آراء وتحليلات
غزّة على شفير المجاعة.. و"تل أبيب" تتحدى الأمم المتحدة
د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي
عرّت حملة الإبادة الجماعية التي ترتكبها "اسرائيل" في غزّة، العالم الذي يدعى بأنه "متحضّر". فمن لم يكن شريكًا وداعمًا لـ"تل ابيب"، فضّل التزام الصمت، وهو يشاهد من نجا من سكان القطاع الذين ألقيت عليهم أطنان من المتفجرات (تعادل قنبلتين نوويتين)، وهم يواجهون خطرًا من نوع آخر متمثّلًا بالمجاعة.
فالاحتلال يحاول من خلال هذا العقاب الجماعي القضاء على من بقي حيًا من أهالي القطاع بشتى الطرق والوسائل، وبالتالي حرمانهم من أدنى حقوقهم وهي الطعام والشراب اللائقين.
ماذا تقول المنظمات الدولية عن المجاعة بغزّة؟
بلغ الوضع الإنساني المتدهور على كافة الصعد في قطاع غزّة مستويات بالغة الخطورة، ما دفع بالأمم المتحدة إلى التحذير من أن المجاعة تلوح في الأفق في تلك البقعة الجغرافية المحاصرة. وتبعًا لذلك، يقدر برنامج الأغذية العالمي أن 93 % من السكان يواجهون مستويات من الجوع. وبينما ينتشر المرض بسرعة، تتوقع منظمة الصحة العالمية أن عدد الشهداء بسبب المرض والجوع يمكن أن يفوق في الأشهر المقبلة، عدد الأشخاص الذين استشهدوا في الحرب حتّى الآن أكثر من 24 ألف شهيد وفقًا لأحدث إحصاء صادر عن وزارة الصحة بغزّة.
كيف تعرقل "اسرائيل" وصول المساعدات للنازحين؟
قبل الحرب، كانت تعبر إلى غزّة قرابة 500 شاحنة يوميًا، تحمل بضائع تجارية. لكن بعد عملية طوفان الأقصى في 7 /تشرين الأول، منعت "إسرائيل" دخول الشاحنات التجارية إلى القطاع. غير أنه وبعد ضغوط دولية وأميركية اضطرت "اسرائيل" إلى تقطير المساعدات، حيث تقول التقديرات الأممية إنه في المتوسط، تمر بين 100 إلى 200 شاحنة إلى غزّة يوميًا، وهذا الرقم المشكوك فيه، لا يكفي حتّى لسكان حيّ في القطاع. وتعقيبًا على ذلك، قال منسق مكتب "اليونيسف" في مصر شيراز شاكيرا إن عودة إدخال الشاحنات إلى غزّة منتصف ديسمبر/كانون الأول "محدودة ومتقطعة".
أكثر من ذلك، تعترف وكالات الإغاثة أن "تل ابيب" تتعمّد وضع العراقيل والمصاعب لإعاقة إيصال المساعدات المنقذة للحياة إلى سكان غزّة، لا سيما وأنها تتحكم بالكامل تقريبًا بها، بل تقع تحت سيطرتها وهذا يعود عاملين أساسيين:
الأول، بطء عملية التفتيش الإسرائيلية للمساعدات وعدم فعاليتها من جهة، ومن جهة ثانية، فإن آليات حماية العاملين في المجال الإنساني غير موثوقة.
الثاني، هناك مساحات واسعة من غزّة لا تزال محظورة على عمال الإغاثة، فضلًا عن الانقطاع المتكرّر للاتّصالات بسبب الحرب، والذي يؤدي إلى تعقيد عملهم.
وتعليقًا على ذلك، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تصريح للصحفيين إن "الوضع الإنساني في غزّة لا يمكن وصفه بالكلمات.. لا يوجد مكان آمن ولا أحد آمن في غزّة"، وأضاف إن "الإغاثة المنقذة للحياة لا تصل إلى الأشخاص الذين تحملوا أشهرًا من الاعتداءات المتواصلة".
ويؤكد عمال الإغاثة بغزّة أن أنهم لا يستطيعون ضمان سلامة الموظفين أو أسرهم، فحتّى الآن، قُتل 152 من موظفي الأمم المتحدة في غزّة، وفقًا لغوتيريش، وهي "أكبر خسارة في الأرواح في تاريخ منظمتنا".
ما هي المراحل التي تمر بها المساعدات؟
عمليًا، تمرّ عملية ادخال المساعدات إلى غزّة بالعديد من المراحل الشائكة التي تتضمن المزيد من العوائق الإسرائيلية الهادفة إلى تأخيرها أو منعها بالمطلق، أما الآلية فتتمثل بالتالي:
في المقام الأول، تمر المساعدات إلى غزّة عبر معبر رفح الحدودي مع مصر. وفي حين أن البوابات هناك يديرها مسؤولون مصريون وفلسطينيون، فلا يمكن لأي شيء الدخول دون تفتيش من قبل المسؤولين الإسرائيليين، ولهذا تصف مجموعات الإغاثة هذه العملية بأنها معقّدة وتستغرق وقتًا طويلًا.
وتبعًا ذلك يشرح أمير عبد الله، الذي يشرف على قوافل الهلال الأحمر المصري هذه المراحل، مشيرًا إلى أنه بعد الفحص المصري الأولي، يقوم سائقو الشاحنات المصريون بنقل حمولتهم عبر "طريق صحراوي وعر" إلى معبر "نيتسانا" بين مصر و"إسرائيل"، في رحلة تستغرق حوالي ساعتين.
والأسوأ أن نقطة التفتيش على معبر "نيتسانا"، تفتح فقط أثناء النهار وتغلق بعد ظهر الجمعة والسبت، وهذا يؤدي إلى انتظار السائقين في طابور طويل من الشاحنات، إلى حين مجيئ دورهم لفحص حمولتهم من قبل عملاء إسرائيليين يستخدمون الكلاب وجهاز المسح الضوئي.
لكن الرحلة لا تنتهي عند هذا الحد. فدخول المساعدات يخضع لمزاج "إسرائيل" التي غالبًا ما ترفض (ودون تقديم أي تفسيرات للمعنيين) بحسب عمال الإغاثة، الكثير من المواد، بما في ذلك مشارط الولادة، ومعدات تحلية المياه، والمولدات الكهربائية، وخزانات الأكسجين، والخيام ذات الأعمدة المعدنية. والكارثة، أنه عندما يتم رفض سلعة واحدة، يجب أن تردّ حمولة الشاحنة بأكملها، الأمر الذي قد يستغرق أسابيع.
أمّا في المراحل الأخيرة، ففي حال وافق الاحتلال على الشاحنات، تعود الحمولات المعتمدة إلى معبر رفح، حيث قد يستغرق الأمر عدة أيام حتّى يتم نقل البضائع إلى الشاحنات الفلسطينية، وفقًا لما قاله سائقان مصريان لصحيفة "واشنطن بوست".
وهنا أيضًا، تبرز مشكلة نقص المركبات الفلسطينية، حيث تضرر بعضها جراء القصف الإسرائيلي، إضافة إلى نقص الوقود اللازم للتنقل، بحسب شميزة عبد الله كبيرة منسقي الطوارئ في اليونيسف.
في المحصلة، إذا كانت مشاهد أشلاء الأطفال المتناثرة في كلّ مكان، وصرخات الأحياء منهم، وهم يئنون تحت وطأة الالم والوجع، إما بسبب الجراح التي ألمّت بهم، أو نتيجة لفقدانهم أطرافهم أو أجزاء من أجسامهم، لم تحرك الأنظمة الغربية المنافقة والمخادعة، وقبلها العربية المتواطئة للأسف، فهل ننتظر من هؤلاء وجميعهم شركاء بالجريمة وبالمذبحة القائمة، أن ينتفضوا لصور المجاعة المروعة والمهولة بغزّة؟ ننعى إليكم الإنسانية والضمير العالمي.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
01/10/2024