نقاط على الحروف
عن اللغة الصهيونية و"نا" الضحية...
منهال الأمين
في لبنان، وكذا في بلادنا العربية، وصفة سحرية عجيبة ولكنها بسيطة جدًّا: اُذكرْ حزبَ الله، وكذا إيران، بسوء وكن نجمًا تملأْ كلماتُك المدى، من مواقع تواصل ومواقع صحف وقنوات وغيرها، يغدق عليك القيّمون عليها ما لا تحلم به من أوصاف وألقاب، تبدأ بالخبير في الشأن الإيراني والحركات الإسلامية، ولا تنتهي بالمرجع الشيعي، حتى إن أحد هؤلاء حاز لقب "المرجع الأعلى للشيعة العرب".
عفا الزمن على مقولة "تستطيع أن تختلف مع حزب الله ولكن...". مع الوقت صار هذا الأمر نادر الوجود، الانقسام الحاد جدًا في لبنان وفي البلاد العربية، جعل المختلفين مع الحزب ومع إيران متماهين جدًا. هذا التماهي جعل أي مختلف يبدو معاديًا، أو حاقدًا أو مغرضًا أو مدفوعًا.
لا يضر بالحزب، ولا بإيران، ولا بمحور المقاومة كله، أن يكون بين الناس بمختلف انتماءاتهم وصفاتهم المهنية والأكاديمية والعادية، من لا يشاركهم الرأي، ولكن الضرر من أن هذا المحور تتربص به أقلام مأجورة، تعمل منذ عقود على التشويه والتحريض وإلصاق التهم، وتحت عنوان "الاتهام السياسي" لم تبقَ موبقة لم تحمّل للمحور في المنطقة.
لا زال الناس يذكرون محطات لبنانية، بعد انفجار مرفأ بيروت الرهيب بدقائق معدودة، بثت خطابًا لرئيس وزراء العدو المجرم بنيامين نتنياهو، وترجمت بعض فقراته مدعية أنه يقول إن إسرائيل ضربت مرفأ بيروت لأن حزب الله يخزن فيه السلاح.
ومع أن الترجمة تبينَ أنها غير صحيحة، فإن هذا الاتهام سرى كالنار في هشيم المتضررين الذين ضُلّلوا بهذا الكلام، ولكن كيف يفسر انقياد ساسة ومسؤولين وأهل قانون وراء هذا الاتهام؟ رئيس حزب الكتائب اللبنانية، سامي الجميل، يكاد لا يهدأ متنقلًا من شاشة إلى أخرى، ومن موقع إلى آخر، وهو يردد هذه السردية، جازمًا أن الحزب مرتكب انفجار 4 آب، لا مجرد مسؤول عنه أو يتحمل مسؤولية ما، يعني حتى إنه تخلى عن "الاتهام السياسي"!.
وهذا الأخير يعود رويدًا رويدًا إلى اللغة الصهيونية التي سادت في أواسط السبعينيات حتى أواخر الثمانينيات، ويتحدث عن الحياة بهدوء وسلام لكل شعوب المنطقة، بما فيها "الشعب الإسرائيلي". تمامًا كما قال قائد جيش العملاء سعد حداد، بُعيد انتخاب بشير الجميل رئيسًا للجمهورية في 21 آب/ أغسطس 1982، "إننا، شعب جنوب لبنان، والإسرائيليين شعب واحد"!. وفق ما نقلت عنه صحيفة "The Jewish News" في عددها الصادر بتاريخ 3 أيلول/ سبتمبر 1982.
سبق كلام العميل سعد حداد، كلام لرئيس حزب الوطنيين الأحرار، دوري شمعون (كان يومها أمينًا عامًا للحزب، وهو ابن رئيس الجمهورية كميل شمعون الذي ارتمى علنًا في حضن الإسرائيليين (نكاية بالفلسطينيين؟!))، مثل كلام حداد في الوضوح والتماهي مع الصهاينة. يقول شمعون بتاريخ 22 حزيران/ يونيو 1982، أي بعد أسبوعين على الاجتياح الصهيوني للبنان، أمام عدد من الصحافيين في مقر إقامته في فندق " the pierre" في نيويورك: "بالنسبة لمعظم اللبنانيين، فإن الغزو الإسرائيلي طال انتظاره". وفق ما جاء أيضًا في صحيفة "The Jewish News" في عددها الصادر بتاريخ 9 تموز/ يوليو 1982.
وكلام هؤلاء هو دائمًا عن "معظم" أو "كل" أو "يوجد إجماع"... لا تجدهم يحتاطون فيقول مثلًا: جزء من... نسبة لا يستهان بها... للأمانة العلمية على الأقل!
يقال في لبنان إن صفحة الحرب طويت، وقانون العفو كفيل بأن يضمن هذا الأمر. لكن ما نراه أن قوانين العفو في هذا البلد إنما تُطمِع البعض في الاستمرار في النهج الانعزالي، وفي التبجح بعدم وجود أي مشكلة مع الكيان الصهيوني. فنجد صحافيين لبنانيين يعملون في قنوات عربية مطبِّعة لا يتورعون عن استضافة شخصيات صهيونية، عسكرية في الأغلب، وأخذ آرائهم بكل أريحية. مع أن القانون اللبناني يجرِّم هذا النوع من التواصل.
حتى إننا شهدنا حملات تضامن مع صحافية مطبِّعة، بعد أن تقدم ناشطون وأسرى محررون بدعوى ضدها أمام القضاء، في ما عده منظمو الحملات فعلَ تخوين وهدر دم، وغيرها من مصطلحات استخدمها حزب الكتائب أيضًا في بيانه الأخير، ردًا على استنكار ظهور رئيس الحزب في مقابلة مع تلفزيون فرنسي، أجرتها معه صحافية إسرائيلية، واصفًا من استنكر بالذباب الإلكتروني. ويكفي هذا "الذباب" أنه يستند إلى القانون اللبناني في تجريم حتى التطبيع مع العدو الصهيوني، فضلًا عن التعامل معه!
هذه النوعية من السياسيين تتحدث بجدية عن انسحاب حزب الله بضعة كيلومترات عن الحدود مع فلسطين المحتلة، كضمانة للعدو ومستوطنيه، وهي فكرة إسرائيلية، ما فتئ الصهاينة، وخصوصًا رؤساء المستوطنات الذين يملؤون المدى بصراخهم وتذمرهم، في استجداء العالم من أجل تنفيذها. وكأن هذا الحزب طارئ على البلد.
هنا نستعيد الخطاب العدائي ضد الفدائيين الفلسطينيين، الذين كان اليمين المسيحي يعدهم عدو لبنان الأول، فيما يمكن الاستعانة بـ"إسرائيل" التي تسببت بمأساتهم من أجل التخلص منهم، ولم يهتم هؤلاء ــ وما زالوا ــ من أجل إلزام "إسرائيل" بحق العودة، ومع هذا فهم يصدّعون الرؤوس ليل نهار بالتحذير من التوطين.
ويغلّبون خطاب حق الدولتين وحق الشعبين، ولم نسمع أيا منهم يقرّع "إسرائيل" ــ مجرد تقريع ــ على رفض حق العودة، التي تهدد "الديمغرافيا" اللبنانية، وهم أنفسهم صامتون صمت القبور على التواطؤ الدولي، لا سيما الفيتو الأميركي، في قضية عودة النازحين السوريين، ومع هذا يصرخون ليل نهار من القلق من هذا النزوح.
هذا فضلًا عما يتفوه به صحافيون وناشطون على منصة "إكس" وغيرها، من كلام عنصري واضح وفج. فانتقلنا من لغة "ما بيشبهونا" إلى لغة نسبة ما عندهم إلى غيرهم، فهذا ما يسمى "مسؤول التنشئة في القوات اللبنانية" يتهم بيئة المقاومة، بعد أن يصفهم بالجوعى، بأن بيوت الدعارة تنتشر في مناطقهم. وأنا آنف من أن أذكر عن البيوت المعروفة لهذا الأمر، وفي مناطق نفوذ مَن تنتشر، ولا أجد من حقي، أو من حق غيري، القول: تلك الأماكن تنتشر في أماكنكم؛ لأن ما يضعفنا في هذا البلد هو لغة "نحن" و"أنتم"، فيما العدو منهمك في قتلـ"نا".
الإعلامالإعلام والاتصالالعنصريةوسائل الإعلام
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
06/10/2024
بماذا أوصى الامام الخامنئي بيئة المقاومة؟
05/10/2024
ماذا خلف ارتفاع وتيرة الاعتداءات على سورية؟
01/10/2024