارتفاع تكاليف النقل وأسعار المواد، بالإضافة إلى اضطرار العديد من شركات النقل البحري الغربية إلى تغيير خط سير سفنها نحو الجنوب ورأس الرجاء الصالح، وما يعنيه ذلك من زيادة في تكاليف النقل أيضًا وزيادة التضخم الذي تسعى واشنطن لتخفيضه.
٧- إن واشنطن التي لا تريد للعدوان على غزة أن يتوقف وفقًا للظروف الحالية للمعركة وما وصلت إليه لأن توقّفه حاليًا يعني اعترافًا بهزيمتها وهزيمة حليفتها "اسرائيل" وتثبيتًا للواقع الجيوسياسي الجديد الذي فرضته نتائج الصراع، وتثبيتًا لمعادلات الردع والاشتباك الجديدة في الإقليم عامة.
أمام هذا الواقع، فإنّ واشنطن تدرك بأن العالم سيبدأ بالبحث عن طرق وممرات جديدة للتجارة أكثر أمانًا وأقلّ كلفةً، بما فيهم حلفاء الولايات المتحدة الغربيين وخاصة أوروبا ودول الخليج، ولأن واشنطن تعلم بأنه لا يوجد ممر تجاري بديل جاهز وقابل لأن يكون بديلًا عن ممر البحر الأحمر سوى ممر شمال-جنوب الذي يربط الهند بروسيا عبر إيران، فإنها باتت تشعر بالهلع من لجوء العالم إلى هذا الممر البديل والأقصر مسافةً والأقل كلفةً، وهي أي واشنطن لطالما سعت لعرقلة هذا الممر وإفشاله من دون جدوى، وخاصة بأن الممر "الهندي الشرق أوسطي الأوروبي" الذي اقترحته واشنطن للربط بين آسيا وأوروبا عبر الشرق الأوسط ما يزال حبرًا على ورق، وخاصة بعد طوفان الأقصى.
واستنادًا إلى كلّ ذلك؛ فإنّه من غير المستبعد أن تكون واشنطن هي من تقف خلف حادثة استهداف ناقلة النفط قبالة السواحل الهندية بطائرة مسيّرة وسارعت وحلفاؤها إلى اتهام إيران بالحادثة وذلك ظنًا منها أن ذلك سيتيح لها إعادة خلط الأوراق وتحقيق بعض الأهداف الخبيثة، والتي يمكن اختصارها بما يلي:
١- تخريب العلاقات الهندية- الإيرانية المتطورة، وبالتالي التأثير على عمل وانطلاقة ممر شمال - جنوب.
٢- الإيحاء بأنّ ممر شمال-جنوب هو ممر غير آمن بسبب "الاعتداءات الإيرانية"، وبالتالي عدم الثقة بإيران.
٣- التأثير على العلاقات الإيرانية- الروسية، خاصة أنّ روسيا تنظر لممر شمال جنوب على أنّه شريان استراتيجي لها في ظل العقوبات الغربية، وكذلك هو بالنسبة إلى إيران.
٤- تجيير الحادثة من أجل الدفع بالهند للانضمام إلى التحالف البحري الذي شكّلته واشنطن في البحر الأحمر وباب المندب، وخاصة أن الهند كان لها موقف أولي غير إيجابي من طوفان الأقصى.
٥- الضغط على دول الخليج العربية عبر الإيحاء بأن إيران تستهدف خطوط الملاحة بينها وبين الهند، وبالتالي محاولة إعادة التوتر للعلاقات السعودية- الإيرانية خاصةً.
أخيرًا؛ فإنّه لا بد من الإشارة لجزئيتين مهمتين من الناحية الإعلامية، وهما تثيران الشبهة حول مسؤولية واشنطن أو حلفائها عن الحادثة:
الأولى: تتعلق بأنّ مصدر الخبر المتعلق بحادثة ناقلة النفط الإسرائيلية المستهدفة قد أعلنت عنه شركة أمبري البريطانية للأمن البحري أولًا، والتي يبدو أنها أول من عاينت السفينة المستهدفة.
الثانية: تتعلق بسرعة الإعلان الغربي/الإسرائيلي عن أن السفينة المستهدفة هي سفينة اسرائيلية ولطالما اعتادت واشنطن و"تل أبيب" على تكذيب البيانات اليمنية التي كانت تعلن استهداف سفن اسرائيلية وتصرّان على أنه لا علاقة لـ"إسرائيل" بالسفن المستهدفة، فما الذي جرى ليسارعوا اليوم للاعتراف بهوية السفينة المستهدفة؟
إقرأ المزيد في: طوفان الأقصى
22/12/2024