طوفان الأقصى
أين وصلت المعركة بعد مئة يوم من الطوفان؟
حيّان نيّوف
أين وصلت المعركة بعد مئة يوم من الطوفان؟ لعلّ هذا هو السؤال الأهم والأكثر إلحاحًا اليوم لدى معظم المتابعين لمعركة طوفان الأقصى وتداعياتها المحلية والإقليمية والدولية بعد 100 يوم على انطلاق هذه الملحمة البطولية على يد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، وما تبعها من تطوّرات في الأيام الأولى لها وامتدادًا إلى ما وصلت إليه اليوم.
لتقديم نظرة دقيقة لاتجاهات الأمور، لا بد لنا من تصنيف لتطورات ومراحل الأحداث منذ السابع من اكتوبر الفائت إلى اليوم، وهذا التصنيف لا بد أن يأخذ بالاعتبار ماهية الحدث وموقعه في المعركة والتأثير الناتج عنه.
واستنادًا الى ذلك، يمكننا القول إن كلّ ما شهدناه منذ انطلاق تلك الملحمة على الصعيد الميداني أو السياسي يمكن تصنيفه وفق الآتي:
• حدث استراتيجي له أثر استراتيجي.
• حدث تكتيكي له أثر استراتيجي.
• حدث تكتيكي له أثر تكتيكي.
في الصنف الأول؛ فإن الحدث الأهم هو عملية طوفان الأقصى ذاتها، فهي عملية استراتيجية على صعيد القضية الفلسطينية أولًا، وعلى صعيد الصراع العربي - الإسرائيلي، وكذلك على صعيد الجغرافيا السياسية والاقتصادية والتجارية.
في الصنف الثاني؛ فإن الأحداث عديدة، ونذكر منها: القرار اليمني باستغلال الجغرافيا البحرية لفرض شروط ميدانية وسياسية لها أثر استراتيجي، والأمر ذاته ينطبق على عمليات المقاومة العراقية التي تمثل فعلًا تكتيكيًا لا تخلو نتائجه من أثر استراتيجي سواء على أمن الكيان الصهيوني أو على تواجد الاحتلال الأميركي في الإقليم. والفعل التكتيكي الثالث هو دخول المقاومة الإسلامية في لبنان على خط المواجهة منذ اليوم الثاني للطوفان، وهو دخول تكتيكي داعم ومساند للمقاومة في غزّة شأنه شأن الدخول اليمني والعراقي اللذين لحقا به، وهذا الدخول اللبناني كان له مفعول استراتيجي ايضًا يتعلق بالدرجة الأولى بالنتائج العسكرية له وخاصة انكشاف الكيان الصهيوني أمنيًا وعسكريًا.
في الصنف الثالث؛ فإنه لا يمكن حصره بفعل محدد أو موقف محدد، والأحداث التي دلت عليه كثيرة سياسيًا وميدانيًا، وخاصة المتعلق منها بمسار المعارك في الميدان وإفشال المخطّطات السياسية للأميركي والإسرائيلي.
إن هذا التصنيف يمكّننا من مقاربة مواقف محور المقاومة بكامل مكوناته طوال فترة المعركة بعيدًا عن الغوغائية وعن الحماسة الزائدة التي يمكن أن نقع بها في التقدير، ويجيب على العديد من الأسئلة التي تدور في أذهاننا حول تلك المواقف، ويقدم تفسيرًا لكل خطوة يقوم بها المحور على الصعيدين السياسي والميداني بحكمة وثبات وبأس وتروّي.
وبالأمس، كان لجمهور المقاومة ولأعدائه ولكل متابع، موعد مع الخطاب الرابع منذ انطلاق طوفان الأقصى للأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله خلال الاحتفال التكريميّ بذكرى مرور أسبوع على استشهاد القائد الجهادي وسام حسن طويل "جواد". وكعادته لم يبخل السيد على جمهوره ومتابعيه بالكثير من المواقف المفصلية التي أطلقها والتي غطّت مسار الأحداث واتجاهات المواجهة.
يمكن الإضاءة على بعض تلك المحطات المفصلية في كلام السيد واستشراف خلفياتها وأثارها سياسيًا وميدانيًا، تكتيكيًا واستراتيجيًا، وكل ذلك في إطار ما وصلت إليه المعركة وتوجهاتها:
• كان واضحًا أن خطاب السيّد بدا وكأنه باسم محور المقاومة ككل.
• خطاب السيّد أصاب مخطّط بلينكن الجديد بمقتل وسدد ضربة قاصمة لمراوغات هوكشتاين، وأعاد المعركة إلى المعادلة الأهم "أوقفوا الحرب على غزّة أولًا".
• البحر الأحمر كان حاضرًا بقوّة في خطاب السيّد، هذا يعني بأنّ الردّ على العدوان الذي استهدف اليمن آتٍ لا محالة وربما ليس بعيدًا، ويعني بأن هذا الممر المائي جزء لا يتجزأ من استراتيجية محور المقاومة.
• إن إشارة السيّد إلى عملية استهداف المقاومة العراقية لمدينة حيفا، بدا كأنه رسالة تهديد واضحة، مفادها "قادرون على إدخال حيفا في معادلة الصراع متى نشاء، وندرك بأن حيفا هي التي ستقلب المعادلات إن لم ترتدعوا"، وبمعنى آخر "الرضوخ أو استهداف حيفا" بكل ما تعنيه حيفا للإسرائيلي ولحلفائهم الإقليميين وغير الإقليميين.
• إن إصرار السيّد على وقف العدوان على غزّة قبل أي شيء آخر، بالإضافة الى كونه يهدف لوقف العدوان الهمجي على غزّة وعلى شعبها الفلسطيني الصامد والصابر وإفشال المخطّطات المعدة لها في أقبية القرار الأميركي الإسرائيلي، فإن وقف العدوان يعني أيضًا تثبيتًا لهزيمة واشنطن و"تل ابيب"، وهذه الهزيمة سيبنى عليها أي تفاوض يخص الإقليم ككل لاحقًا.
انطلاقًا من كلّ ذلك فإنه يمكن الوصول إلى تقدير الموقف بعد 100 يوم من المعركة وفق الآتي:
إن حالة الإنسداد الحاصلة "لا حلّ ولا توسيع للمعركة" تسهم في تآكل هيبة الولايات المتحدة الاميركية ليس في الإقليم فحسب، بل وعلى الصعيد العالمي. ومن هنا تتأتى أهمية المطالبة بوقف العدوان على غزّة أولًا، ورفض مناقشة ما دون ذلك قبل وقف العدوان. وإنّ الأميركي المكابر والمصرّ على تغيير نتائج المعركة ومنع تثبيت نتائجها ومنع تثبيت معادلات الردع والاشتباك الجديدة التي أفرزتها، يجد نفسه مضطرًا إلى اللجوء لتصعيد هنا أو هناك وارتكاب حماقة في هذه الساحة أو تلك، بالتزامن مع فشل طروحاته السياسية الخبيثة، وإنّ هذا التصعيد وتلك الحماقات لا تلبس أن تنتهي بردود فعل تكتيكية رصينة ومؤثرة من قبل فصائل محور المقاومة، ثمّ تنقلب لاحقًا إلى تآكل في هيبة الكيان.
إن دائرة الخيارات تضيق أمام الكيان يومًا بعد يوم، وها هو يحاول العودة إلى المربع الأول للهروب من الهزيمة وفقًا لمبدأ "فلتكن الهزيمة اسرائيلية"، لكن "لات حين مناص".
أخيرًا؛ تحية لمحور المقاومة وقادته الذين يقودون المعركة باقتدار وحكمة لا سابق لها، ومنطقيًا؛ فإنه من الخطأ انتظار رد فعل استراتيجي على فعل تكتيكي، فالتكتيك يقابل بالتكتيك طالما أن الصراع طويل.
إقرأ المزيد في: طوفان الأقصى
22/12/2024