آراء وتحليلات
صعوبات المسار السياسي لوقف العدوان واقتراب نذر زوال الكيان
إيهاب شوقي
بعد مائة يوم من العدوان على غزّة وعلى الشعب الفلسطيني بكامل الأراضي المحتلّة، ومع مجمل المواقف والممارسات والتصريحات، تأكدت حقيقة هامة رغم أنها لم تكن بحاجة إلى دليل للتأكيد، وهي أن محور المقاومة هو أوضح المعسكرات وأكثرها شفافية، فهو يقول بالعلن ما يقوله بالكواليس وموقفه هو أكثر المواقف ثباتًا ووضوحًا وشفافية، ناهيك عن أنه أكثرها شجاعة وشرفًا.
فالموقف لخصه سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله، بكلمات بسيطة ومختصرة، وهو أن الهدف هو وقف العدوان على غزّة ثمّ لكل حادث حديث.
بينما المواقف الأخرى لمعسكر العدوان والمنافقين والصامتين عجزًا أو خبثًا، والمتواطئين في السر هي مواقف متناقضة، يمكن رصدها فيما يلي:
1 - الموقف الاسرائيلي يعلن أنه مصمم على تصفية المقاومة ولا يستهدف الشعب الفلسطيني، ويقصف المستشفيات والمنازل وسيارات الإسعاف والصحفيين، ويقتل الأطفال والنساء ويزعم أنه أكثر الجيوش أخلاقية!
وعلى الجانب العسكري، يعلن يوميًّا أنه يحقق نجاحات في طريق القضاء على المقاومة وتحرير أسراه ويهدّد لبنان بالحرب، بينما هو عاجز فعليًّا عن تحرير أسير واحد ولا يمنعه شيء من شن الحرب على لبنان سوى خوفه من المقاومة التي لم ترضخ لتهديداته لا هو ولا رعاته وتمضي في خياراتها بشجاعة وتصميم وإرادة.
2 - الموقف الأميركي المنافق والذي يعلن أنه وسيط رغم قيادته ورعايته وحمايته للعدوان، والذي يعلن تعاطفه مع المدنيين والقانون الدولي في الوقت الذي يرفض فيه ادانة العدوّ وووقف العدوان ويتحدى إرادة 153 من أصل 193 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة بل ويتحدى ثلثي الأميركيين الذين يؤيدون وقف إطلاق النار.
ناهيك عن حماقاته على المستوى العسكري حيث يتورط بنفسه في القتال حماية للكيان الصهيوني بدعوى حماية الملاحة الدولية رغم تداعيات تدخلاته الحمقاء التي قد تغلق البحر الأحمر والمضائق بعد هذه العسكرة التي شكلتها تحركاته.
3 - المواقف العربية الرسمية التي تطالب بوقف القتال دون استخدام ورقة ضغط واحدة، بل وتستمر في تطبيعها مع العدوّ ومناقشة التطبيع المستقبلي المزمع مع بعضها، وتطالب بتوفير المساعدات وإدخالها رغم وجود المعابر السيادية في أراضيها والمفترض أنها مشتركة مع فلسطين وليس مع العدوّ ولا أميركا.
ناهيك عن مواقفها العسكرية والسياسية المساندة لأميركا والعدو الإسرائيلي بمستويات متنوعة استخباريًا ولوجستيًا وعدم مساندة المقاومة ولو سياسيا في جبهات الإسناد وخاصة في اليمن والتي تتطلب موقفًا عربيًا شجاعًا يساند ما تفعله باعتباره المبادرة العربية الأكثر ضغطًا على العالم لتخطيها نطاق الصراع التقليدي وخروجها لما وراء البحار.
وربما هذا الوضوح الاستراتيجي لمحور المقاومة والذي يهدف لتحقيق نصر استراتيجي بإفشال العدوان والحفاظ على المقاومة وخيارها رغم كلّ هذا العدوان المجرم والتواطؤ والخذلان، هو السبب الرئيسي في الارتباك الأميركي والتورط الاسرائيلي في مزيد من الحماقات، لأن اميركا والعدو لا يجدان فرصًا للمساومات والمقايضات والتنازلات التي اعتادوا عليها في تسوية الملفات الدولية وانهاء الحروب.
ورغم أن طلب جبهات محور المقاومة واحد ويمكن تحقيقه بشكل فوري، وهو إعلان وقف إطلاق النار وانهاء العدوان، إلا أنه طلب ثقيل في الميزان الاستراتيجي، وتعلم أميركا جيّدًا ومعها العدوّ الصهيوني، أنه شرط يعني الاعتراف بالهزيمة الاستراتيجية، وتدرك "اسرائيل" جيّدًا أن مستقبلها كله على المحك إذا ما خرجت مهزومة استراتيجيًا في هذه الجولة المفصلية في تاريخ الصراع والتي شهدت متغيرين فاصلين:
الأول: هو العملية الكبرى التي حدثت في السابع من اكتوبر من فصيل مقاوم، وحجم الانكشاف الاستراتيجي والاهتراء الذي بدا عليه الكيان.
الثاني: وحدة الساحات وتضافر جبهات المحور بمستويات متنوعة من التدخل والإسناد رغم كلّ المحاذير والتهديدات والحشد الدولي الذي أعدّته أميركا للحيلولة دون هذا التدخل.
ومن هنا تأتي صعوبة الحل السياسي وما يبدو أنه رفض تام لوقف إطلاق النار من جانب أميركا قبل أن يكون من الجانب الصهيوني.
ولو أردنا تلخيص صعوبات المسار السياسي للحل، يمكن رصد أهمها كما يلي:
1 - افتقاد إدارة للأزمة بل هناك إدارة لتداعيات الازمة، لأن مناقشة أسباب الأزمة تقود إلى حلول غير موجودة على أجندة العدوّ الصهيوني وأولها الاعتراف بأي حقوق فلسطينية وبالتالي بأي شرعية للمقاومة لانتزاع هذه الحقوق.
2 - مع خطورة نذر الانزلاقات الدولية واتساع المعركة وتطورها لحرب إقليمية، إلا أن طبيعة الحرب مع حركات للمقاومة وليس دول كبرى بالمنطقة تغري معسكر الاستعمار بتصفية القضية وتصفية المقاومة وليس التسوية.
3 - صمود المقاومة وتحول الحرب الراهنة إلى معركة استراتيجية صفرية، لا بد وأن ينتصر أحد الطرفين بها استراتيجيًا، لأن المفارقة تتمثل في أن بقاء المقاومة وخيارها ووقف العدوان هو النصر الاستراتيجي لغزّة ومحور المقاومة، بينما الهدف المعلن للعدو هو تصفية المقاومة، وبالتالي تحول وقف إطلاق النار إلى عقدة استراتيجية مفصلية.
4 - ليس أمام أميركا والكيان مع صمود المقاومة وارادتها الصلبة، الا تصدير الأزمة والقفز على الواقع بارتكاب حماقات لن تؤدي إلا إلى مزيد من النزيف الاستراتيجي للكيان وللوجود الأميركي بالمنطقة، وبالتالي فإن هناك حالة من الجمود والشلل في الخيارات.
وقد أشارت مقالات الرأي وتقارير مراكز الأبحاث الأميركية والصهيونية إلى وحدة غير مسبوقة للمجتمع الصهيوني عقب احداث السابع من اكتوبر، حيث توحدت على القضاء على حماس، ومع مرور الوقت بدأ هذا التوحد في التراجع مع بوادر اليأس وثبوت فشل الجيش الصهيوني في تحقيق هدفه المعلن، ومع تداعيات طول فترة الحرب امنيًا واقتصاديًا على "المجتمع" الصهيوني، وهو ما أشار إليه السيد نصر الله في خطابه.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024