نقاط على الحروف
القائد وخلاصة التجربة
أحمد فؤاد
يمكننا الذهاب، بكثير من التجرد والواقعية، إلى وصف خطاب آية الله العظمى سماحة القائد الإمام السيد علي الخامنئي في لقاء أهالي مدينة قم بمناسبة ذكرى "انتفاضة 19 دي"، بأنه خطاب خاص في مناسبة خاصة، خطاب إلينا ونحن نخطو إلى استكمال مئة يوم من الذروة العالية لحرب الإرادة التي نخوضها ضدّ حماقة القوّة الصهيونية وغطرستها، ووراءها مخطّطات الهيمنة الأميركية المتجبرة، وخطاب انطلق من واحدة من ملاحم التاريخ، الثورة الإسلاميّة، أيضًا جاء بـ"روشتة انتصار كامل"، صار بإمكان القلوب تصوره، ورسم شكل حدود هذا الميلاد الجديد وإمكاناته.
المناسبة الخاصة التي استدعاها سماحة القائد هي الانتفاضة الشعبية التي تمخضت عنها الثورة الإسلاميّة، أهم وأرقى عمل إنساني في هذه المنطقة، وأعظمه قدرة على تغيير مصائر الأفراد والشعوب، وحتّى نفاذًا إلى أعماق فكرة كسر الهيبة الأميركية وتحطيمها، ومنح الثورة، بذاتها ولذاتها، خلاصة خلاصات الحكمة والإيمان، وكانت كذروة عالية لصراع المنطقة مع الولايات المتحدة، قد حققت بقيادة الإمام الخميني –قده - أمرين متكاملين في اللحظة الأولى لنجاحها، فهي قد خصمت من حصة الأميركي أهم وأقوى حلفائه، ثمّ إنها وضعت كلّ إرادة شعبها وموارد قوتها وإمكاناتها وموقعها الفريد سيفًا مصلتًا على رقبة مشروعه الإمبراطوري بأكمله، إضافة إلى ما كسبته لنفسها من احترام ونفوذ ومكانة دولية وإقليمية تنمو وتتسع وتتمدد مع الأيام والسنوات.
في هذه الأيام المباركة 1978 انتفضت مدينة قم على الطاغوت، وبالرغم من القمع المروّع الذي لا يعرف حدودًا يقف عندها، فقد كانت تجربة يقظة إنسانية هائلة، حية متجددة، ومندفعة بآمال الخلاص من الشاه وحكمه، قبل أن تستكمل رسم صورة الجمهورية الإسلاميّة كلها في الثورة 1979، وكانت هذه الجماهير هي الفاعل الحقيقي الذي وقف أمام جيوش الظلام والخوف، بقيادة الإمام الخميني ونظرته وقدراته القيادية النادرة، فكان أن حولت صيحة الثأر إلى راية منتصرة بعد 13 قرنًا من الزمان.
يخبرنا سماحة الإمام القائد بالدرس التاريخي الأبسط والأعمق، المؤمن في موقع القوّة دائمًا، منتصر قبل الحرب، وفي الحرب، وبعد الحرب، منتصر مهما كانت حسابات الغير، ومنتصر مهما كان اعتلال معاييرهم المختلة وقصر نظرها عن المعاينة، وسماحة القائد لا يروي درس الثورة الإسلاميّة قبل 4 عقود، لكنّه يستشف من الأيام الحالية بالذات، والصراع الناشب الآن نتيجته قبل أن تُحسم، ويؤكد من جديد أن المنطقة قد تغيرت عما كان يفهمه الأميركي، وهي لن تتسع للصهيوني أبدًا.
قال الإمام القائد نصًا: "أنظروا إلى غزّة اليوم، ترون دور حضور الشعب وصموده في حادثة عظيمة، أي مجموعة صغيرة، شعب محدود، مثلًا مليونا شخص في قطعة أرض محدودة فرضوا العجز على أميركا بجبروتها والكيان الصهـــيوني اللصيق بها، هذا الأمر يعني قوة حضور الشعب"، وأضاف سماحته " لقد علّمنا الإمام (الخميني) هذا الأمر وعلّم الشعب بأنّ وجوده في الساحة يخلق المعجزات. الإمام أثبت ذلك للشعب الإيراني كله بالأفعال والكلمات والمنطق والحجج في عامي 1962 و1963".
ووضع القائد أمام من يريد أن يفهم النقاط على الحروف الناقصة في الوضع الحالي، ونتيجة التضحيات الهائلة التي تدفعها الأمة ومحور المقاومة بالذات على المستقبل الممكن والقريب جدا، قائلًا إن: "انتفاضة أهالي مدينة قم شكّلت منعطفًا حاسمًا في تاريخ الثـورة الإسلاميّة، أدى بعد عام إلى انتصارها". وقال: "في 9 كانون الثاني/يناير (العام 1978)، خرج أهالي قم إلى الشوارع، وتعرضوا للقمع – على يد جلاوزة النظام البائد - واسـتشهد بعضهم ودخل بعضهم الآخر السجن، لكنّها كانت بداية حراك أدى إلى إسقاط نظام عميل مستكبر ظالم في غضون عام واحد فقط".
كان القائد كعادته هادئًا واثقًا باسمًا كطبيعته، يزرع الطمأنينة ويوزعها كعادته، في كلّ خطاباته الأخيرة، بالدعوة الصادقة للتمسك بالأمل، كون إنسان هذه المنطقة يملك مشروعًا رافضًا للهيمنة ومعادٍ لها من أعماق روحه ومن صميم قلبه، قد يتعثر هذا الانتصار أو يتأخر، بفعل مؤامرات الشيطان الأميركي وتابعه، أو خذلان توابع توابعه الحكام العرب للإنسانية والشرف والدين، المهم إننا نملك مشروعًا ودفعنا ثمنه دمًا، هو أغلى الدم، وأثبت محور المقاومة في وجه أعتى الاختبارات وأقساها صلابته ونقاءه ومعدنه الأصيل، وهو فوق ذلك يحوز الثقة الشعبية الواسعة المطلوبة التي أصقلتها تجارب الجمر والنار وسنوات الحروب الشاملة.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
02/12/2024
كيف حقّقت المقاومة نصرها العسكري والسياسي؟
30/11/2024
قراءة في خطاب النصر!
28/11/2024
شواهد من يوم النصر الأعظم
28/11/2024
نصرك هز الدنيا.. ولو بغيابك يا نصر الله
28/11/2024