آراء وتحليلات
المواصفات الاستراتيجية والتكتيكية للمرحلة الثانية من الحرب الأميركية الصهيونية
إيهاب شوقي
في محصلة للمسارات المخزية التي راهنت على السلام المزعوم مع العدو، تتجلى مفارقة مؤلمة وفاضحة ومهينة للأنظمة، وهي المفارقة المتعلقة بما تسمّى "مبادرة السلام العربية" والتي تخلت عن فلسطين التاريخية وطالبت بحل الدولتين ودولة فلسطينية على حدود 67 مقابل الاعتراف الكامل بالعدو والتطبيع معه، حيث تحول الأمر بعد هذه السنوات التي رفعت بها المبادرة من طرف واحد رسمي عربي، إلى عرض أميركي مذل على الأنظمة مفاده، اقامة التطبيع الكامل مع العدوّ كشرط مسبق لوعد دون ضمانات بحل الدولتين ووعد بإقناع الكيان الصهيوني بذلك!
واللافت أيضًا، وفي نفس الوقت ما يشكل ريبة، أن الانظمة منفتحة على الأطروحات الأميركية، في تجاهل تام للمستجدات الميدانية التي أثبتت صمود المقاومة ومصداقية وحدة الساحات وهو متغير جديد فرض نفسه على المعادلات الاستراتيجية، ومن سيتجاهله أو يتعامى عنه أو يتكبر عليه، سوف يغرق في الحسابات الخاطئة.
وهنا ربما يجدر بنا أن نعيد الاعتبار لبعض الأمور التي أصبحت مع تطوّر الأحداث وانكشاف الحقائق من أبجديات الصراع:
1 - أميركا من تقود الحرب.
2 - إدارة بايدن واجهة وشخص بايدن أو ترامب أو أي إدارة هي مجرد شخوص تنفذ املاءات كيان أميركي عميق يقوم على تجارة الحروب والسلاح وقيادة الهيمنة تكتيكيًا واستراتيجيًا يمكن أن يطلق عليه (حزب الحرب).
3 - "اسرائيل" لا تستطيع فعل شيء دون ضوء أخضر اميركي.
وبالتالي فإن الهجمات التي ينفذها الصهاينة، بما فيها سياسة الاغتيالات الخارجية، ومنها الجريمة التي استهدفت ضباط الحرس الثوري في دمشق هي هجمات أميركية ولو كانت بتنفيذ إسرائيلي، وهي رسائل من ضمن الرسائل المتعددة التي ترسلها أميركا لإيران.
وما يجعلنا نذهب لذلك أمران:
الأول: أن اميركا وكما يبدو لا تستطيع استيعاب منظومة محور المقاومة القائمة على استقلال الجبهات رغم وحدة الرؤية الاستراتيجية ووضوح العدوّ ووضوح الهدف، وبالتالي ترسل دومًا رسائل خاطئة لأطراف محور المقاومة ظنًا أن هذه الأطراف تخشى التهديدات، وترسل رسائل خاطئة لإيران ظنًا أن إيران تشغل كيانات وظيفية وبإمكانها بضغطة زر أن تأمرها بالتصعيد أو التهدئة.
وهذا الخطأ المستمرّ في التقدير الأميركي يربك أميركا ويدخلها في حماقات قد تقود لانزلاقات كبرى تظن من خلالها أن استهداف إيران قد يجبر بقية الساحات على التهدئة!
الثاني: المراقب لمراكز الفكر الأميركية وتوصيات الخبراء يلمح دومًا توافقًا بين التوصيات وبين السياسات التنفيذية الأميركية، وفي المرحلة الراهنة هناك استجابة مباشرة للعقول الاستراتيجية الأميركية التي أوصت بأن اميركا لا بد وأن تظهر ما يسمّى (العنف الكامن) أي ابداء الاستعداد للتصعيد مع ضربات محسوبة بدقة توصل الرسائل ولا تقود للحرب الواسعة، ولكن على أميركا دوما إقناع الخصوم بأنها ماضية في شوط التصعيد لنهايته.
ويمكن هنا الاستشهاد بما أكده "توماس شيلينغ"، الخبير الاستراتيجي في السياسة الخارجية الأميركية والخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل، حيث أورد تقرير على موقع الدراسات السياسة والاستراتيجية الأميركي رؤية هذا الخبير بالقول إن "الردع يعتمد جزئيًا على التهديد بإلحاق المزيد من الألم"، وهو ما أسماه شيلينغ "العنف الكامن".
ويستلزم هذا النهج أن تستخدم الولايات المتحدة قوة محسوبة ضدّ الجماعات المدعومة من إيران في اليمن والعراق وسوريا، مما يشير إلى أنها مستعدة لاستخدام المزيد من القوّة إذا لزم الأمر، ثمّ تتابع إذا لزم الأمر، وفقًا لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية الأميركي.
وهذه السياسة التي اصطلح عليها بـ"العنف الكامن" هي أحد تنوعات السياسة الأميركية المعروفة بـ"حافة الهاوية"، وتمثل أيضًا بشكل أو بآخر نوعًا من سياسة "الدبلوماسية القسرية".
وهذا يقودنا لتوصيف المرحلة الثانية التي أعلنها العدو، حيث انتهت المرحلة الأولى من الحرب بفشل استراتيجي، وما أسماه مرحلة ثانية هي باختصار مرحلة للالتفاف على الفشل بالإستعاضة عن المواجهات المباشرة بتكثيف القصف وتكثيف العمليات الاستخباراتية القائمة على الاغتيالات والاستعانة بالأذرع الإرهابية داخل بلدان محور المقاومة، وهي مرحلة تستدعي الانتباه والحذر وزيادة الإجراءات الاحترازية، لأنها تتميّز بالغدر.
أي أن المرحلة الأميركية الصهيونية الثانية يمكن وصفها عبر القراءة التالية:
أولًا: هدفها الاستراتيجي هو القضاء على وحدة الساحات وترك غزّة فريسة للعدو دون منغصات خارجية عبر تكتيك الذهاب إلى حافة الهاوية بإبداء الاستعداد للمواجهة الشاملة.
ثانيًا: وسائلها التكتيكية هي الاغتيالات وأعمال المخابرات والفتن والاستعانة بالإرهاب وتكثيف القصف عوضًا عن المواجهات المباشرة التي ثبت فشلها وكبدت العدوّ خسائر فادحة، وربما تعميق الإجراءات التي تؤدي إلى النزوح والتهجير.
والسؤال هنا، هل تستطيع أميركا وهي تقود العدوّ الإسرائيلي في المرحلة الثانية من الحرب أن تردع محور المقاومة عن معادلة وحدة الساحات التي تعهدت كلّ ساحة بأنها لن تعود للوراء وأن الساحات ستظل مشتبكة إلى أن يتم وقف إطلاق النار؟ وهل ستنجع في هزيمة المقاومة في غزّة وتصفيتها أو اجبارها على التنازل والمغادرة لصالح ترتيبات أخرى تفرغ غزّة وكامل فلسطين المحتلّة من المقاومة وخيارها وثقافتها؟
الإجابة هنا حددها قادة محور المقاومة ولخصها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمات قصيرة وحاسمة، وهي: بيننا وبينكم الميدان والأيام والليالي.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024